“مغاربةُ العالم يشكّلون نصفهُ”.. خبير: 17 مليون سائح رقم مهمّ ويجب رفع السقف أكثر
سجّلت السياحة في المغرب خلال سنة 2024 قفزة نوعية، مُحققةً أرقاماً قياسية تعكس تعافياً على مستوى القطاع، فوفقاً للبيانات الرسمية، تمكنت المملكة من استقطاب 17.4 مليون سائح من مختلف أنحاء العالم، مما عزز مكانتها كأول وجهة سياحية في القارة الإفريقية.
وأثارت هذه الأرقام نقاشاً في الأوساط المختصة، بحيث أوضح الخبير السياحي، الزبير بوحوت، أن نسبة كبيرة من هذا الرقم تعود إلى مغاربة الخارج الذين اختاروا قضاء عطلاتهم في وطنهم الأم. وقال، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن هذه الفئة “تمثل تقريباً 8.6 مليون شخص مقابل 8.8 مليون سائح دولي، بمعنى أنّ مغاربة العالم يشكلون 49 في المائة من هذا الرقم”.
تحسين الرقم
ودعا بوحوت إلى ضرورة تحسين هذا الرقم، مستندا إلى حقيقة أن الدول السياحية الكبرى “تصل فيها نسبة السياحة الدولية إلى 80-85 في المائة من العدد الإجمالي”. واستشهد بتركيا، “التي سجلت في 2019 حوالي 5 إلى 6 ملايين سائح تركي من أصل 51 مليون سائح، 45 إلى 46 مليوناً منهم كانوا سياحاً دوليين”.
ويعتبر المتحدث أن 17.4 ملايين سائح “يظل رقماً مهماً تم تحقيقه السنة المنصرمة”، وأشار إلى أنه عندما “تكون هناك نجاحات وجب الاحتفال بها والثناء على الجهود المبذولة”، إلاّ أنه، يضيف بوحوت، “لا بد من رفع السقف ومواصلة العمل”.
المطارات.. محرك أساسي
وأشار المتحدث إلى أن المطارات كانت المحرك الأساسي للزيادة في عدد الوافدين، إذ أن 11.8 مليون من السياح الذين وصلوا إلى المغرب في 2024 جاؤوا عبر المطارات. أي ما نسبته 68 في المائة، “مما يدل على أهمية النقل الجوي في تعزيز هذه الديناميكية”.
وأضاف أن زيادة عدد السياح على مستوى المطارات بلغت نسبة 23 في المائة مقارنة بالسنة الماضية، بينما الزيادة الإجمالية كانت 20 في المائة.
وفي هذا الصدد، أوضح المتحدث أنه “كانت هناك تفاوتات في نسب الزيادة بين المطارات الكبرى في المغرب، إذ أن مطار مراكش، الذي يعتبر المطار الأول من حيث الاستقبال، وصل عبره 4.3 ملايين سائح، ما يمثل حوالي 30 في المائة من الرقم الإجمالي، مُسجلاً زيادة بنسبة 33 في المائة. يليه مطار الدار البيضاء الذي استقبل 2.5 مليون سائح، مُسجلاً زيادة بنسبة 9 في المائة، بينما كانت الوجهة الثالثة أكادير، التي سجلت زيادة بنسبة 35 في المائة، باستقبالها حوالي 1.27 مليون سائح.
أما باقي المطارات مثل فاس والرباط، “فقد سجلت زيادات أقل، بنسبة 13 في المائة و42 في المائة على التوالي، حيث بلغ عدد السياح الذين وصلوا عبر الرباط 638 ألفا فقط، وعبر فاس حوالي 800 ألف”.
ولفت الخبير في السياحة المغربية إلى أن الأرقام المتعلقة بميناء طنجة المتوسط وطنجة المدينة كانت مهمة أيضاً، إذ استقبلا حوالي 1.7 مليون وافد، مشيراً إلى المعابر البرية مثل باب سبتة وبني انصار في مليلية، اللذان “أسهما بدورهما في رفع الأرقام شيئاً ما”، بحيث أن باب سبتة سجل دخول 1.8 مليون سائح، بينما سجل معبر مليلية ولوج 1.5 مليون سائح. أي أن الإجمالي عبر هذين المعبرين في المدينتين المحتلتين بلغ حوالي 3.35 مليون سائح.
وخلُص بوحوت إلى أن “التطور في النقل الجوي كان واضحاً خلال 2024، إلا أن النشاط السياحي يتركز بشكل رئيسي في المدن الكبرى مثل مراكش وأكادير والدار البيضاء، التي تجاوز عدد الوافدين عبر مطاراتها المليون”.
السوق الأوروبية في الريادة
وبالنسبة للجنسيات، فيرى بوحوت أن الأسواق الأوروبية “لا تزال في الريادة، حيث تشكل حوالي 65 في المائة من الوافدين”، وذلك مع خمسة أسواق رئيسية وهي السوق الفرنسيت “الذي تظل سوقاً تقليدياً وقوية بالنسبة إلى المغرب”، مُشيراً إلى أن تطورها هو نتيجة للربط الجوي الذي حظيت فيه فرنسا بحصة الأسد، وبلغ عدد السياح القادمين منها حوالي 2.4 مليون سائح، بمعدل نمو قدره 21 في المائة.
ويلي السوق الفرنسية، السوق الإسبانية التي سجلت حوالي 1.5 مليون سائح، بزيادة 15 في المائة، والسوق البريطانية التي قاربت المليون وافد، مسجلاً أعلى نسبة زيادة بلغت 47 في المائة، وهو ما عدّه المتحدث “عنصراً إيجابياً”.
ويلي هذه الأسواق إيطاليا بـ450 ألف سائح، بينما شهدت السوق الألمانية في المقابل “تراجعاً حيث سجل 361 ألف وافد فقط”، وهو ما اعتبره بوحوت “رقماً ضعيفاً، مما يتطلب العمل عليه خاصة مع الإمكانيات المتوفرة”. في حين سجلت السوق الأمريكية حوالي 350 ألف سائح وافد على المملكة، وهو “رقم متواضع مقارنة بالأسواق الأوروبية”، وفقاً للمتحدث.
أما بالنسبة للسوق الصينية، فاعتبرها الخبير السياحي “سوقاً استراتيجياً يعود بقوة إلى المغرب، مسجلاً زيادة بنسبة 78 في المائة بوصول 106 آلاف سائح في 2024″، لافتاً إلى أنه من المتوقع تحقيق نتائج إيجابية في 2025 على مستوى هذه السوق مع افتتاح خطوط جوية جديدة”.
وبالنظر إلى أوروبا بالكامل، بما في ذلك سويسرا وهولندا وبلجيكا، وبولندا، والبرتغال، يقُول المتحدث: “نجد أن النسبة الإجمالية للسياح الأوروبيين تتجاوز 70 في المائة، وهذا يمثل نقطة ضعف، حيث يجب علينا تنويع الأسواق من خلال التركيز على الدول الصاعدة الكبرى مثل الصين، والولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، الهند، والبرازيل”، إلى جانب تعزيز العلاقات مع الدول العربية والإفريقية الصديقة، ودول الخليج أيضاً “المتميزة بارتفاع الدخل وتشابه الثقافات”.
مدن المونديال
هذا وشدد المتحدث على ضرورة الخروج بالسياحة ممّا سمّاه “مدن المونديال” مثل مراكش وأكادير والدار البيضاء”، نحو مدن ومناطق أخرى مثل شفشاون والصويرة، والداخلة، ودرعة تافيلالت، التي قال إنها “تتمتع بإمكانات سياحية كبيرة ولكنها لم تُستغل بالشكل الكافي”.
وتوقف الخبير في القطاع عند التحديات التي تواجه القطاع في المغرب، منبهاً إلى أن التحدي الأول مرتبط بالأرقام، مشيراً في هذا الصدد إلى أنه تم الوصول إلى هدف 2026، وبالتالي “يجب على وزارة السياحة أن ترفع السقف المحدد سابقاً؛ إذ أن هذا السقف كان سهل المنال نسبياً”.
30 مليون في أفق 2030
وأوضح أن الهدف ينبغي أن يكون هو الوصول إلى 23 مليون سائح بحلول عام 2026، وأكثر من 30 مليون سائح بحلول عام 2030، لافتاً إلى أن “هذا تحدٍّ كبير، لكن لدينا المؤهلات اللازمة لتحقيقه، كما أن هناك جهوداً كبيرة بذلها المهنيون، ووزارة السياحة، والمكتب الوطني المغربي للسياحة، أثمرت نتائج إيجابية”، حاثاً على الاستمرار في دعم القطاع وتعزيز النقل الجوي.
أما التحدي الثاني فـ”يتعلق بالاستثمار وتجديد البنية التحتية لاستيعاب المزيد من السياح”، بما في ذلك الفنادق المُغلقة وغرفها غير القابلة للتسويق بسبب حاجتها إلى الصيانة، داعياً إلى اغتنام فرصة وضع الدولة برنامج لدعم هذا المجال، والجهود التي تبذلها الشركة المغربية للهندسة السياحية بالتعاون مع مجموعة من البنوك لتبسيط الإجراءات ودعم المستثمرين، “من أجل تعزيز طاقة الغرف المتاحة للتسويق، إذ أنه كلما زادت قدرتنا الاستيعابية، زاد اهتمام وكالات السفر وشركات الطيران الكبرى ببلدنا، لأن الاستثمارات القوية في البنية التحتية تجعلهم يعيرونها اهتماماً أكبر”.
وذكر بوحوت أن التحدي الثالث يتعلق بالعدالة المجالية التي “تبنى بأصحابها”، مشدداً على أن هذه الأخيرة “تتحقق عندما تلعب الجهات المنتخبة دورها كاملاً”، بحيث أنه “لا يمكن الاعتماد فقط على الإدارة المركزية”، مشيراً إلى أن هناك جهات “لا تولي الأهمية الكافية لهذا الأمر إذ أنه توجد بعض الاتفاقيات الموقعة منذ عام 2021 لم يتم تنفيذها حتى الآن”، مستشهداً باتفاقيات على مستوى جهة درعة تافيلالت.
كما أشار إلى أن القطاع السياحي من شأنه تشغيل الكثير من الأيدي العاملة، داعياً في هذا الصدد إلى مراجعة الأهداف، والاستمرار في دعم القطاع السياحي لأنه مصدر مهم للعملة الصعبة، إذ أنه سيجري تحقيق حوالي 11 مليار دولار، أي ما يعادل 115 مليار درهم من مداخيل العملات الصعبة، فضلاً عن تحقيق ما بين 40 إلى 50 مليار درهم من مداخيل السياحة الداخلية، وهو ما سينعكس إيجاباً على اليد العاملة، وفقاً للمتحدث، الذي شدّد على أن استمرار الدعم وتنويع الأسواق وتحقيق العدالة المجالية بمنظور واضح، واضطلاع المسؤولين على مستوى الجهات والأقاليم بالدور المنوط بهم على أكمل وجه من شأنه أن “يحقق تطوراً على مستوى مختلف الوجهات، وإلا سيستمر تطور وجهات المونديال الست على حساب الوجهات الأخرى التي ستتحول إلى عبء”.