story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
استثمار |

ملاعب المونديال.. هل يخطط المغرب لتفادى فخ البرازيل وجنوب إفريقيا؟

ص ص

تُعد بطولة كأس العالم لكرة القدم من أكبر الأحداث على مستوى العالم، حيث تستقطب اهتمام أكثر من 5 مليارات مشجع عبر مختلف القارات، ما يشعل المنافسة بين الدول لنيل شرف تنظيم إحدى نسخ هذا الحدث العالمي، من خلال تقديم ملفات ترشيح تستعرض ملاعب حديثة وبنى تحتية بمعايير دولية.

غير أن هذا الزخم العالمي، الذي يدوم طيلة شهر كامل، يتلاشى بمجرد إطلاق صافرة النهاية في المباراة الختامية للبطولة، لتجد الدول المستضيفة نفسها أمام تحدٍ حقيقي يتعلق بكيفية ضمان استدامة واستغلال هذه الملاعب بعد انتهاء البطولة.

تفاعلاً مع الموضوع، أكد الباحث والمتخصص في السياسات الرياضية، منصف اليازغي، أن العديد من الدول التي سبق لها تنظيم كأس العالم، مثل جنوب إفريقيا والبرازيل، واجهت صعوبات كبيرة في استثمار واستغلال الملاعب، التي شيدتها خصيصا لهذه البطولة، بعد انتهاء الحدث الرياضي. لكنه نفى أن تعرف الملاعب التي يُشيدها المغرب “نفس المصير”.

واستعرض الباحث الصعوبات التي واجهتها عدد من الدول التي سبق لها نيل شرف تنظيم كأس العالم، مشيرًا إلى أن هذه الإشكالات تعود أساسًا إلى ضعف التخطيط وسوء تدبير مرحلة ما بعد التظاهرة.

فيما يخص تجربة جنوب إفريقيا، أوضح اليازغي أن البلاد واجهت صعوبات حقيقية على مستوى ميزانية بناء عدد من الملاعب، مشيرًا إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه التكلفة المقررة لأحد الملاعب لا تتجاوز 125 مليون دولار، ارتفعت الكلفة الفعلية إلى 2.1 مليار دولار، ما يعكس خللًا كبيرًا في التقدير والتدبير المالي للمشروع.

وتابع أن الإشكال تكرر فيما بعد على مستوى تدبير تكاليف الصيانة، حيث قفزت هذه الأخيرة من 421 مليون دولار التي كان مخططا لها إلى ما يتجاوز 5.1 مليار دولار.

كما تطرق اليازغي إلى مشكل آخر يتعلق بمردودية هذه الملاعب نظرا لضعف الحضور الجماهيري في ملاعب جنوب إفريقيا، مستدلا في ذلك بملعب “كيب تاون” الذي لا يتجاوز الحضور فيه معدل 400 متفرج في الوقت الذي تبلغ تسعته الإجمالية 55 ألف متفرج، وهو ما جعل السلطات تفكر في هدمه أو البحث عن طرف آخر يستأجره.

أما بخصوص نسخة 2014 في البرازيل، فقد أبرز أن هذه الأخيرة واجهت تحديًا من نوع مختلف، حيث بُنيت ملاعب في مناطق لا يوجد فيها فرق محترفة تنشط على مستوى عالٍ، ما جعل بعضها يتحول إلى مستودع للحافلات أو صالات للأعراس والمناسبات، مشيرا إلى ملعب “أرينا أمازونيا” الذي يتسع لـ44 ألف متفرج، بات يستخدم من قِبل فرق الهواة.

ذات الإشكال تكرر مرة أخرى مع نسخة 2018 في روسيا، يضيف اليازغي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: ملعب “كالينينغراد” الذي يحتضن فريق ينشط في الدرجة الثانية، وملعب “فولغوغراد” الذي يحتضن مباريات فريق من الدرجة الثالثة.

واستطرد أن ملعب “موردوفيا أرينا” المونديالي، لم يعد له فريق منذ سحب رخصة فريق “موردوفيا” بسبب تراكم الديون سنة 2020، مضيفا أن هذا الوضع جعل بعض هذه الملاعب تُستخدم في أنشطة رياضية مختلفة كالملاكمة والكاراتيه والمصارعة، لضمان مردودية تغطي تكاليف الصيانة.

وفي المقابل ذلك، أشار اليازغي إلى أن المغرب يتبنى منهجًا شبيهًا بقطر خلال استعدادها لآخر نسخة سنة 2022، وهي التجربة التي يعترها ناجحة رغم أنه “لا يتم التطرق لها كثيرًا”.

فرغم أنه كان واضحا بأن قطر راهنت بشكل أكبر على صورتها في الوسط الدولي أكثر من المداخيل المادية، إلا أنها تبنّت استراتيجية قائمة على تنظيم عدد كبير من التظاهرات الرياضية الكبرى، “ما جعل هذه الملاعب مربحة أو على الأقل مبررة من ناحية الجدوى”.

وكانت قطر بملاعبها الثمانية قد حصلت على شرف تنظيم كأس العالم لأقل من 17 سنة لخمس دورات، بالإضافة إلى كأس آسيا وكأس العرب لـ3 دورات، “وهو ما يدل على وجود تصور واضح مسبق لعملية بناء الملاعب”، خاصة أن قطر قامت بتشييد سبعة ملاعب جديدة خصيصًا لاحتضان هذا الحدث العالمي، في وقت لم تكن تتوفر فيه سوى على ملعب “خليفة الدولي” الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 1975.

وبالعودة للسياق المغرب، ينفي الباحث المتخصص في السياسات الرياضية أي تخوف بخصوص مصير الملاعب المغربية، خاصة أن أغلب الملاعب ليست جديدة، وليست مبنية في أماكن معزولة أو خارج المدن، باستثناء ملعب بنسليمان.

وتابع أن ملاعب المغرب المونديالية موجودة في مدن كبرى مثل فاس، مراكش، أكادير، الرباط، طنجة… “وهي مدن تتوفر على أندية محترفة تنشط في القسم الأول، ما يضمن حضور جماهيري، على عكس التجارب السابقة في البرازيل وروسيا”.

وبخصوص عملية التدبير والصيانة، يرى اليازغي أن المغرب يتوفر على تجربة ناجحة في تدبير الملاعب من خلال الشركة الوطنية لإنجاز وتدبير المنشآت الرياضية “سونارجيس”، “والتي أثبتت كفاءة ونسبة نجاح عالية في تدبير عدة ملاعب”.

وأضاف المتحدث أن المغرب، عبر تطوير بنيته التحتية الرياضية، يعالج أصلًا مشكلة كانت تُعد من أبرز العراقيل في تطور ممارسة كرة القدم، ما سيؤدي بالضرورة إلى رفع مستوى الأداء الكروي، “لأنه لا يمكن الحديث عن ممارسة احترافية بدون بنية احترافية”.

وعلى غرار قطر، أوضح الباحث أن المغرب لا يراهن فقط على البطولة الوطنية، بل يسعى إلى استضافة تظاهرات رياضية كبرى، بحيث أنه من المنتظر أن يحتضن المغرب عدة تظاهرات خلال الفترة الممتدة ما بين سنتي 2025 و2035.

وإلى جانب بطولة كأس إفريقيا 2025 المزمع احتضانها نهاية السنة الجارية، وكأس العالم سنة 2030 مع كل من إسبانيا والبرتغال، يرتقب أن ينظم المغرب كأس العالم للأندية سنة 2029، وكذا كأس العالم لأقل من 17 سنة سيدات على خمس دورات، مع توقعات باحتضانه كأس العالم للسيدات سنة 2035.

وأضاف اليازغي أن “ملاعب المغرب ستكون مجهزة بأحدث الأنظمة: بوابات إلكترونية، تذاكر رقمية، كاميرات مراقبة متطورة”، ما سيحسن من صورة الملاعب المغربية، وسيساهم في القطع مع بعض الممارسات كالشغب والعنف، كما سيعزز تجربة النقل التلفزي بشكل كبير.

وبناء على كل هذه المعطيات، يرى الباحث في السياسات الرياضية أن الملاعب الجديدة ستكون إرثًا حقيقيًا سيعود بالنفع الكبير على كرة القدم الوطنية، مستبعدا أن “يتم تكرار سيناريوهات الفشل التي عرفتها بعض النسخ السابقة”.

وخلص منصف اليازغي إلى أن المغرب سيستفيد من تلك التجارب، “وسيبني على النموذج القطري الناجح ليصبح بدوره وجهة مفضلة للأحداث الكروية الكبرى، وربما حتى تنظيم مباريات السوبر الأوروبي أو بطولات دولية أخرى”.