story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

معركة تطوان!

ص ص

بعد “هدنة” قصيرة لجماهير الأندية الوطنية، تخللها وقف إطلاق الحجارة وكل الأشياء الصالحة ل”التشيار”، بسبب إغلاق الملاعب الكبيرة للترميم والإصلاح وإعادة البناء، وقرارات تحجيم أعداد المتفرجين لولوج المدرجات في ملاعب بعض المدن.. عادت معارك الشغب إلى المباريات عبر الأحداث العنيفة التي سبقت مباراة المغرب التطواني ضد الرجاء البيضاوي بملعب سانية الرمل مساء السبت الماضي بتطوان.

معركة ضارية استمرت لساعتين أو أكثر خاضها جمهور الرجاء ضد قوات الأمن من أجل الدخول “صحة” لمشاهدة المباراة رغم أن الملعب الصغير المتهالك كان قد امتلأ عن آخره، وكانت الأمور تنذر بما لا يحمد عقباه.. الحصيلة في النهاية، اعتقال 29 شخصا، وإصابة 20 من رجال الأمن، وتم حجز الأشكال والأحجام من الأسلحة البيضاء والمخدرات بجميع أنواعها.

أحد الأصدقاء الذي لا تستهويه الكرة أصلا ولا يتتبع أخبارها، ساقته الأقدار رفقة أسرته إلى الطريق الدائرية التي تقع خلف ملعب سانية الرمل بتطوان، حكى لي كيف سقطت “ياجورة” على زجاج سيارته وهو في مقدمة الصف الطويل لمنتظري نهاية “المعركة” وفتح الطريق لكي يمضي إلى شؤون حياته في مدينة مرتيل، فاضطروا إلى الفرار من المكان والعودة من حيث أتوا لاعنين اليوم الذي “تبوطرت” فيه كرة القدم أول مرة داخل هذه البلاد.

في كل المدن المغربية، الناس تعبوا من “سيبة” جماهير كرة القدم، ومن مباريات هذه الرياضة التي أصبحت عندهم مقترنة بحالة الإستنفار الأمني، وبعمليات السلب والنهب ومظاهر الإجرام وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وأصبح السكان يتنفسون الصعداء عندما تعلن السلطات عن منع تنقل جمهور أحد الأندية إلى مدينتهم، ويتمنون أن تُلعب المباريات فقط تحت أنظار الجمهور المحلي، أو بلا جمهور “ݣاع”.

على ذكر تنَقُّل الجماهير، فربما هذه البلاد السعيدة هي الوحيدة في العالم التي لديها أندية كرة القدم يتبعها جمهورها بهذه الكثافة في المباريات إلى خارج قواعدها، وإلى كل المدن المغربية القريبة منها أو البعيدة، فسواء في مباراة قوية أم عادية، أو حتى التي لا تؤثر نتيجتها في شيء، وسواء كانت مبرمجة في نهاية الأسبوع أو وسطه، وستُلعب ليلا أم نهارا.. ستجد الآلاف من الأنصار متفرغين ولديهم الوقت والمال لكي “يضربوا” الطرقات الطويلة برا وجوا لمساندة ناديهم والعودة بنقاط الفوز !!

في البطولات الأوروبية العريقة، وفي بلدان المستوى المعيشي الجيد، أنصار الأندية الشهيرة التي لديها عشرات الملايين من المحبين، لا يوجد في قاموس حياتهم شيء إسمه “نتبع الفرقة” إلى المدن البعيدة، فلديهم شغلهم وعملهم والتزامات حياتهم الخاصة التي لا تسمح لهم بكثرة “التجوليق” لمتابعة مباريات كرة القدم، باستثناء المباريات النهائية لأحد الكؤوس التي يمكن أن يلعبها ناديهم مرة واحدة في الموسم، لذلك يقتصر الأمر على مجموعات صغيرة من الشباب والمراهقين المهووسين لا يتعدى عددهم عشرين مشجعا على الأكثر تجدهم في منطقتهم المخصصة لهم في مدرجات ملاعب الخصوم، يشجعون ويحتفلون وسط الآلاف من جمهور الفريق المحلي بدون أن يلتفت إليهم أحد.

كارثة الشغب في كرة القدم المغربية تقترب من الخروج عن السيطرة، وبدل تلك الجمل الإنشائية حول تحليل مسبباتها الإجتماعية والإقتصادية، واستحضار النظريات الفلسفية حول “سيكولوجية الجماهير” وطرق المعالجة التربوية لظاهرة العنف في المجتمع، يجب أولا تنزيل خطط عاجلة لوقف هذه “الدسارة” التي تضر سمعة البلاد وطمأنينة العباد، وأول القرارات الصارمة التي يجب أن تتخذ هو منع جميع جماهير الأندية بدون استثناء من التنقل إلى مدن أخرى، وحصر لوائح الأفراد مثيري الشغب ومنعهم من دخول كل الملاعب، و اعتماد البطاقة الوطنية لحجز التذاكر والولوج إلى المدرجات عبر الأجهزة الإلكترونية.

على الجميع أن يضع في حسبانه أننا سنحتضن المونديال بعد ست سنوات، وأن العالم منذ أن تم إعلان ذلك من طرف الفيفا، وهو يحصي أنفاسنا وأنظاره متجهة إلى تفاصيلنا في شتى المجالات، وأي مزيد من التساهل مع شغب الجمهور قد ينتهي بكارثة بشرية لا قدر الله، وسنصبح بعدها محط شكوك في قدرات البلاد التنظيمية لأضخم حدث كروي في الكون.