story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
إعلام |

الكعبي.. قصة نجم اختار كتابة مجده بمقصيات ذهبية في سماء المستديرة

ص ص

لم تكن مقصية أيوب الكعبي الخرافية التي استقرت في شباك المنتخب الزامبي، مساء الإثنين 29 دجنبر 2025، على أرضية ملعب الأمير مولاي عبد الله، إعلانًا متأخرًا عن موهبة كروية فريدة، بل كانت “توقيعًا” ذهبيًا على عقدٍ من الإصرار، بدأه ابن “درب ميلا” في الدار البيضاء منذ أكثر من عشر سنوات.

فبعد مقصيته في مرمى جزر القمر، برسم الجولة الأولى، من منافسات النسخة ال 35 لبطولة كأس إفريقيا للأمم المغرب 2025، أبى أيوب الكعبي إلا أن يختتم دور المجموعات في الجولة الثالثة، أمام جماهير ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، ومتابعة الملايين خلف الشاشات، بارتقائه من جديد ومعانقته للهواء بمقصية بديعة سكنت شباك الحارس الزامبي، ويلارد موانزا، معلنةً الهدف الثالث لـ”أسود الأطلس”، ومكرّسة تصدره لقائمة هدافي البطولة برصيد ثلاثة أهداف، بالتساوي مع إبراهيم دياز.

أعاد رقمًا غاب عقدًا

هذا التألق، الذي قاد المغرب إلى صدارة المجموعة الأولى بسبع نقاط والتأهل إلى دور ثمن النهائي، يعيدنا بالذاكرة إلى فصول ملحمة إنسانية ورياضية بطلها شاب آمن بموهبته، ونهض من وسط الركام، محلّقًا بجناحيه في سماء القارة السمراء، كما تنهض العنقاء من رمادها.

ومن المفارقات التاريخية المذهلة، أن المباراة التي شهدت تألق الكعبي، يوم الاثنين 29 دجنبر 2025، أعادت رقمًا غاب عن الكرة المغربية لمدة 13 عامًا، إذ أصبح الكعبي أول لاعب مغربي يسجل هدفين في مباراة واحدة بنهائيات كأس أمم إفريقيا منذ “ثنائية” حسين خرجة في مرمى الغابون عام 2012.

وسنة 2012 ذاتها كانت نقطة بروز نجم الكعبي الاحترافي في دهاليز الهواة والأقسام الشرفية، حين كان يصارع لإثبات ذاته كظهير أيسر ومدافع، قبل أن تأتي الانفطارة الحقيقية في صفوف الراسينغ البيضاوي (الراك) عام 2017، حين غيّر مركز لعبه ليتحول إلى “سفاح” شباك لا يرحم، مسجلًا 25 هدفًا في موسم واحد بالدرجة الثانية.

الطريق من “درب ميلا”

وُلد الكعبي عام 1993 بالدار البيضاء، ونشأ في حي “درب ميلا” في ظروف أسرية متواضعة. لم يكن طريقه مفروشًا بالورود، بل كان معبّدًا بـالكدح في ورشات النجارة والبناء بمديونة، إذ اضطر لترك الدراسة في سن الخامسة عشرة للعمل ومساعدة أسرته، قبل أن يركز لاحقًا بشكل كامل على كرة القدم.

قبل أن يبرز الكعبي هدافًا للمنتخب المغربي (32 هدفًا في 62 مباراة دولية)، والصانع الرئيسي لفوز أولمبياكوس بدوري المؤتمر الأوروبي سنة 2024 (15 هدفًا في الموسم الأوروبي بأكمله، كرقم قياسي للاعب إفريقي)، بدأت قصته في الأحياء الشعبية بالدار البيضاء، حيث تعلّم كرة القدم في الشوارع.

إجادته اللعب بالرجل اليسرى منحته شهرة محدودة بين فرق الأحياء المجاورة، ولفتت أنظار أندية الأقسام الشرفية بعصبة الدار البيضاء، ليوقّع على ما وصفه بـ”انطلاقته شبه الحقيقية” صيف 2003، بانضمامه إلى فريق الضمان الاجتماعي الذي لعب له سبع سنوات، قبل الانتقال إلى فريق اتفاق لالة مريم لموسمين.

أُشرك الكعبي في مركز الظهير الأيسر ثم في وسط الميدان الدفاعي، ولعب مواسمه الأولى في هذين المركزين وسط ملاعب متربة، لكنه كان يدرك أنها مرحلة صبر في انتظار فرصة تضمن له شروطًا أفضل لإبراز موهبته وإمكاناته.

نجم “الراك” يسطع عالميًا

وفي عام 2012، بدأ مشواره مع نادي الراسينغ البيضاوي (الراك)، الذي أعاره موسم 2013–2014 إلى نادي الشعب البيضاوي، قبل إلحاقه بنهاية 2014 بالفريق الأول، بعد اقتناع المدرب ماندوزا بقدرته على أن يكون حلقة هجومية مهمة.

تم إشراك الكعبي لأول مرة في مركز قلب الهجوم بعدما كان يلعب كظهير أيسر، فحقق 25 هدفًا في 33 مباراة خلال موسم 2016–2017، متوجًا هدافًا لدوري الدرجة الثانية المغربي. وفي ماي 2017، قاد أيوب الكعبي فريقه الراك لتحقيق حلم الصعود إلى القسم الأول.

نهاية العام ذاته، انتقل إلى نهضة بركان، حيث توّج بلقب كأس العرش موسم 2017–2018، وبلقب هداف البطولة في موسمي 2017–2018 و2019–2020، إضافة إلى لقب أفضل لاعب في الفريق لموسم 2017–2018، مقدّمًا مستويات لافتة مع الفريق البرتقالي.

وفي غضون ذلك، فتح له تألقه في “شان 2018” (9 أهداف) أبواب المنتخب الوطني والمشاركة في مونديال روسيا 2018، ثم في مونديال قطر 2022.

وكانت نقطة التحول الكبرى في مسيرته مناداة الناخب الوطني للمحليين آنذاك جمال السلامي لقيادة هجوم المنتخب في بطولة أمم إفريقيا للمحليين، حيث تُوّج هدافًا للدورة بتسعة أهداف، ما فرض على المدرب هيرفي رونار ضمه إلى لائحة المنتخب المتوجهة إلى كأس العالم، والمشاركة أساسيًا في المباراة الأولى أمام إيران.

خاض الكعبي تجربة سريعة في الصين مع خبي فورتشن (2018–2019)، قبل أن يعود للتألق مع الوداد البيضاوي (2019–2021)، متوجًا بلقب البطولة المغربية موسم 2020–2021، وهدافًا لها بـ18 هدفًا.

ثم خاض محطات في تركيا مع هاتاي سبور (2021–2023)، وقطر مع السد عام 2023، قبل أن يحط الرحال في اليونان ويبدأ واحدة من أنجح تجاربه الاحترافية.

“هيروس” المغرب بأثينا

مع أولمبياكوس، فجّر الكعبي طاقته التهديفية، وقاد النادي اليوناني لتحقيق أول لقب أوروبي في تاريخه، بالفوز على فيورنتينا الإيطالي (1–0) في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي، الذي أُقيم بملعب أيك أثينا في 29 ماي 2024.

كما تُوّج هدافًا للمسابقة برصيد 11 هدفًا، وأصبح أكثر لاعب عربي تسجيلًا للأهداف في نسخة واحدة من المسابقات الأوروبية برصيد 16 هدفًا، محطمًا رقم محمد صلاح (10 أهداف موسم 2017–2018)، ومعادلًا رقم راداميل فالكاو بتسجيل خمسة أهداف في نصف نهائي مسابقة أوروبية.

واحتفل أولمبياكوس في مارس 2025 بمرور مئة عام على تأسيسه، وسيظل تاريخ 29 ماي 2024 محفورًا في ذاكرته بالذهب، كما سيُسجّل أن الفضل الكبير في إنجازه الأوروبي يعود إلى “هيروس” مغربي (بطل بلغة الإغريق) اسمه أيوب الكعبي.

وخلال الموسم الأخير، قاد الكعبي أولمبياكوس للتتويج بلقب كأس اليونان، بعد الفوز على أوفي كريت في النهائي الذي أقيم، ماي الماضي، على أرضية ملعب أواكا في أثينا، حيث افتتح التسجيل لفريقه في الدقيقة التاسعة، وقدم تمريرة حاسمة لزميله رومان ياريمتشوك الذي سجل الهدف الثاني في الدقيقة 93، مؤمّنًا اللقب.

ويُعد هذا الهدف هو السابع والعشرون للكعبي مع أولمبياكوس في مختلف المسابقات خلال الموسم الجاري، إلى جانب 7 تمريرات حاسمة، ما يعكس دوره الأساسي كصانع ومُسجل للأهداف في الفريق.