story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

معاذ أيّوبي.. مغربي أحبط عملية نصب معقدة في قلب العاصمة الروسية

ص ص

لم يكن يخطر ببال معاذ أيّوبي، الشاب المغربي البالغ من العمر 29 عامًا والمنحدر من مدينة الدار البيضاء، أن رحلة عابرة إلى روسيا في صيف 2018 لمتابعة مباريات المنتخب الوطني في كأس العالم ستقلب مجرى حياته رأسًا على عقب.

هناك، في قلب موسكو، التقى بفتاة روسية ستصبح لاحقًا زوجته وأم طفليه، غير أن المفاجآت لم تتوقف عند هذا الحد، إذ وجد نفسه بعد سنوات قليلة بطلًا غير متوقّع في عملية معقدة أحبطت مخطط شبكة نصب واحتيال، ليتحوّل من سائق توصيل عادي إلى ضابط تحقيق محترف وحديث وسائل الإعلام الروسية.

بداية الحكاية

استقرار أيّوبي في روسيا كان صدفة بحتة حسب ما رواه لصحيفة “صوت المغرب”، فبينما كان يتابع مباريات المنتخب المغربي في مونديال روسيا 2018 مع أصدقائه، تعرّف على زوجته المستقبلية لتتطور الأمور بسرعة، وبعد عام من التعارف قرر الثنائي الزواج، حيث أقاما حفل زفاف بالمغرب سنة 2019، قبل أن يستقرا في موسكو بشكل دائم.

قبل مغادرته المغرب، كان معاذ طالبًا في تخصص الدراسات الإنجليزية بالجامعة، لكن انتقاله إلى روسيا تزامن مع جائحة كورونا، فدفعت ظروف الحجر الصحي الشاب المغربي إلى البحث عن بدائل جديدة للدخل، فاستغل شغفه بالكاميرا ليبدأ في صناعة فيديوهات قصيرة ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما شكّل مصدر رزقه الأساسي خلال أول سنتين من وجوده بروسيا.

تغيّرت حياة أيّوبي مع ولادة طفله الأول، ودخل سوق العمل عبر خدمات التوصيل، قبل أن يحصل على رخصة سياقة روسية فيصبح سائق سيارة أجرة ابتداءً من سنة 2024، وهذه الخطوة لم تمنحه فقط دخلاً قارًا، بل ساعدته على الاندماج أكثر في المجتمع الروسي، حيث أصبح أبًا لطفلين ويحمل الجنسية الروسية إلى جانب المغربية.

بداية قصة استثنائية

في غشت الماضي، بينما كان يؤدي مهمة توصيل عادية في موسكو، وصل إلى عنوان ليتسلم الطرد المراد توصيله، استقبلته امرأة مسنّة بعكاز أسفل العمارة التي تسكن بها وسلمته كيسًا.

كان معاذ أيّوبي يعمل عادة في التاكسي، ويقوم بمهمات التوصيل نادرًا، حيث تنقسم خدمته إلى إيصال الطلبات مباشرة إلى باب العميل أو التوصيل أو الاستلام فقط من السيارة.

صاحب الطلب هذه المرة لم يطلب منه استلامه من باب الشقة، ما دفع أيّوبي للتساؤل عن سبب هذه الطريقة، خصوصًا أن إضافة رسوم بسيطة لخدمة التوصيل كانت ستجنب المرأة المسنة عناء نزول الدرج بأكمله.

شكوك متزايدة

وعندما ألقى أيوب نظرة على محتويات الطرد، اكتشف كتابين وعلبة تحتوي على نحو أربعين ألف درهم مغربية أي ما يعادل 370 ألف روبل روسي، وهو ما عمّق شكوكه حول طبيعة الطلب، إذ كان من الصعب تصديق أن يُسمح لامرأة كبيرة في السن بنزول الدرج وإرسال مثل هذا المبلغ مع سائق توصيل من طرف عائلتها أو معارفها.

وأدرك أيّوبي أن العودة لطرح أسئلة مباشرة على المرأة قد تكشف الأمر للنصابين المفترضين إن كان الأمر وفق تخمينه، مما سيدفعهم للهرب إذا لاحظوا أي تحرك غير متوقع، خاصة أن الشخص الذي ينتظر الطلب يستطيع تقفي أثر الطرد عبر نظام التتبع الإلكتروني.

عندها قرر الاتصال بالشرطة الروسية وأبلغهم بكل تفاصيل الموقف، مقدمًا رقم التوصيل، والعنوان، ووقت الوصول، وطلب أن تكون الشرطة موجودة للتحقق من الواقعة.

فخ محكم

هنا بدأت الشرطة التواصل مع أيّوبي ومتابعته عن كثب لضمان تنفيذ عملية المداهمة فور وصوله، وعندما وصل إلى مكان التسليم، كان التوتر في أوجه، إذ كان وحده مع الطرد، والشرطة موجودة في كل جانب، استعدادًا لمواجهة أي احتمال وجود شبكة نصب كبيرة.

وما أن اقترب من نقطة التسليم، حتى خرج طفل صغير ليستلم الطرد، لتتدخل الشرطة بسرعة، وتوقفه، وتستجوبه لمعرفة المرسل، كما صادرت الشرطة هاتفه، وشرعت في تفتيش المنزل، لتبدأ سلسلة تحقيقات أدت إلى تعقب خلية النصب فردًا فردًا، واكتشاف شبكة متكاملة تعتمد على الاحتيال.

لاحقًا، تبيّن أن السيدة المسنّة كانت ضحية خداع هاتفي معقد، حيث اتصل بها مجهولون وانتحلوا صفة موظفين لإقناعها بتسليم جميع مدخراتها بحجة “حفظها في أمان” عبر تحويلها إلى حساب يُزعم أنه آمن، فصدّقت المرأة المحتالين وسلمت المبالغ النقدية، المخفية بعناية داخل كتب وعلب، قبل أن يكتشف معاذ الأمر ويقرر التحرك.

شبكة نصب محترفة

ووفقًا لما نقلته القنوات المحلية، فقد اتصل المحتالون بالسيدة المسنّة وانتحلوا صفة موظفين لإقناعها بتقديم بياناتها الشخصية، بحجة استبدال “بوليصة التأمين الطبي” التقليدية بأخرى إلكترونية، وتجدر الإشارة إلى أن البوليصة هي وثيقة رسمية تصدرها شركات التأمين لتثبت وجود عقد التأمين بين العميل والشركة، وتحدد حقوق والتزامات الطرفين.

بعد ذلك عاد المحتالون للاتصال بها مدّعين أنهم من جهاز الشرطة، وأخبروها بأنها أصبحت ضحية عملية احتيال، وعرضوا عليها “حماية أموالها” عبر حساب يُزعم أنه آمن.

وعندها صدّقت السيدة المحتالين، وأخذت جميع أموالها النقدية الموجودة في المنزل، ووضعتها في حاوية صغيرة مخفية بعناية تحت مناشف وكتب، ثم سلمتها لسائق التوصيل معاذ أيّوبي.

وبفضل يقظة أيّوبي وحسه الحاد، نجحت العملية في إحباط خطة المحتالين واستعادة أموال السيدة المسنّة بالكامل، ليصبح معاذ بذلك عنصرًا أساسيًا في حماية الضحية، وأداةً فعالة للشرطة في تفكيك الشبكة كاملة ومنع وقوع ضحايا جدد.

بطل غير متوقّع

وقد أشادت السلطات الروسية به، معتبرة أن تصرفه كان بمثابة عمل استخباري وتنفيذي في آن واحد، وأن حماسته وحسه السريع ساعدا في منع وقوع ضحية جديدة في شباك المحتالين.

وسلطت وسائل الإعلام الروسية الرسمية الضوء على هذه الحادثة، معتبرة أن بطلها المغربي قدم نموذجًا حيًا لليقظة والمسؤولية الفردية، وحماية المجتمع من العمليات الاحتيالية، خاصةً التي تستهدف كبار السن.

تختزل قصة معاذ أيّوبي رحلة شاب مغربي بدأ حياته طالبًا جامعيًا في الدار البيضاء، لينتقل إلى موسكو حيث أسّس أسرة وحياة جديدة، واندماج مهني، قبل أن يجد نفسه في قلب قصة غير متوقّعة جعلت منه بطلًا في عيون الشرطة والرأي العام الروسي.