منظمات بلجيكية تطالب بوقف “الحياد المتواطئ” تجاه المجاعة في غزة

وجّهت مجموعة من المنظمات الحقوقية، إلى جانب عدد من الشخصيات المدنية والسياسية والفكرية والعلمية في بلجيكا، عريضة إلى الحكومة البلجيكية تحت عنوان “الكلمات العقيمة أسوأ من صمت الشركاء: افعلوا شيئًا”، دعت فيها إلى اتخاذ عقوبات فورية وإجراءات حاسمة لوقف الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في غزة من طرف جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسها استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين.
العريضة، التي جاءت بمبادرة من عدد من الهيئات الحقوقية من بينها منظمة “إفدي” الدولية لحقوق الإنسان، حمّلت بعض الأحزاب السياسية البلجيكية مسؤولية التقاعس عن أداء دورها الأخلاقي والقانوني تجاه ما يجري في قطاع غزة، مطالبة الحكومة بالخروج من دائرة “الحياد المتواطئ”، والاضطلاع بمسؤولياتها بموجب القانون الدولي.
وفي هذا السياق قال المحامي عبد المجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “إفدي” الدولية لحقوق الإنسان، إن العريضة الصادرة بمبادرة من عدد من المنظمات الحقوقية، من بينها “إفدي”، تمثّل صرخة ضمير في وجه الصمت الدولي، خاصة من جانب الحكومات الأوروبية، تجاه جريمة الإبادة الجماعية التي تُبث على الهواء مباشرة في قطاع غزة منذ بدايتها في أكتوبر 2023.
وأوضح مراري في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن العريضة، التي كانت من أولى المبادرات المدنية التي تم توقيعها وتعميمها على نطاق واسع، “طالبت الحكومة البلجيكية باتخاذ عقوبات فورية وإجراءات حاسمة لوقف الجرائم ضد الإنسانية، وعلى رأسها استخدام التجويع كسلاح، محمّلة في الوقت نفسه بعض الأحزاب السياسية مسؤولية التقاعس عن القيام بدورها الأخلاقي والقانوني”.
وشدد المتحدث على أن الحكومة الفيدرالية البلجيكية تمتلك أدوات ضغط فعّالة، وقد دعتها العريضة إلى التعاون مع مجموعة لاهاي، والالتزام بالقرارات التي تبنّتها الدول الأعضاء فيها، وعلى رأسها إسبانيا، إيرلندا، سلوفينيا، وهولندا، والتي أوصت باتخاذ تدابير عقابية عاجلة ضد إسرائيل دون انتظار موقف موحد من الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن العريضة دعت إلى سلسلة من الخطوات الواضحة، من بينها: الاعتراف الفوري بدولة فلسطين، حظر إنتاج أو عبور الأسلحة ومكوناتها، منع دخول المسؤولين الإسرائيليين إلى الأراضي البلجيكية والهولندية، وفرض عقوبات ملموسة، مؤكدا أن “الوقت قد حان للانتقال من التصريحات إلى الأفعال”.
وأكد المحامي والفاعل الحقوقي أن العريضة اعتبرت التصريحات السياسية العقيمة ـ مثل التعبير عن القلق أو الانزعاج ـ أسوأ من الصمت، في وقت يموت فيه عشرات الأطفال الفلسطينيين جوعًا. وقال إن العريضة تعكس نبض الشارع البلجيكي والأوروبي، الذي ظل في حالة غليان مستمرة منذ 8 أكتوبر 2023، ما أجبر العديد من الحكومات الأوروبية على مراجعة مواقفها الداعمة لإسرائيل.
واعتبر مراري، في هذا الصدد، أن حملة الاعترافات بدولة فلسطين التي انطلقت مع قرار إسبانيا وإيرلندا والنرويج السنة الماضية، واستمرت هذه السنة من خلال قرار فرنسا، البرتغال، كندا، وبريطانيا عن نيتها الاعتراف، تمثل نتائج مباشرة لهذا الزخم الشعبي والضغط المدني والسياسي المتواصل، مشددًا على أن بلجيكا مطالبة اليوم بالانخراط الجاد في هذا المسار الأخلاقي والقانوني.
وفي السياق، قالت المنظمات الحقوقية وعدد من الشخصيات المدنية والسياسية والفكرية والعلمية في بلجيكا، في العريضة إن العالم يشهد منذ عدة شهور أول إبادة جماعية تُبث على الهواء مباشرة عبر شاشات التلفزيون في التاريخ الحديث، مؤكدة أن الأغلبية الساحقة من المواطنين في بلجيكا تطالب الحكومة باتخاذ إجراءات حازمة وفورية، لوقف الجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، وعلى رأسها استخدام المجاعة كسلاح حرب.
وأوضحت الهيئات الحقوقية الموقّعة على العريضة، أن ما يدفع غالبية الشعب البلجيكي إلى المطالبة بالتحرك، لا يقتصر فقط على الصور الصادمة ونداءات الضحايا الفلسطينيين، بل يشمل أيضًا التقارير الرسمية، وأرقام الضحايا، ومواقف أعلى الهيئات القضائية الدولية.
واعتبرت العريضة أن الحكومة الفيدرالية البلجيكية تمتلك بالفعل أدوات ضغط حقيقية ومباشرة، داعية إلى الاستفادة من تجارب دول أوروبية أخرى مثل إسبانيا، إيرلندا، سلوفينيا، وهولندا، والتي اتخذت خطوات ملموسة من دون انتظار توافق أوروبي شامل.
ومن بين الإجراءات التي دعت إليها العريضة، الاعتراف الفوري بدولة فلسطين، ومنع إنتاج أو عبور الأسلحة ومكوناتها عبر الأراضي البلجيكية، ومنع دخول المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في الانتهاكات إلى التراب البلجيكي، وطرد السفير الإسرائيلي من بروكسل، وحظر استيراد منتجات المستوطنات.
وأشارت الوثيقة إلى أن ثلاثة من أصل خمسة أحزاب مكوّنة للائتلاف الحكومي بدأت، منذ أسابيع، تكثيف تصريحاتها الإعلامية الغاضبة والداعية إلى تحرك عاجل، مبرزة أن هذا التحوّل السياسي كفيل بتأمين أغلبية حكومية داعمة للعقوبات، لا سيما بعد أن بدأت مواقف حزب رئيس الوزراء تتجه نحو التليين.
لكن رغم هذه التطورات، اعتبرت العريضة أن الموقف الحكومي لا يزال يفتقر إلى الحسم، ووصفت أداء قادة الأحزاب المعنية بأنه “مرتبك ومتناقض”، إذ “يُصرّحون إعلاميًا كما لو كانوا مواطنين عاجزين عن اتخاذ القرار، أو كأن كل حزب منهم هو الطرف الوحيد الشجاع داخل الحكومة”، داعية إلى وضع حد لهذا “العبث السياسي”، على حد تعبيرها.
وقالت العريضة بأسى: “في الوقت الذي يُقرأ فيه هذا البيان، كم من طفل قد يكون مات جوعًا؟ على بُعد كيلومترات فقط من شاحنات مساعدات متوقفة قسرًا عند حواجز جيش الاحتلال!”
وفي نداء مباشر، دعت العريضة قيادات أحزاب Vooruit وCD&V وLes Engagés إلى الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، مشددة على أن وجود حزبين في الحكومة يرفضان الاعتراف بالإبادة الجارية ليس مسؤولية الشعب، بل مسؤولية من اختاروا التحالف معهم.