مربو الماشية ينتقدون “استبعاد” الفئات الهشة من الدعم ويؤكدون: الأزمة لا تحتمل الانتظار

في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة عن إطلاق برنامج لدعم مربي الماشية وإعادة تشكيل القطيع الوطني، يواجه عدد كبير من المربين صعوبات حقيقية على أرض الواقع، نتيجة عدم شمولهم في هذا البرنامج وتأخر تنزيله، إذ يتخوف العديد منهم من أن تبقى هذه الإجراءات “حبيسة الوعود” دون أن تُترجم إلى دعم فعلي يُنقذ القطاع في الوقت المناسب.
وفي هذا السياق، أكد علاء الشريف العسري، مربي ماشية من مدينة القصر الكبير، أن الدعم المعلن عنه “لا يستجيب لحاجيات الفئات الأكثر تضرراً”، مشددا على أن فئة واسعة من المربين يعيشون وضعاً معيشياً هشاً لا يحتمل الانتظار، ولا يمكنهم تحمل تأخر الإجراءات الإدارية.
وفي حديثه عن أبرز الإشكالات المرتبطة بالبرنامج، أوضح العسري أن فئة المربين الذين كانوا يستعدون لتسويق ماشيتهم خلال عيد الأضحى، “لم يتم إدراجهم في برنامج الدعم، رغم أنهم يشكلون شريحة كبيرة من المربين”، مشيرا إلى أن الوزارة “ربما افترضت أنهم ضمن المستفيدين من إعادة جدولة الديون البنكية، غير أن هؤلاء لا يتعاملون أصلاً مع الأبناك”.
وأضاف أن فئة واسعة من مربي الماشية لا تتعامل مع الأبناك، بل تعتمد في تمويل نشاطها على ديون من محلات المواد الغذائية وبائعي الأعلاف بالتقسيط، “وهو ما يجعلها خارج دائرة المستفيدين من برنامج الدعم الحكومي”.
واعتبر المتحدث أن هذا “الإقصاء غير مبرر”، موضحا أن هؤلاء المربين لا يقتصرون فقط على تسمين المواشي، بل يربّون أيضاً إناث الأغنام، مما يجعلهم مساهمين فعليين في الحفاظ على القطيع الوطني، وأي تضرر يصيبهم ينعكس سلباً على استدامته.
وبالعودة إلى البرنامج المعلن عنه، نبّه العسري إلى أن تنفيذه “لا يزال متوقفًا عند مستوى الوعود”، حيث لم يبدأ تفعيله فعليًا على أرض الواقع، موضحا أن مساطر طلب العروض لاقتناء الشعير أو الأعلاف المدعمة معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً، في وقت يعيش فيه الكساب أزمة آنية لا تحتمل الانتظار لأشهر.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن الكساب لا يتوفر على دخل شهري قار، بل يعيش أسبوعاً بأسبوع، ويعتمد على بيع رأس أو اثنين من الماشية في السوق الأسبوعي لتأمين لقمة عيشه، مضيفا أن منع الأسواق خلال الأسابيع السابقة لعيد الأضحى، وقرار منع ذبح إناث الماشية، ساهما في تعميق الأزمة التي يعاني منها المربون حاليا.
أما فيما يخص آليات الدعم المقرر، فقد شدد المتحدث على أن الإجراءات المتعلقة بمنح 400 درهم عن كل أنثى مرقمة وغير مذبوحة تتطلب وقتاً طويلاً، حيث يُشترط أولاً القيام بحملة ترقيم إلكتروني تحت إشراف البياطرة، مشيراً إلى أن تجارب سابقة أثبتت أن مثل هذه الحملات تستغرق بين شهرين وثلاثة أشهر على الأقل.
وتابع أنه بعد الانتهاء من الترقيم، يجب على المصالح المختصة التحقق من بقاء الأنثى لدى المربي، ثم المصادقة على الملفات، وهي عملية معقدة تمر عبر عدة مراحل إدارية قد تستغرق سنة كاملة، معتبرا أن هذه المدة الزمنية الطويلة لا تتناسب إطلاقاً مع واقع الكساب الذي يعيش ظروفا صعبة.
وأضاف أن أسعار الأعلاف الخشنة تعرف ارتفاعاً كبيراً في الفترة الحالية، رغم أنها من المفترض أن تكون في أدنى مستوياتها خلال هذا الموسم من السنة، مرجعا هذا الارتفاع إلى الجفاف وضعف المحاصيل، إضافة إلى تراجع الطلب بسبب تدهور القدرة الشرائية.
وأوضح في هذا الصدد أن السوق يشهد ركوداً واضحاً، حيث لم يعد الكسابون قادرين على اقتناء الكلأ لتغطية حاجيات السنة المقبلة، ما يهدد استمرارية تربية الماشية، مشددا على أن هذا الجانب بالذات هو ما ينبغي أن يحظى بالأولوية في تدخلات الدولة بشكل عاجل وفعّال.
وفي غضون ذلك، دعا العسري إلى ضرورة أن تتجه الدولة نحو توفير الكلأ والأعلاف بطريقة تضمن استدامة القطيع طيلة السنة، وليس فقط بشكل موسمي، معتبرا أن هذا النوع من الدعم الاستراتيجي هو ما سيساهم فعلياً في تثبيت مربي الماشية وتشجيعهم على الاستمرار.
وفضلا عن ذلك، سجل العسري ملاحظة بخصوص الضريبة على القيمة المضافة (TVA) المفروضة على الأعلاف المركبة، موضحاً أنها لا تزال تُحتسب ضمن الأسعار رغم كل ما يقال عن دعم القطاع، مؤكدا أن هذه الضريبة تؤدي إلى رفع الأسعار بنسبة قد تصل إلى 20 في المئة في بعض المواد.
واعتبر أن استمرار فرض هذه الضريبة يتناقض مع الهدف المعلن بدعم الكساب، مطالباً بإلغائها بشكل فوري، كما شدد على أن الدعم لا يجب أن يظل مجرد أرقام تُعلن، أو وعود تُردَّد، بل يجب أن يُترجم إلى قرارات واقعية تُنفذ بسرعة وفعالية.