مصطفى كرين يكتب: ترامب يتخلى عن إسرائيل!
قبل بضع سنوات، كتبت مقالا قلت فيه إن على الجامعة العربية أن تتبنى قرارا، تعتبر بموجبه فلسطين مستعمرة أمريكية وليس إسرائيلية، على اعتبار أن الدعم الأمريكي والتدخل المباشر، السياسي والعسكري المقنّع لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفلسطين بشكل خاص، هو ما يبقي “إسرائيل” على قيد الحياة، وليست قواها الذاتية كما تريد الدعاية أن تقنعنا به.
ورغم أنني تعرضت حينها للكثير من الانتقادات، ها هي الأحداث تثبت أن تلك الفكرة وذلك ذاك الاقتراح كانا صائبين. اقتراح ترامب، الذي يرقى لمستوى القرار السياسي، والمتعلق بضم غزة من طرف الولايات المتحدة وليس السماح بضمها إلى إسرائيل، يشكل صفعة لإسرائيل أكثر من كونه صفعة للفلسطينيين أو العالم العربي أو بقية العالم.
هذا المقترح يجعل إسرائيل تدرك أخيرا أنها كانت مجرد وكيل فقط بالمنطقة للسيطرة على دول الجوار، والآن لم تعد هناك حاجة إليها بما أن الأمريكان قرروا أخيرا، على ما يبدو، أن يقتصدوا تكاليف الوساطة التي كانت تقوم بها تل أبيب للسيطرة على مقدرات المنطقة، وأن يقوموا بأنفسهم بالهيمنة المباشرة عليها، وإن الدعم الغربي لإسرائيل لم يكن تعويضا لليهود على ما تعرضوا له من طرف منظومة القيم الغربية الفاسدة في ألمانيا .
اقتراح ترامب إذا يهدد بتكرار مأساة اليهود في ألمانيا، فالنزعة التوسعية لترامب على جميع الجبهات، تذكّر بإيديولوجيا التفوق العرقي، وبمسببات الحرب العالمية الثانية. وعليه فإن نزول الأمريكيين بغزة لن يمر دون صدام مباشر مع إسرائيل.. صدام سيروح ضحيته الإسرائيليون بصفة خاصة واليهود بصفة عامة .
الحوار الذي انطلق بين الروس والأمريكان والصينيين سيسفر قريبا عن عملية قسمة يبقى العالم معها مشدوها ومصدوما لا يلوي على شيء، بما في ذلك أوروبا التي خرجت عمليا من نادي الكبار وصارت من المصفقين تارة ومن المصفرين تارة أخرى.
فحين يقول ترامب بأن “الجميع” يحبّون اقتراحه حول إفراغ غزة من ساكنيها وضمها كقطعة أرض فارغة إلى الرصيد العقاري الأمريكي، فإنه في الحقيقة لا يعني بكلمة “الجميع” دولا مثل مصر والأردن ودول الخليج أو أوروبا، أو حتى إسرائيل، بل يعني بها نادي الكبار الذي لم يعد يقتصر إلا على ثلاثة أعضاء فقط هم روسيا والصين والولايات المتحدة. وتجربة الولايات المتحدة مع إخلاء الأرض من ساكنيها ومع التطهير العرقي تجربة كبيرة وتاريخية كما يعلم الجميع.
قلت دائما إن القانون الدولي وهم كبير ومضيعة للوقت والجهد، وخصوصا حين يتكلم عنه الغرب، واليوم من نتائج اقتراح ترامب (أو قراره)، اقتناع العالم بأنه لا وجود للقانون الدولي ولا جدوى منه، وبالتالي يمكن الاستعداد من الآن ليوم لا وجود فيه لهيئة الأمم المتحدة ولا لهيئات دولية مبنية على فكرة التعاون متعدد الأطراف، والمبني على هذه الإشاعة المسماة القانون الدولي.
ردود الفعل العالمية على تصريحات ترامب لن تغيّر من فكرة وتوجه الرئيس الأمريكي شيئًا، نعم قد تعدّل أجندته وتمددها نسبيا في الزمن، لكننا نسير حتما في اتجاه تحويل العالم للعبة مونوبولي تنتهي بهيمنة جهة معينة على كل شيء.
ولا يتعلق الأمر بترامب وحده، بل بإيلون ماسك أيضا، لأنه معني بفكرة السيطرة على الأرض. إذ كيف يمكن أن يكون من يخطط لاستعمار المريخ غير معني باستعمار الأرض أولا؟ اليوم، من يجب أن يقلق أكثر بخصوص مخططات الثنائي ترامب-ماسك هم الإسرائيليون واليهود بشكل عام وليس الفلسطينيين فقط. الاسرائيليون يجب أن يفهموا أنهم على أبواب محرقة جديدة لأن أمريكا التي قررت أخيرًا احتلال الشرق الأوسط لن تقبل بكيان منافس لها على الأرض مثل إسرائيل…
المتطرفون من الإسرائيليين سيدعمون ترامب ويشيدون بمبادرته لأن المتطرفين بشكل عام أغبياء بالطبيعة، ولكن حكماء وعقلاء والأذكياء من الإسرائيليين واليهود يجب أن يتنبهوا إلى الكابوس القادم إليهم وإلينا طبعا من واشنطن..
وإن غدا لناظره لقريب .