منتوج كروي بدون تكوين!
واضح أن البطولة الوطنية لكرة القدم لم تعد تفرز لاعبين من المستوى العالي الذين باستطاعتهم الذهاب مباشرة إلى التشكيلة الرسمية للمنتخب الوطني كما كان يحدث سابقا، وأن أنديتنا منذ سنوات أصبحت عقيمة عن إنجاب “الكوايرية” الحقيقيين الذين تؤهلهم إمكانياتهم وتكوينهم إلى الإنتقال إلى الدوريات الأوربية بسلاسة وأن يفرضوا أنفسهم فيها بسهولة.
الأمر مرتبط بخلل فظيع في التكوين، حيث لازالت تعتمد هذه الأندية في تشكيل فئاتها الصغرى على طرق متقادمة وهاوية كانت تصلح لزمن الثمانينات والتسعينات، عندما كانت الموهبة وحدها معيارا لانتقاء الأطفال المتميزين وتلقينهم بعد ذلك بعض الأبجديات البسيطة في التمركز داخل الميدان، أما اليوم وفي ظل التطور الرهيب الذي عرفته كرة القدم على مستوى العالم، فالموهبة وحدها “ما واكلاش” أمام السرعة والقوة والذكاء والإنضباط التكتيكي الذي أصبحت الأكاديميات الأوروبية تصنع به لاعبي المستقبل.
السؤال الذي يمكن طرحه هنا، هو لماذا أصبحت أنديتنا الوطنية تعيش هذه المعضلة في العمل القاعدي؟ ولماذا أصبحت هذه الفوارق الشاسعة بين لاعب تكَوّن في المغرب، وبين لاعب صنعته أحد الأكاديميات في أوروبا؟
أولا بسبب عدم وجود سياسة تكوين حديثة وموحدة على الصعيد الوطني تحت إشراف الإدارة التقنية الوطنية التابعة للجامعة، رغم المشاريع “الورقية” التي جاء بها المدراء التقنيون المتعاقبون والتي انتهت بالفشل قبل حتى أن يبدأ تنزيلها، وأيضا بسبب نوعية المسيرين الذين اختطفوا الأندية الوطنية خلال العقدين الأخيرين، والذين يركزون كل اهتمامهم على الفريق الأول باعتباره الواجهة التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم الشخصية في نيل “الحصانة” الرياضية التي تخفي أنشطتهم المشبوهة، ونسيان العمل على هيكلة أنديتهم بشكل احترافي انطلاقا من الإهتمام بالتكوين القاعدي الإحترافي.
ثانيا، بسبب نوعية من “المؤطرين”، بحيث أنه لازالت أغلب الأندية المغربية تكلفهم بالفئات الصغرى، وهنا الطامة الكبرى التي يتم التستر عنها رغم أنها سبب حقيقي في إنتاج هذا العدد الهائل من اللاعبين ذوي المستوى التقني الهزيل الذين يشكلون جل الفرق في البطولة الوطنية، حيث لازلنا نجد فئات الصغار والفتيان والشبان يشرف على تدريبهم لاعبون سابقون كل مؤهلهم في ميدان التأطير هي بعض التجربة في الملاعب وشهادة مدرب بسيطة، وكثير من “الصنطيحة” حول أحقيتهم في العمل داخل أنديتهم التي مارسوا فيها.
تأطير الفئات الصغرى في كرة القدم لم يعد هو ارتداء “الكاسكيط” وتعليق الصفارة في العنق والصراخ في الأطفال لتعليمهم “الدريبل” و”الكونطرول-باص”، بل أصبح عملية تربوية معقده تتطلب من المؤطر التوفر على إلمام دقيق بالوسائل البيداغوجية، وتقنيات التلقين العلمية، والدراية بسيكولوجية الأطفال والمراهقين، بالإضافة إلى القدرة على التنبأ بإمكانية تطور الطفل جسمانيا وذهنيا وقابليته ليستوعب شروط الممارسة في مستواها الإحترافي العالي.
عندما نرى كيف تشتغل جل الأكاديميات الأوروبية اليوم في صناعة نجوم الغد، وكيف تمت هيكلتها إداريا وماليا وتقنيا حتى أصبحت مؤسسات قائمة بذاتها، وعندما نرى أطفالا لم يبلغوا بعد سن الرشد وقد تحولوا لنجوم في فريق ناديهم الأول وكيف يتصرفون داخل محيطهم بنضج مذهل، وعندما نلقي نظرة على طريقة التكوين البدائية التي لازالت تسير بها أنديتنا، وكيف يتصرف لاعبوها في البطولة الوطنية، وكيف يلعبون وكأنهم في أحد دوريات الأحياء، فالخلاصة تذهب إلى أن أوروبا ابتعدت عنا كثيرا في مجال تكوين لاعبي كرة القدم، وينتظرنا داخل المغرب عمل جبار من أجل تقليص هذه المسافة بيننا وبين القارة العجوز ، هذا إن كانت لدينا فعلا نية في بداية سياسة تكوين وطنية تبرر قليلا كل هذه الميزانيات التي تهدر في كرة القدم من أجل لاشيء.