مزراوي وشخصية البطل!
شاهدنا مباراة ذهاب نصف نهائي دوري عصبة الأبطال الأوربية أمس الثلاثاء في كلاسيكو جمع بين العريقين باييرن ميونيخ وريال مدريد، وانتهينا كعادة مواجهات هاذين العملاقين إلى الكثير من المتعة والخلاصات التقنية الراقية التي تركها اللاعبون طيلة شوطي المباراة.
أهم ما يتأكد في مباريات الباييرن مع الريال دائما هي صورة شخصية البطل التي تظهر على الفريقين في الأدوار المتقدمة.. وهما من الأندية التي لا ترهبها المباريات الحارقة ولا قوة الخصم ولا تزعزعها استقبال الأهداف بشكل مبكر.. شاهدنا بالأمس فريقين يتبادلان السيطرة على مجريات المباراة بكامل الثقة وبالطريقة المرسومة من الطاقم التقني للناديين الذي كان يقف فيه إثنان من أبرز مدربي العالم حاليا وهما خريجا مدرستين كرويتين عريقتين في أوربا الإيطالي كارلو أنشيلوتي والألماني طوماس توخيل.
ريال مدريد بتجربته الطويلة في لعب مباريات نصف النهاية دخل إلى مواجهة الباييرن في ملعبه وهو يعرف أن الألمان سيحاولون تحقيق نتيجة الفوز فوق أرضهم، تساعدهم على الصمود أمام الإعصار الأبيض الذي ينتظرهم في السانتياغو بيرنابيو، لذلك شاهدنا الإسبان في ربع ساعة الأولى من المباراة بنفحة إيطالية متحفظة في الخلف تاركين الكرة للبافاريين، قبل أن يفاجؤوهم بهدف السبق.
لكن هنا تظهر شخصية الأندية المجربة، إذ رغم تلقي باييرن ميونيخ لهدف السبق من طرف خصم إسمه ريال مدريد، لم يتزعزعوا عن ثقتهم وأسلوبهم، وواصلوا المباراة بكامل الهدوء حتى تمكنوا من إدارك التعادل وإضافة الثاني وكانوا أقرب إلى تسجيل أهداف أخرى.
المباراة أيضا يمكن أن نستخلص منها كيفية تعامل المدربين المتقنين ل”الكوتشينغ” مع تحولات المواجهات وتفاصيلها الصغيرة، إذ مباشرة بعد أن انقلبت النتيجة على ريال مدريد، شاهدنا قدرات مدرب محنك مثل العجوز كارلو أنشيلوتي في قراءة اللعب والقيام بالتغييرات اللازمة لتدارك الأمر وتفادي الهزيمة، وهو ما نجح فيه ببراعة وكان قاب قوسين أو أدنى من العودة بالفوز ولعب مباراة الإياب باطمئنان أكبر.
شاهدنا أمس أيضا إبننا نصير مزراوي وهو يلعب في الجهة اليسرى من دفاع باييرن ميونيخ، ويبصم على أداء غاية في الروعة داخل مباراة كبيرة وأمام خصم من العيار الثقيل.. إذ ليس سهلا أن يحظى “يمني” بثقة توماس توخيل الذي يوصف ب”الأفعى” و يشركه في الجهة اليسرى، ورغم أن مزراوي تلقى البطاقة الصفراء في الجولة الأولى، تركه يكمل التسعين دقيقة بكامل النجاح.. وهنا يجب أن نتوقف قليلا لنقوم بقليل من التفسير المنطقي البعيد عن العواطف والإنفعالات، لتألق مزراوي مع الباييرن في ذات الجهة التي قامت عليه بسببها عاصفة من الإنتقادات في المنتخب الوطني المغربي.
نصير مزراوي عندما يلعب مع الباييرن في اليسار، فهو يلعب في منظومة متمرس داخلها طوال الموسم ويحفظ آلياتها وتفاصيلها، ويفهم ما يريده المدرب الذي يشتغل معه بشكل يومي، ويعرف اللاعبين الذي يجاورونه تمام المعرفة منسجم معهم داخل وخارج الملعب في إطار روح الفريق .. تساعده أيضا الأجواء المناخية التي ازداد وكبر فيها ومستوى لاعبي الخصم، بالإضافة إلى تكوينه العالي الجودة داخل أهم أكاديميات العالم التي هي أجاكس أمستردام.
أما في المنتخب الوطني، فنصير مزراوي لا يجد كل هذه الأشياء التي ذكرنا سالفا حتى تساعده في تقديم نفس المردود الذي يقدمه في الباييرن عندما تتم الإستعانة به كمدافع أيسر، وهي إشكالية تحدث مع جل لاعبي الفريق الوطني الذين تختلف عطاءاتهم بشكل بين المنتخب ونواديهم الأوربية.. المشكل ليس في مزراوي ولا في الجهة اليسرى.. المشكل في المنظومة التقنية المعطوبة التي يأتي إليها هؤلاء اللاعبون في المناسبات الدولية.