مشروع قانون مجلس الصحافة يواجه عاصفة من الرفض وتهديدات بالتصعيد

تتواصل موجة الرفض لمشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، الذي صادق عليه مجلس النواب بالأغلبية يوم الثلاثاء 22 يوليوز 2025، وسط تصاعد أصوات نقابية وسياسية تعتبره “قانونًا فضيحة” ومساسًا خطيرًا بجوهر التنظيم الذاتي للمهنة.
وقد عبّر عدد من الفاعلين المهنيين والسياسيين عن رفضهم القاطع لهذا المشروع، مؤكدين عزمهم على خوض خطوات تصعيدية لمواجهته، احتجاجًا على ما وصفوه بـ”الانفراد في الإعداد والتشريع، وتغييب النقاش العمومي والتشاركي، وضرب مبدأ التوازن داخل المجلس الوطني للصحافة”.
وفي هذا السياق عبّر المنسق الوطني للجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال التابعة للاتحاد المغربي للشغل بالمغرب، محمد الوافي، عن رفضه القاطع لمشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، واصفًا إياه بـ”المشروع التراجعي” الذي يعاني من “اختلالات بنيوية على مستويات متعددة”.
وأوضح الوافي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن المشروع “يمس جوهر فلسفة التنظيم الذاتي، ويُخلّ بمبادئ التوازن والعدالة بين مكونات المجلس”، مشيرًا إلى أن “التمثيلية غير المتكافئة” هي إحدى أبرز مظاهر هذا الخلل.
وتابع أن المشروع يمنح تسعة مقاعد للناشرين مقابل سبعة فقط للصحافيين، مما يُخلّ بمبدأ التوازن داخل المؤسسة. والأسوأ، بحسب قوله، أن انتخاب الصحافيين يتم عبر الاقتراع الفردي، بينما يُعيَّن الناشرون عن طريق الأكثر تمثيلية.
كما أشار إلى أن المشروع “يُقصي المقاولات الإعلامية الصغيرة والمتوسطة، ويمنح امتيازات واضحة للمقاولات الكبرى بناءً على رقم معاملاتها وعدد حاملي بطاقة الصحافة العاملين بها”، ما يسمح لبعضها بالتحكم في أصوات قد تصل إلى العشرين صوتًا، الأمر الذي يعزز هيمنة فئة اقتصادية بعينها.
وسجّل المسؤول النقابي بقلق تغييب مكونات مجتمعية كانت ممثلة في القانون الحالي، كالمحامين واتحاد كتاب المغرب، معتبراً أن في ذلك “يشكل إضعافًا للبعد المجتمعي للمجلس وتراجعًا عن مكسب تاريخي في إشراك مختلف الفاعلين في تأطير المهنة”.
أما على مستوى الصلاحيات، فقد منح المشروع للمجلس الوطني “صلاحيات زجرية وتأديبية مبالغ فيها”، حسب المتحدث، من بينها إمكانية سحب بطاقة الصحافة لمدة طويلة. ووصف الوافي هذا الإجراء بـ”العقوبة القاسية”، قائلاً: “إن أي خطأ قد يُنهي المسار المهني للصحافي بشكل نهائي، وهو ما يُعد شكلًا من أشكال التشريد المهني المقنن”.
وانتقد المتحدث، من جانب آخر، “غياب أي مقاربة تشاركية في إعداد المشروع”، معتبرًا أن الحكومة “خرقت التقاليد التشاورية التي أرستها الحكومات السابقة في تعاملها مع الهيئات النقابية والمهنية”.
وسجل أن الوزير الوصي على القطاع كان قد وعد بعقد لقاء مع النقابة فور توصله بالنص من الأمانة العامة للحكومة، “لكنه لم يفِ بوعده، كما تجاهلت اللجنة المؤقتة مذكرة الاتحاد المغربي للشغل التي سُلمت في ماي 2024، ولم تعرض المشروع على النقابة بعد الصياغة كما وعدت”.
وخلص محمد الوافي إلى التأكيد على أن الحكومة “أصرت على تمرير المشروع بشكل أحادي، اعتمادًا على أغلبيتها العددية”، مستشهدًا بعدة مؤشرات تدل على ذلك، من بينها “التمديد المتكرر للمجلس السابق دون مبرر موضوعي”، وتشكيل لجنة مؤقتة “بتركيبة لا تستند إلى أي أساس قانوني أو سياسي واضح”.
ومن جهته، عبّر عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، كريم التاج، عن أسفه الشديد لإصرار الحكومة على تمرير مشروع القانون بصيغته الحالية دون إدخال أي تعديل، رغم ما وصفه بـ”التوجه التراجعي والخطير” الذي يتضمنه النص، مؤكداً أن النقاط الجوهرية التي أُثيرت سابقاً لا تزال قائمة ولم يتم التجاوب معها.
وأوضح التاج، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن المشروع المعتمد يخالف نص وروح الدستور، ويُعدّ “انتكاسة تشريعية” تُجهز على مكتسبات تنظيم المهنة، وتمسّ بالإطار الذي تم الاتفاق عليه منذ البداية، مشيراً إلى أن تمثيلية الناشرين في الهيئات التنظيمية لا تزال رهينة بمعيار “رقم المعاملات”، وهو ما وصفه بـ”الغريب وغير المسبوق”، مؤكداً في الوقت ذاته، أن هذا التوجه لا مثيل له في التشريعات المقارنة.
وفي ما يخص التعديل المثير للجدل المتعلق بـ”حجب الصحف”، أشار التاج إلى أن الحكومة تراجعت عنه بعد ضغط سياسي ومهني واسع، لكنه أكد أن فرق الأغلبية سارعت إلى اقتراح تعديل بديل أكثر خطورة، يتمثل في فرض غرامات مالية ضخمة، قد تكون أشد ضررًا من الحجب لأنها قد تؤدي إلى إنهاء المقاولات الإعلامية نهائيًا.
وشدد التاج على أن المشروع لم يشهد أي تعديل يستجيب لمطالب المهنيين أو القوى السياسية والنقابية، بل إن بعض مكونات الأغلبية نفسها عبّرت عن تحفظها، دون أن يترتب عن ذلك أي تغيير في النص.
وأكد القيادي بحزب التقدم والاشتراكية أن مرحلة التصعيد والمواجهة ستتواصل، ما دام المشروع قائمًا بصيغته الحالية، محذرًا من أن الحكومة “تستقوي بأغلبيتها العددية”، وأعلن في الوقت ذاته أن حزب “الكتاب” ومهنيي القطاع سيتخذون كل أشكال المقاومة المشروعة ضد هذا القانون، بما في ذلك اللجوء إلى المحكمة الدستورية.
ولم يستبعد المسؤول الحزبي البحث كذلك عن بدائل لتنظيم المهنة ذاتيًا، حتى خارج إطار القانون، “على غرار تجارب دولية استطاعت فيها هيئات مهنية أن تفرض احترامها واستقلاليتها بناءً على ثقة المهنيين والمجتمع، لا على النصوص القانونية وحدها”.