مروان السنادي.. مغربي بهوية باسكية

ص
ص
كان ملعب سان ماميز الملقب بالكاتدرائية بعاصمة إقليم الباسك الإسباني، قبل أسابيع على موعد مع مفاجأة جميلة للجمهور المغربي الذي يتابع مباريات دوري “لاليغا”، حيث شهدت مباراة ناديي أتليتيك بلباو وجيرونا إقحام مروان السنادي في الشوط الثاني ليساهم من خلال الدقائق القليلة التي لعبها في فوز النادي الباسكي، وإعلان إسمه كوجه جديد أصبح يرشحه جمهور الفريق في أن يعطي الإضافة المنتظرة لتشكيلة المدرب أرنستو فالفيردي.
نادي أتلتيك بلباو الإسباني الذي لديه سياسة معروفة في فريقه الأول والتي تجعله متفردا بين أندية العالم، حيث تعمل إدارة النادي منذ تأسيسه على ضم اللاعبين فقط المولودين في الأراضي الباسكية أو تم تكوينهم في أكاديمية أحد الأندية الباسكية.
ويقصد به الإقليم المتواجد في الشمال الإسباني، بالإضافة إلى ثلاثة مقاطعات من الباسك الفرنسي.
كان هذا العامل هو أول محفز لنادي أتليتيك بلباو من أجل ضم مروان السنادي، الإسباني ذو الأصول المغربية الذي يلعب كمهاجم في نادي فيتوريانو، حيث أصبح آخر صفقة شتوية للأتلتيك في موسم 2024/25. وهو ثالث أغلى صفقة في فترة الانتقالات الأخيرة في الدوري الإسباني، حيث دفع أتلتيك 4.5 مليون يورو لألافيس النادي الذي كان يمتلك عقد مروان.
طفل مرفوض
وُلد مروان السنادي في 1 فبراير 2001 في فيتوريا، المدينة التي وصل إليها والداه عندما كانا شابين قادمين من المغرب.
ومنذ صباه، وجد مروان في كرة القدم ملاذًا من طفولة معقدة، حيث شعر بالرفض في أكثر من مناسبة بسبب كونه ابنًا للمهاجرين.
كما ذكر في مقابلة مع صحيفة “إل كوريو”: “كنت أنا وإخوتي الوحيدين من خارج مدرستي (إيكاستولا). شعرت دائمًا بالرفض من الآخرين ولم يكن لي أصدقاء. لذلك، وجدت في كرة القدم ما لم أكن أملكه في حياتي.
كانت كرة القدم بالنسبة لي بمثابة جواز سفر. لا أعرف أين كنت سأصل لو لم تكن لدي كرة القدم. معها شعرت أنني أتمتع بالاعتراف والمودة التي لم أكن أملكها في حياتي”.
مسيرة السنادي الرياضية بدأت في الأندية التكوينية مثل “أويرا دي فيتوريا” أو “لاكوا” قبل أن يصل إلى الفئات السنية في “أريزينابارا”، وهو نادي كرة قدم قاعدي معروف في العاصمة الباسكية، حيث برز كلاعب.
جذبت موهبته الخام انتباه نادي ألافيس، الذي تعاقد معه في عام 2021 ليكون في فريق “سان إغناسيو”، وهو الفريق الثالث للنادي.
ومن هناك، انتقل إلى فريق ألافيس الثاني، بل وحصل على تجديد عقده مع النادي حتى عام 2027.
إصرار على التألق
بعد مروره في الفئات السنية لنادي أوريرا، بدأ مروان في الظهور.
في عام 2020، طلب فرصة للانضمام إلى نادي أريزينابارا، و يتذكر المدرب جوناثان تورو ذلك قائلا: “تواصل مروان معي عبر الواتساب لأنه أراد اللعب في فريقي. في البداية، دون أن أراه، أخبرته أنني لا أستطيع أن أقبل لأنني شعرت أنه غريب أن يكون في عامه الأخير مع أوريرا ولم يلعب مع الفريق الأول، لكن أليكس، مدرب صديقي، أصر على أن أجري له اختبارًا. في أول تمرين، أقنعني بالفعل. فاجأتني ببنيته الجسدية وجودته العالية. كان يتعاون بشكل جيد جدًا مع زملائه. الآن يقولون إنه يشبه إيرلينغ هالاند، لكن مروان أفضل من الناحية التقنية.”
في فترة الإعداد مع أريزينابارا، أظهر مروان إمكانياته في أول مباراة، يقول تورو عن ذلك، “سجل هدفًا وسرعان ما بدأ المدربون من الفرق المنافسة يسألونني من أتيت به”.
تجاوز الشاب مروان انتقاله من الفئات السنية إلى دوري الدرجة الثالثة بشكل جيد جدًا وتعلم بسرعة. “عملنا كثيرًا على الحركة ودرسنا نقاط الضعف، مرة عندما لم يكن يلعب بشكل جيد، وضعناه هو وزميله في الهجوم للعب كمدافعين، لكي يشعروا بما يشعر به الآخر. تفاجأ بذلك، لكنه قبله كطريقة لتحسين مستواه. نحن، كفريق حي، كنا نتدرب ثلاث مرات في الأسبوع فقط، لكنه كان يريد المزيد”، يوضح تورو.
في عام 2021، تم التعاقد مع مروان من قبل سان إغناسيو، وهو نادي تابع لألافيس، حيث برع أيضًا كهداف. بعد عام، انتقل إلى الفريق الثاني لألافيس.
وفي يوليوز الماضي تمت إعارته إلى باراكالدو (دوري الدرجة الأولى في البطولة الجهوية)، حيث كان لاعبًا أساسيًا وسجل 11 هدفًا. وكان المدرب إيمانول دي لا سوتا سعيدًا جدًا بمردوده مع الفريق.
مميزات ناذرة
مروان السنادي له خصائص ينذر أن نعثر عليها في ملاعب كرة القدم، بالإضافة إلى قامته الطويلة التي تبلغ 1،92 وبنيته الجسدية القوية، فهو يجيد اللعب بكلتا القدمين ويتوفر على مهارات لافتة في المراوغة والتمرير والقذف نحو المرمى، كما أن له حسا تهديفيا يساعده في التموقع الجيد لإنهاء العمليات، كما يجيد الضربات الرأسية، وله قوة خارقة في التغطية على الكرة والتفوق في الإلتحامات الثنائية.
“إنه سريع، قوي، ويمتلك مهارات”، هكذا وصفه ميكيل غونزاليس في أمسية تقديمه لوسائل الإعلام. فيما قال مروان في أول ظهور له في مؤتمر صحافي: “هذا هو الحد الأدنى مما سيرونه مني، لأنني سأبذل كل ما لدي من أجل هذه القميص”.
كان واضحًا أنه سعيد جدا بتلك اللحظة،”مرت حياتي أمام عيني إنه إحساس لا يمكن وصفه لأنني انتظرت طوال حياتي لحظة كهذه”.
هي قصة شاب عانى في طفولته بسبب الوضع الإجتماعي الذي كانت تعاني منه أسرته، بالإضافة إلى العنصرية التي سبق له أن تحدث عنها.
وعبر مروان عن حماسه الكبير للعب في دوري الدرجة الأولى قائلا “هذه هي البداية فقط”.
بداية مبهرة
في اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماه أرضية سان ماميز ضد جيرونا، دخل ماروان السنادي بسرعة ليحل محل غوركا غوروزيتا، ويخوض أول مباراة له مع أتلتيك بيلباو، ولم يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة ليكسب حب الجماهير، حيث أظهر خلال بضع تدخلات مع “خوانبي” أحد أقوى المدافعين في الدوري الإسباني، أنه يتفوق عليهم جميعًا في هذا الجانب. لكن هذا لم يكن كل شيء، كان هناك ما هو أفضل وأكثر إثارة.
أطلق حركات فنية رائعة، مثل اثنتين من الدورات الهوائية (بيكيات)، ثم مرر الكرة بين قدمي المدافع في تدخله الثالث وهو على الجناح الأيمن.
في التدخل التالي، كان يمكنه تمرير الكرة بسهولة إلى أليكس بيرينغير، لكنه فضل المراوغة بكعبه وتسديد كرة تصدى لها الحارس غازانيغا. ومع ذلك، كانت جماهير سان ماميز تتفاعل معه بشكل مذهل، وتمنحه تصفيقات حارة مشجعة، تتخللها تساؤلات بعض المشجعين عن هوية هذا الفتى الجديد الذي جاء إلى الأتيتيك يحمل لقب “الفيل الإفريقي” .
كانت هناك المزيد من اللمسات الفنية الرائعة. قدم تمريرتين بكعب قدمه، وأرسل كرة برأسه إلى إينياكي ويليامز ليمنح فريقه بعض التفوق، بالإضافة إلى العديد من الصراعات الثنائية مع المدافعين في فريق جيرونا، الذين بدوا يائسين من مواجهته، وفي حالة خوانبي وكريجي، حصلوا على بطاقة صفراء.
تمكن يانغل هيريرا من إجباره على خطأ في التحكم بالكرة وهذا أوضح مدى معاناتهم مع السنادي منذ دخوله الملعب.
يقول مروان بعد المباراة: “هذا يعكس نوع اللاعب الذي أحاول أن أكونه، لاعب ذو شخصية، جائع للفوز، وهذا ما سأقدمه في كل مباراة”.
مروان المغربي
بالرغم من أنه ولد في إقليم الباسك ونشأ فيه وقضى به كل سنوات عمره، فمروان السنادي يحمل الجنسية المغربية بالإضافة إلى الإسبانية، وكثيرا ما يعبر عن ارتباطه بالمغرب من خلال طقوس حياته اليومية التي يقضيها رفقة عائلته.
وكان أول حوار صحافي أجراه بعد بدايته في سان ماميز، صرح فيه قائلا: “أريد أن أمشي خطوة بخطوة، وأمر عبر كل المراحل ولن أركز على الباقي. إنني أملك كل الوقت للتطور. أعلم أنه لن يوقفني أحد”، وأشار إلى أنه يحلم بحمل قميص “أسود الأطلس”: “أنا أطمح إلى تحقيق الكثير من الأشياء، وحلمي الكبير هو اللعب مع المنتخب المغربي”.
وقبل أيام نفى التقارير الإعلامية المغربية التي تحدثت عن تلقيه اتصالًا هاتفيًا من مدرب المنتخب المغربي، وليد الركراكي، حيث أن مصادر مقربة من اللاعب أكدت أنه لم يتواصل مع الركراكي أو مع مساعديه، رشيد بن محمود وعبد العزيز بوحزامة.
وقال المصدر المقرب من اللاعب: “لم يتلق مروان أي اتصال من وليد الركراكي، كما أن مساعديه لم يتواصلوا معه.
اللاعب مستعد للانضمام إلى المنتخب المغربي، وأعلن عن استعداده في إسبانيا، وينتظر إذا ما كان المدرب سيمنحه الفرصة في المعسكرات المقبلة.”
وأكد المصدر ذاته أن السنادي يدرك جيدًا حجم المنافسة التي يواجهها في خط هجوم الفريق الوطني، في وجود لاعبين يتألقون أيضا في أنديتهم الكبيرة.