منتخب جنوب إفريقيا و”الكان”.. قصة الاستبعاد والعودة
وإزاء إصرار مندوب جنوب إفريقيا على شرطه، وإصراره على موقفه من لعب البطولة بفريق من البيض فقط، كان قرار بقية الأعضاء باستبعاد جنوب إفريقيا من البطولة، وإقامتها بفرق المنتخبات الثلاثة المتبقية فقط.
بعد ذلك عرفت كرة القدم في جنوب إفريقيا خلال سنة 1959، تأسيس أول جهاز يشرف على دوري يجمع أندية اللاعبين البيض، سمي بـ”اتحاد كرة القدم بجنوب إفريقيا”، وضم أندية كدوربان سيتي، وإيكلاند بارك، وأدينكتون، وكانت من أهم قوانينه التأسيسية منع أنديته من استقطاب اللاعبين السود، الذين انتظموا بدورهم داخل أندية خاصة بهم، أسست هي الأخرى جهازا للإشراف على دوري مخصص لهم سنة 1971، وأطلق عليه اسم “اتحاد كرة القدم للمحترفين”، وكانت أهم أنديته، أورلاندو بيراتس، وكايزر شيفس، وأمازولو.
لكنه في عام 1977 حدث انتقال لاعب سيساهم كثيرا في تغيير نظام دوريات كرة القدم في جنوب إفريقيا، بموازاة مع ما كان يشهده النظام السياسي للبلاد من تقلبات، حيث سينضم بموجبه اللاعب الأسود فنسنت جوليوس الملقب ب”تانتيس” إلى نادي أركاديا شيبردز الممارس في دوري أندية البيض دون إشعار الجهاز المشرف على الدوري، لكن تغاضي الأخير عن هذا الانتقال “غير القانوني” كان إيذانا بانتقالات أخرى من أندية السود إلى البيض اضطر معها اتحاد كرة القدم إلى تغيير بند في القانون الذي يمنع ذلك، وحصره في إمكانية استقطاب ثلاثة لاعبين سود فقط.
وكانت ليلة المباراة التي لعب فيها “تانتيس” الأسود في فريق البيض تاريخية في جنوب إفريقيا، حيث كان الحدث في اليوم الموالي على الصفحة الأولى في صحيفة ” بريتوريا نيوز” تحت عنوان: “كرة القدم في جنوب إفريقيا أصبحت متعددة الأعراق”، حيث كان للحدث رمزية كبيرة، وبمثابة بداية لمسلسل انهيار التمييز العنصري بين أندية كرة القدم في جنوب إفريقيا.
وفي عام 1978، وبعد مشاورات طويلة بين اتحاد كرة القدم المشرف على أندية البيض، واتحاد كرة القدم للمحترفين المشرف على أندية السود، تم دمج الدوريين المحليين في دوري واحد، مع حفاظ كل الأندية على الوضع السابق، حيث أصبحت أندية البيض والسود تتواجهان في نفس البطولة سنوات بعد ذلك، وبدأت الكثير من جدران الفصل العنصري تتساقط عن طريق الرياضة.
على الواجهة السياسية، كان نظام الفصل العنصري يضعف تدريجيًا، ولم يكن أمام الحكومات العنصرية للحزب الوطني الحاكم في جنوب إفريقيا أمام المتغيرات الدولية من خيار خلال الثمانينيات، سوى التراجع عن سياسة الأبارتايد، وكانت بعض العوامل تؤثر على السياسة الداخلية للبلاد، فمن ناحية، استمر عدد السكان البيض في التناقص إلى أقل من 15٪، مما كان يشكل تهديدا حقيقيا لاستمرارية الوضع القائم.
ومن الخارج، عانى النظام من انتكاسات قاسية مثل الهزيمة في حرب الحدود في جنوب إفريقيا ضد الشيوعيين الناميبيين في سوابو الذين حصلوا على المساعدة الأنغولية والتدخل الدولي لكوبا. كل هذا انضاف إلى مغادرة الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان أحد أكبر داعمي نظام الفصل العنصري في جمهورية جنوب أفريقيا عام 1989.
في خضم ذلك، كان دوري كرة القدم داخل جنوب إفريقيا قد سبق كل هذه المتغيرات السياسية، حيث تم حذف جميع القوانين العنصرية من لوائح جهازها المشرف على الأندية، مما سمح له بتقديم طلب العودة للانضمام إلى الاتحاد الدولي (فيفا)، والاتحاد الإفريقي (كاف)، وتم قبول عضويتها من جديد سنة 1992، بعد 35 سنة من الاستبعاد بسبب سياسة الميز العنصري، حيث بدأ تشكيل المنتخب الوطني لجنوب إفريقيا، استعدادا للمشاركة في المسابقات القارية والدولية.
وفي إبريل من عام 1994، جرت أول انتخابات متعددة الأعراق بجنوب إفريقيا، منهية بذلك عقوداً من إضطهاد السود داخل نظام الميز العنصري، وفاز نيلسون مانديلا، زعيم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بأغلبية مطلقة، وقاد البلاد بعدما لسياسة انفتاح كبيرة على مستوى القارة الإفريقية والعالم، وكانت من ضمنها طلب استضافة المنافسات الرياضية الكبيرة للفت أنظار المنتظم الدولي، ونشر الصورة الجديدة للبلاد بعد نهاية نظام الأبارتايد.
وهكذا وافق الاتحاد الإفريقي على طلب جنوب إفريقيا باستضافة دورة كأس إفريقيا للأمم لسنة 1996، كانت مناسبة ليشارك فيها منتخبها لأول مرة بتشكيلة قوية من اللاعبين في مقدمتهم مارك فيش، ولوكاس راديبي، وفيل ماسينغا، وتمكنوا من الوصول إلى المباراة النهائية، والظفر باللقب بعد الفوز على المنتخب التونسي بهدفين لصفر