مصطفى كرين: فقاعة الإمارات
لست أدري متى سيحدث هذا الأمر، ولكنه سيحدث حتما لأن هناك قواعد وسنن لا أحد يحيد عنها.
في العشرين من شهر سبتمبر من عام 1997، وقف رجل يسمى مهاتير محمد، وهو آنذاك رئيس ماليزيا، في مؤتمر البنك الدولي بهونغ كونغ، ليلقي الخطبة الأكثر مرارة والأكثر خطورة في حياته. خطبة يجدر أن تكون درسا يلقن لسياسيي واقتصاديي الدول النامية مثلنا، ومن بين ما جاء في تلك الخطبة قال مهاتير محمد: “… كان لدينا يقين بأن دولنا سوف تنمو اقتصاديا وتصبح بشكل تدريجي من بين القوى الاقتصادية العالمية… لقد نسينا ما حدث لليابان وكوريا الجنوبية… ونسينا حتى ما وقع للمكسيك التي ركع اقتصادها على قدميه عندما سحب الأجانب أموالهم فجأة لتجد نفسها (أي المكسيك) مضطرة لاقتراض عشرين مليار دولار من أجل إنقاذ اقتصادها الممزق، وهناك من جنى أموالا كثيرة من وراء ذلك… إننا للأسف لم ندرك قربنا من أزمة اقتصادية هناك من قام بهندستها ….”.
من هندس تلك الأزمة الاقتصادية التي تكلم عنها الرئيس الماليزي هو جورج سوروس، الملياردير ذو الأصل المجري الذي قال عنه مهاتير محمد: “… نصف قرن قضته دول شرق آسيا تعمل فيه ليل نهار لتحسين أحوال شعوبها وبناء اقتصاداتها بعرقها وجهدها ثم يأتي الآن معتوه مثل جورج سوروس ومعه الكثير من المال يحاول أن يقضي على كل ذلك ….”، لقد كان مهاتير محمد يتكلم عن الأزمة التي كادت تُسقط دولة ماليزيا من السماء إلى الأرض، بسبب مؤامرة قام بها الملياردير المجري-الأمريكي وآخرون، حين قاموا في البداية بضخ أموال كثيرة، في قطاعات كثيرة وحيوية بماليزيا، قبل أن يقوموا بسحب أموالهم كلها، وبشكل مفاجئ، لتجد ماليزيا، ودول أخرى مجاورة لها، نفسها على حافة الهاوية…
مناسبة هذا الاستهلال هو ما يحدوني من انطباع بخطورة إعادة إنتاج وضع مشابه تماما لما تعرضت له ماليزيا في بلادنا، فالمغرب دخل استحقاقات وتحديات اقتصادية كبيرة جدا، أغلبها الساحق يتعلق بالبنيات التحتية بمختلف أصنافها، وإن كان نصيب منها يتعلق بتطوير النسيج الاقتصادي، ويعتمد المغرب في إنجاز هذه المشاريع على اعتمادات ورؤوس أموال قادمة بشكل كبير من دول الخليج وخصوصا من الإمارات العربية المتحدة، وقد أصبحت هذه الأخيرة مثل فقاعة اقتصادية تتمدد بشكل جنوني عبر محاور الفقر والحروب من نواديبو إلى كراتشي مرورا بتركيا ودول عديدة أخرى في آسيا وإفريقيا، وأخشى أن نكون ضحية لانفجار هذه الفقاعة، سواء بشكل مبرمج أو بشكل عرضي.
إن الإمارات العربية المتحدة ليست دولة عظمى ولا يمكنها أن تصبح كذلك لعدة أسباب، أهمها أن التحول إلى دولة عظمى أمر يمر حتميا عبر خوض سلسلة قد تطول أو تقصر من الحروب، وليس عبر المضاربة، وثانيا لأن خوض تلك الحروب يتطلب عدة مقومات أهمها التوفر على مساحة جغرافية كبيرة أو اكتسابها بالقوة، ثم التوفر على قوة بشرية وعرقية هامة وجيش قوي عددًا وعدة، أساسه الاكتفاء الذاتي من حيث الرجال والعتاد، وثالثها اقتصاد قوي مبني على نسيج صناعي هائل وغنى أو على الأقل استغناء فلاحي وأسطول تجاري جبار، وإيديولوجيا قادرة على تعبئة الموارد البشرية، وبنية قوية للبحث العلمي.
إلا أن الطموح التوسعي لدولة الإمارات العربية المتحدة، لا ينبني على أي من المقومات السالفة الذكر، فهو طموح توسعي قائم على المضاربة والإغراق المالي فقط، وعكس ما يظن البعض فإن المال المتوفر بهذا الشكل يعتبر لعنة، ليس فقط على أصحابه بل أيضا على مستقبليه كما حدث مع ماليزيا، وبالتالي من حقنا أن نتساءل، على ضوء تحالفاتها واصطفافاتها وحقيقة حجمها: ماذا تريد الإمارات؟ ولمصلحة من تقوم بكل ما تقوم به، وأية أجندة تخدم وهي تعلم أنها فاقدة لعوامل القوة التي ذكرناها من أجمل تثبيت واستدامة ما تظن أنها تكتسبه، وأنها مثل رجل غني بدون وريث، قد ينهار في أية لحظة فيقسم إرثه بين الغرباء، وعليه فإن تمدد الإمارات العربية المتحدة لهذا المدى وبهذه السرعة إما أنه كما قال مهاتير محمد عمل مهندس له لهدف مخفي في علاقة ذلك ببعض الاقتصادات الصاعدة أو المنافسة، مثلنا، أو أنه محكوم بالانهيار مثل فقاعة، حين يفقد أصحابها السيطرة على حجمها مما سيؤدي إلى سحب أو توقف مصادر الإمداد المالي المفترض توفرها على المديين المتوسط والطويل لإنجاز المشاريع السالفة الذكر. وفي كل الحالات فإن حجم الاستثمارت والانتشار الجغرافي للمال الإماراتي، بغض النظر عن ضحاياه بأي شكل، فقد أصبح يتجاوز قدرة تلك الدولة على إدارته وتأطيره مباشرة، مما يعني استئثار أطراف أخرى محددة وبشكل مباشر بالنصيب الأكبر من إدارة هذه الاستثمارات، دون أن يكون بإمكان الإمارات مراجعة نهجها التوسعي هذا أو التراجع عنه أو تقليصه، لأنه أصبح مرتبطًا بشكل وثيق بمصالح دول عظمى ومنظمات كبرى، لذلك ستستمر أبو ظبي في ضخ تلك الاعتمادات دون أن تكون لها السيطرة عليها ، بل ستأتي لحظة في سياق هذا النهج وهذا ” التطور”، توضع فيها الإمارات العربية المتحدة أمام خيارات صعبة بل ومدمرة، أهمها أن الدول العظمى، الغربية طبعا، ستطالبها بإصلاحات سياسية جوهرية بذريعة التحول إلى الديموقراطية، بدءًا بقانون الجنسية مرورا عبر منح حق التصويت للأجانب، وحيث أننا أمام دولة لا يشكل سكانها الأصليون أكثر من ستة عشر بالمائة من مجموع سكان البلاد، فإن حكومة الإمارات ورئيس وزرائها وربما أيضا عمداء إماراتها، سوف يكونون إما هنودا أو فلبينيين أو غيرهم، دون أن يكون لهم أي ولاء لشيوخ القبائل الإماراتية بل لمراكز النفوذ الحقيقية عبر العالم والكلام هنا عن واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب تحديدا.
إرهاصات هذا المسار بدأت فعلا مع تدشين ما يسمى بالديانة الإبراهيمية والمعابد الهندوسية وغيرها بما يعني قريبا إقرار حقوق الأقليات العرقية والاجتماعية وبالتالي تبني مؤسسات “ديمقراطية” تنتخب بالتصويت . سيجعل هذا المسار الإمارات العربية بالفعل مثل فقاعة تتسع وتتسع ثم تنفجر بشكل مبرمج وتتحول إلى سراب دون أثر، وهو انفجار أو نوع من التدمير الذاتي المبرمج لأن استمرارها في التمدد سيضعها حتما وعاجلا أو آجلا في مواجهةٍ وصراعِ مصالح مع امبراطوريات حقيقية مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، وسيتسبب انفجار تلك الفقاعة في حدوث أزمة اقتصادية ومالية وسياسية كبيرة، لن تقتصر على منطقة الخليج بل قد تصيبنا بعض شراراته لا قدر الله، إذا ما تم شفط المال الإماراتي بعدما يكون قد تحول إلى عامل أساسي في كينونة وحركية الاقتصاد الوطني… وللعلم فقد سبق لجورج سوروس أن حاول فعل نفس الشيء مع المغرب لولا يقظة المؤسسات المالية للدولة.