مصير الصراع في الشرق الأوسط بعد صعود ترامب.. غزة وإسرائيلان
قلت في جلسة حوارية سابقة بدعوة كريمة من موقع “صوت المغرب” على إثر فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، إن نتنياهو يخشى ترامب بشكل كبير، وإن حديث نتنياهو عن التفاهم والانسجام بينه وبين ترامب لا يعدو كونه كلامًا دعائيا فارغا من أي محتوى، ذلك أن إسرائيل التي في ذهن ترامب ليست هي إسرائيل التي في ذهن نتنياهو…
هناك إسرائيلان، وتصوران مختلفان حد التناقض عن معنى “دولة إسرائيل”. فبينما يتكلم نتنياهو، وباقي القادة السياسيين الإسرائيليين، عن إسرائيل باعتبارها الدولة التي جاءت في نبوءة أشعياء، والتي تمتد من البحر إلى النهر، والتي تشكل جوهر الفكرة الصهيونية المدعومة من طرف الدولة العميقة في أمريكا بقيادة زمرة المحافظين الجدد، وعلى أساس العقيدة الريغانية المبنية على فرض إرادة الولايات المتحدة خارجيا بالسلاح؛ على العكس من ذلك فإن دولة إسرائيل التي في ذهن ترامب والتي يتكلم عنها، هي ذلك السيف المسلط على رقاب الدول العربية البترولية في الخليج بما يمكن الـ” تاجر” ترامب من الاستمرار في استنزاف مقدراتها تحت التهديد المزدوج الإيراني الإسرائيلي..
ترامب غير معني بنبوءة أشعياء، وغير معني بمخططات الدولة العميقة في أمريكا، والتي جاء برنامجه على ما يبدو بمشروع هدمها والبناء على أنقاضها.. ولذلك فهو غير معني بالحروب المحتملة التي يخطط لها مجانين “أرمجدون”. ولا أتوقع أن يدخل الحرب في الشرق الأوسط إلى جانب إسرائيل لهذا الغرض، ولكنه قد يدخلها، إن بقي حيا طبعا، لتكريس الهيمنة الاقتصادية والسياسية لأمريكا في المنطقة فقط، مما يعني أن انخراط أمريكا في النزاع الحتمي في الشرق الأوسط لن يكون بالحجم الذي يتماشى مع نبوءة إسرائيل الكبرى الذي يتبناه نتنياهو.
خلال حفل تنصيب ترامب، حضر العديد من الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين السابقين، ومن الأحداث التي يجب الوقوف عندها، والتي حاول الإعلام الغربي تقديمها على أنها مجرد مزحة طريفة، تلك العبارة التي قالها باراك أوباما لجورج بوش جونيور.. لقد قال له: “كيف يمكننا إيقاف ما يحدث “، وهذه عبارة خطيرة حين تصدر عن رئيس سابق للولايات المتحدة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي موجهة إلى رئيس سابق للولايات المتحدة الأميركية عن الحزب الجمهوري، علما أن مجموع الحزبين هو ما يمكن تسميته فعلا بالدولة العميقة في أمريكا، والتي ضاقت درعا على ما يبدو بما يقوله ويفعله ترامب إلى حد الكلام عن ال”تحالف” من أجل إيقافه.
دعونا هنا نطرح سؤالاً: ماذا سيكون جواب باراك أوباما إذا تم غدا أو بعد شهر أو سنة اغتيال ترامب؟ كيف سيتحمل مسؤولية ال”المزحة” التي أطلقها في حفل التنصيب وهو الذي كان أنشط حتى من بايدن وكامالا هاريس خلال الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية؟
بالعودة إلى موضوع المقال، يتبين أننا مقبلون على اتجاهين متناقضين لكل من السياسة الخارجية الأميركية ونظيرتها الإسرائيلية في غزة وما حولها، على خلفية فهمين متناقضين لما تعنيه “دولة إسرائيل”. نتنياهو، بناء على عقيدته الصهيونية، سيعود حتما للحرب في غزة والضفة الغربية وسيتمدد في الحرب إلى أبعد من ذلك، لأنه ملزم سياسيا بتحقيق نبوءة إسرائيل الكبرى، باعتبارها جوهر العقيدة الصهيونية.
لذلك يردد منذ تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، أن ترامب أعطاه ضمانات بحقه في العودة للحرب على حماس، والحقيقة أن ذلك هو ما يريده نتنياهو سواء بموافقة ترامب أو بدونها، لكنه يريد أن يمرر على ترامب هذا الموقف وأن ينسبه إليه ويورطه فيه، رغم أن ضمانات ترامب ليست كما يريد نتنياهو أن تكون، بل هي مشروطة بمواقف وأفعال حركة المقاومة الفلسطينية واحتمالات تهديد ما يسميه “أمن إسرائيل” في ظل حدودها الحالية.
القادم سيناريوهان: إما أن تنتصر الدولة العميقة على ترامب، فيعود نتنياهو لمهاجمة جيرانه والتوسع بدعم مباشر من القوة العسكرية الأمريكية، وهذا هو الأرجح، أي أنني أعتقد أن غزة تعيش هدنة وليس وقفا للحرب، وأن عملية التخلص من المكون الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ستستمر بكل الأشكال، كما بدأت منذ اندلعت الحرب وتم تهجير الفلسطينيين في أفق الإلقاء بهم في سيناء أو تشتيتهم على دول أخرى عربية وغير عربية، وإما أن ينتصر ترامب على الدولة العميقة فتضطر إسرائيل لإيجاد صيغة مؤقتة طبعا للتعايش مع جيرانها، وفي هذه الحالة يعتبر توقيع اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل أقوى السبل إلى ذلك. وأتوقع أن يشتمل هذا الاتفاق على مسألة مهمة وجوهرية، وهي نقل مسؤولية تدبير شؤون المسجد الأقصى والأماكن المقدسة في القدس إلى السعودية، وطبعا هذا يعني من بين ما يعنيه تفكيكا للجنة القدس وباقي اللجان العربية والإسلامية ذات العلاقة بالمدينة.