story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

مقترحات تعديل مدونة الأسرة وتطلعات الأسرة المغربية

ص ص

المقدمة:

ترأس جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، يوم الاثنين 23 دجنبر 2024 جلسة عمل خُصصت لورش مراجعة مدونة الأسرة، إثر اكتمال مسار الاستشارات الواسعة التي أشرفت عليها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وبعد إبداء المجلس العلمي الأعلى لرأيه الشرعي في بعض مقترحات الهيئة ذات الارتباط بنصوص دينية قطعية.

وفي هذا الإطار قدم وزير العدل المضامين الرئيسية لمشروع مراجعة مدونة الأسرة للرأي العام، مشيرا إلى أن الحكومة ستعمل على صياغة المشروع في أقرب الآجال لعرضه على البرلمان، مما يعكس المقاربة التشاركية في تنزيل هذا الإصلاح التشريعي الهام الذي تترقبه أغلب الأسر المغربية بحرص شديد ، خاصة وأن هذا الإصلاح شهد انخراط كل مكونات المجتمع، والفعاليات العلمية والفقهية والأكاديمية، بهدف إصلاح الإخلالات التي أظهرها التطبيق القضائي للمدونة على مدى حوالي عشرين سنة، ومن أجل تعديل المقتضيات التي أصبحت متجاوزة بفعل تطور المجتمع المغربي والقوانيـن الوطنية.

وعلى هذا الأساس يمكن أن نطرح التساؤلات التالية: إلى أي حد يمكن القول إن مقترحات تعديل مدونة الأسرة واكبت التغيرات الاجتماعية للأسرة المغربية؟ وكيف ستساهم هذه المقترحات بعد أن تتم بلورتها في مدونة جديدة للأسرة في استقرار الأسرة المغربية؟

وتفاعلا مع هذه التساؤلات العميقة نسجل ما يلي:

أولا: مقترحات تهدف تيسيير الزواج

يلاحظ أن مقترحات تعديل المدونة المتعلقة بمؤسسة الزواج لم تضف جديدا، فقد احتفظت مضامين التعديل بكون عقد الزواج هو الوسيلة الوحيدة لإثبات الزواج كقاعدة، كما هو الحال في المدونة الحالية، مع تحديد أهم الحالات التي يمكن الاعتماد عليها من طرف القضاء في سماع دعوى الزوجية وذلك على سبيل الاستثناء.

أما بخصوص عقد زواج المغاربة بالخارج فقد أكدت مقترحات التعديل على إمكانية إبرام هذا العقد دون حضور “الشاهدين المسلمين” في حال تعذر ذلك، وهو ما كان معمول به قضاء مراعاة لطبيعة الوضعية الخاصة للمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، من خلال الاعتماد على مضامين الدورية المشتركة لوزير العدل، عدد 352 بتاريخ 30 غشت 2016 ، بحيث إن قضاء النقض غالبا ما يعتبر أن تخلف هذا الشرط لا يترتب عنه بطلان عقد الزواج المبرم بين المغربيين المسلمين، استنادا إلى أن حالات بطلان عقد الزواج منصوص عليها في مدونة الأسرة على سبيل الحصر وليس من ضمنها عدم حضور الشاهدين المسلمين.

وأما فيما يتعلق بزواج القاصر فقد تم اقتراح سن 18 سنة شمسية كاملة كأصل واستثناءا 17 سنة كحد أدنى، مع تأطيره بعدة شروط تضمن بقاءه عند التطبيق، وهذا ما يفسر رغبة المكلفين بإعداد المدونة الجديدة في الحد من ظاهرة تزويج القاصرين وفق الشروط المذكورة رغبة منهم في حماية هذه الفئة ، والتي لن تتحقق دون إقرار التمكين الاقتصادي للقاصرين، لاسيما في في العالم القروي، وذلك بالارتقاء بالوضعية الاقتصادية للفتاة القروية بالخصوص وتشجيعها على التمدرس .

ثانيا: تعديلات تروم تحصين مؤسسة الزواج من التفكك

جاءت مقترحات تعديل المدونة بهدف حماية مؤسسة الزواج من التفكـك وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكل مكونات الأسرة المغربية (الفصل 32 من دستور المملكة لسنة 2011)، وذلك من خلال التأكيد على ما يلي:

  • إحداث هيئات غير قضائية للصلح والوساطة الأسرية كبديل عن الصلح القضائي، الذي أثبت محدوديته الواضحة في إيقاف النزيف الذي تعرفه الأسر المغربية نتيجة تزايد نسب الطلاق والتطليق، لأن المحاكم ليست مكانا ملائما للصلح بين الزوجين والتوفيق بينهما في ما يترتب عن الطلاق من آثار.
  • تقييد مسطرة التعدد رغم أن نسبة اللجوء إليه تبقى ضعيفة جدا، لأسباب اقتصادية واجتماعية وحتى قانونية، وذلك بالتأكيد على إجبارية استطلاع رأي الزوجة أثناء توثيق عقد الزواج حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه، وفي حال اشتراط عدم التزوج عليها، فلا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط، وهذا المقتضى معمول به في الفقه المالكي، ومؤسس على نصوص الشرع الواردة في الوفاء بالوعود والعهود، ومنظم ضمن مقتضيات مدونة الأسرة الحالية في إطار ما يسمى بالشروط الإرادية التي يمكن تضمينها في عقد الزواج، ولعل إلزامية سماع الإجابة عن الشرط الجديد سيكون أكثر إحراجا سواء بالقبول أو الرفض لكلا الطرفين.

بالإضافة إلى التأكيد على التضييق من السلطة التقديرية للقاضي في الاجتهاد باعتبار بعض المبررات الموضوعية الاستثنائية للتعدد وعدم اعتبار البعض الآخر منها، وذلك بحصر هذه الحالات وجعلها محدودة في إصابة الزوجة الأولى بالعقم أو بمرض مانع من المعاشرة الزوجية.

  • جعل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، بمعنى أنه تم تبني مسطرة الطلاق الاتفاقي غير القضائي على غرار التجربة الفرنسية في هذا الإطار، ونشير إلى أنه ما يعاب على هذه المسطرة ، أنها تحرم الأطراف من الاستفادة من إجراءات الصلح خصوصا عند تواجد الأطفال، كما أنها قد لا تضمن حماية مصالح أفراد الأسرة خاصة ما يتعلق بمستحقات الأطفال. فضلا عن ذلك يمكن القول بأن هذه المسطرة الجديدة يمكن أن تعمق وتزيد من تنامي ظاهرة الطلاق، نظرا لبساطتها وممارستها بعيدا عن رقابة القضاء .

ثالثا: تعديلات تعزز المصلحى الفضلى للمحضون

تعد المصلحى الفضلى للطفل من المبادئ الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل، وهي ركن جوهري فيها تهدف إلى ضمان وحماية حقوق الطفل ، ودفع كل ما من شأنه أن يتنافى أو يتعارض مع هذه المصلحة، وذلك على مستويات متعددة من أبرزها ما جاء في مقترحات تعديل المدونة والمتمثلة في مراعاة مصلحة الطفل في مرحلة الحضانة، وذلك بالإبقاء على الحضانة للأم المطلقة حتى ولو تزوجت، مع السماح للأب بالمطالبة بإسقاط الحضانة عنها متى ثبت أن هناك ضرر سيصيب المحضون بسبب زواجها، عكس ما ذهب إليه جمهور المالكية في هذا الباب ومقتضيات المدونة الحالية التي تنص على أن زواج الحاضنة يسقط حضانتها بشروط.

وكان من الواجب في هذا الإطار إقرار نظام الحضانة المشتركة بعد انحلال ميثاق الزوجية كأصل عام، مع إمكانية الاتفاق على توزيع الحضانة بشكل يرضي الأبوين الحاضنين، لاسيما بعد تجاوز المحضون سن معينة (7سنوات) على غرار بعض الدول التي أخذت بهذا النظام، مثل ايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية والدنمارك وفنلندا، لأن مصلحة المحضون الفضلى تكمن في أن يكون الطفل المحضون على علاقة مستمرة ومستقرة مع أبويه، وليست تلك الحضانة القائمة على الزيارة المتقطعة، أو المحددة في يوم واحد، وفي أيام الأعياد فقط .

كما تم في هذا الصدد اقتراح جعل النيابة القانونية مشتركة بين الزوجين في حالة قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها، وهو أمر أصبح يفرض نفسه بشدة، خصوصا في بعض الحالات كتسجيل الطفل المحضون في المدرسة أو بمناسبة السفر بالمحضون من أجل تلقي العلاج بالخارج أو حسب الحالات، وذلك كله تحت مراقبة القضاء.

رابعا: حلول فقهية تسعى لضمان استقرار الأسرة

قدم المجلس العلمي الأعلى في هذا الإطار حلول وبدائل شرعية لمختلف المشكلات الاجتماعية والواقعية التي تعيشها أغلب الأسر المغربية، وذلك من خلال إلغاء التعصيب في حالة ترك البنات بتنصيصه على إمكانية أن يهب المرء قيد حياته ما يشاء من أمواله للوارثات أو ما يقصد ب”إرث البنات”، مع قيام الحيازة الحكمية أو القانونية (أي التسجيل في المحافظة العقارية) مقام الحيازة الفعلية، دون الأبناء وهو ما سيخفف من معانات مجموعة من الأسر المغربية التي تنجب الإناث فقط دون الذكور.

كما تم إقرار فتح باب الوصية والهبة بين الزوجين مختلفي الديانة كحل شرعي بديل لمطلب التوارث بين المسلم وغير المسلم، بالإضافة إلى ما يرتبط بمصير نسب الولد خارج إطار الزواج، حيث تم تقديم بديل يتمثل في تحمل الأب مثل الأم مسؤولية حاجيات الولد دون إثبات النسب ، لأن ثبوت النسب في هذه الحالة يخالف الشرع والدستور، ويؤدي إلى هدم الأسرة وخلق أسرة بديلة.

وفي الأخير يمكن القول إن مقترحات تعديل المدونة، تنم عن وعي كبير بأهمية الحفاظ على استقرار الأسرة المغربية، من خلال تحقيق قيم العدالة والإنصاف في العلاقات الأسرية، وتبقى هذه المقترحات خطوط عريضة ستترجم مستقبلا إلى مشروع قانون، ليأخذ بعدها مساره التشريعي داخل المؤسسة التشريعية، ليصير بذلك قانون جديد قابل للتطبيق أمام القضاء، وفق مبادئ العدالة والإنصاف والاجتهاد الذي يراعي قيم الإسلام في العدل والمساواة.

*يوسف الشكر
دكتور في الحقوق
أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية أكدال- الرباط