story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

معتقلو حراك الريف والتوترات التاريخية بين الريف والسلطة المركزية

ص ص

لم يكن حراك الريف، الذي اندلع في أواخر عام 2016، مجرد احتجاج عابر في المغرب، بل مثَّل استمرارًا لتاريخ طويل من التوترات بين منطقة الريف والسلطة المركزية في الرباط. تاريخ هذه العلاقة المعقدة يمتد إلى عقود مضت، حيث كان الريف دائمًا منطقة ذات خصوصية تاريخية وثقافية، وأيضًا مصدرًا للتحدي للسلطة المركزية. وفي ظل العفو الملكي الذي صدر في عيد العرش الأخير وشمل عددًا من المعتقلين السياسيين والصحفيين، كان بقاء ستة من معتقلي حراك الريف في السجون بمثابة تذكير مؤلم بأن هذه العلاقة لم تتعافَ بعد.

الجذور التاريخية لحراك الريف

تعود جذور حراك الريف إلى أوائل القرن العشرين، حينما خاض الريفيون بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي حربًا شرسة ضد الاستعمار الإسباني في العشرينيات، وتأسيسه جمهورية الريف المستقلة بين عامي 1921 و1926. هذه الروح الاستقلالية والاعتزاز بالهوية الثقافية للريف ظلت جزءًا من وجدان سكان المنطقة، وأثرت بشكل كبير في علاقاتهم مع الدولة المركزية بعد الاستقلال.

استمرت التوترات بعد استقلال المغرب في عام 1956، وبرزت بشكل خاص في انتفاضة الريف عام 1958-1959، والتي قمعتها القوات الحكومية بقيادة ولي العهد حينها، الملك الحسن الثاني، بقوة مفرطة. هذه الأحداث تركت جراحًا عميقة في الذاكرة الجماعية لأهل الريف، وأدت إلى شعور دائم بالتهميش والاضطهاد.

حراك الريف 2016: استمرار للماضي أم انعكاس للحاضر؟

اندلع حراك الريف في أكتوبر 2016 إثر وفاة بائع السمك محسن فكري في مدينة الحسيمة، حيث قُتل بطريقة مأساوية أثناء محاولته استعادة بضاعته التي صادرتها السلطات. هذه الحادثة كانت الشرارة التي أشعلت احتجاجات واسعة النطاق في منطقة الريف، مطالبة بالعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية ووقف الفساد.

الحراك قاده ناصر الزفزافي، وهو شاب من المنطقة برز كزعيم شعبي، وكان خطابه يعكس إلى حد كبير مشاعر الإحباط والغضب لدى السكان من التهميش المستمر. ورغم الطابع السلمي للاحتجاجات، ردت السلطات المغربية بشدة، مما أدى إلى اعتقال المئات من النشطاء والزج بهم في السجون.

قضية معتقلي طنجة الستة

من بين هؤلاء المعتقلين، تبرز قضية معتقلي طنجة الستة، وهم مجموعة من النشطاء الذين حوكموا وحُكم عليهم بأحكام قاسية، تراوحت بين 10 و20 عامًا. يُعتبر بقاء هؤلاء المعتقلين خلف القضبان، على الرغم من العفو الملكي الذي شمل العديد من المعتقلين السياسيين الآخرين، مؤشرًا على استمرار توتر العلاقة بين الدولة ومنطقة الريف.
يرى بعض المحللين أن هذا القرار يعكس رغبة الدولة في توجيه رسالة واضحة بأن أي محاولة لتحدي السلطة المركزية ستواجه بصرامة. وربما كان هذا القرار مرتبطًا أيضًا بسياق أوسع يشمل الرغبة في الحفاظ على الاستقرار الداخلي، خاصة في ظل الأوضاع الإقليمية المتوترة.

التوترات التاريخية وأثرها على الحاضر

لفهم الموقف الحالي بشكل أعمق، لا بد من الرجوع إلى التاريخ المعقد للعلاقة بين الريف والسلطة المركزية. منذ استقلال المغرب، حاولت الدولة دمج منطقة الريف ضمن النسيج الوطني، ولكن غالبًا ما كانت هذه المحاولات تتسم بالقمع أكثر من الحوار. هذا التاريخ من المواجهات ترك أثرًا عميقًا على الريفيين، الذين يشعرون بأن مطالبهم المشروعة تُقابل بالتجاهل أو القمع.

رغم الجهود التي بذلتها الحكومة لتحسين الأوضاع في الريف من خلال مشاريع تنموية، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق النتائج المرجوة، ويرى الكثيرون أنها كانت مجرد إجراءات شكلية لم تعالج الجذور الحقيقية للمشكلة.

إعادة قراءة الحاضر في ضوء الماضي

من المهم قراءة الأحداث الجارية في الريف من خلال هذا السياق التاريخي. فالاستجابة الصارمة من جانب الدولة لحراك الريف، وعدم شمول جميع معتقلي الحراك بالعفو الملكي، تعكس عدم التوصل إلى تفاهم حقيقي بين الريف والسلطة المركزية.
يشير المؤرخون والمحللون إلى أن هذه العلاقة ستظل متوترة ما لم يتم معالجة القضايا التاريخية العالقة بين الطرفين. فمن دون مصالحة حقيقية تشمل الاعتراف بالمظالم التاريخية والاستجابة للمطالب المشروعة لسكان الريف، ستظل هذه المنطقة بؤرة محتملة للتوتر.

إن قضية معتقلي حراك الريف، وخاصة معتقلي طنجة الستة، لا يمكن فهمها بمعزل عن السياق التاريخي الذي تشكلت فيه العلاقة بين الريف والسلطة المركزية. فهذه العلاقة التي تمتد جذورها إلى سنوات الاستعمار وما بعد الاستقلال، تحتاج إلى إعادة بناء على أسس جديدة من الثقة والعدالة.

قد يكون العفو الملكي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه ليس كافيًا. فالمطلوب هو حوار وطني شامل يشارك فيه جميع الأطراف، ويؤدي إلى مصالحة حقيقية تعترف بالحقوق وتعيد بناء الثقة بين الدولة وسكان الريف، لضمان استقرار المغرب وتقدمه في المستقبل.

*المرتضى إعمراشا