مربو الماشية يشتكون تأخر الدعم الحكومي وغياب جدول زمني لتفعيله

يشتكي عدد كبير من مربي الماشية من تأخر صرف الدعم المالي الذي وعدت به وزارة الفلاحة لإعادة تشكيل القطيع، خاصة الدعم المخصص لكل رأس أنثى تم ترقيمها ولم يتم ذبحها، بالإضافة إلى تأخر توزيع الأعلاف المدعمة وغياب أي معطيات واضحة عن كيفية وآليات تنفيذ هذه الإجراءات، ما يزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية للكسابة.
وفي هذا السياق، دعا مربون إلى تسريع تنزيل الدعم الحكومي ووضع جدول زمني واضح، يتيح لهم تخطيط مواردهم ومصاريفهم، في ظل أزمة عميقة يصفونها بأنها “أخطر من جائحة كورونا، وتهدد استمرارية هذا القطاع الحيوي للعيش القروي”.
وفي الوقت الذي كشف فيه وزير الفلاحة أحمد البواري عن برنامج حكومي جديد يهدف إلى استغلال التساقطات المطرية الأخيرة لإعادة تشكيل القطيع الوطني بشكل مستدام، لا تزال مطالب الكسابة متمركزة حول الحاجة إلى تفعيل الدعم بشكل فعلي وشفاف، مع تحديد مواعيد واضحة لصرفه بهدف ضمان حماية القطيع.
تحديد جدول زمني
في هذا السياق، شدد علاء الشريف العسري، مربي ماشية من مدينة القصر الكبير، على ضرورة تسريع تنزيل إجراءات الدعم الحكومي، مشيرًا إلى أن “التأخر الحاصل في تفعيل هذه الإجراءات يزيد من تأزيم الوضعية المعيشية للكسابة، خاصة الصغار منهم”.
وأكد العسري في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” على أهمية إخبار المربين بجدولة زمنية واضحة تتعلق بمنح الدعم المالي المحدد في 400 درهم عن كل أنثى، وكذا تحديد توقيت تسليم الأعلاف المدعمة وكميتها، بما يتناسب مع عدد رؤوس الماشية التي يملكها كل كساب.
وأوضح أن هذا النوع من التفصيل “ضروري وملح”، لأنه يتيح للكساب تخطيط نفقاته والتزاماته المالية بالشكل الأمثل، فضلًا عن إمكانية توفير الكميات الكافية من الأعلاف التي تغطي الفارق بين الدعم الموعود والاحتياج السنوي.
وأشار إلى أن الكسابة اعتادوا اقتناء الأعلاف في هذه الفترة من السنة، مباشرة بعد موسم الحصاد، وهو ما يجعل أي تأخر في الدعم أو غموض في المعطيات المرتبطة به “يؤثر سلبًا” على توازن العملية الإنتاجية وعلى استدامة النشاط الفلاحي في العالم القروي.
تحذير من تأخر الدعم
من جانبه، كشف محمد ياسر عسيلي، مربي الماشية المتخصص في سلالة “الصردي” بمنطقة كيسر بإقليم سطات، عن “واقع مأساوي يعيشه الكسابة في ظل أزمة عميقة وصعبة تتجاوز في حدتها أزمة جائحة كورونا، وما رافقها من إغلاق للأسواق”.
وقال عسيلي إن الشعور السائد بين الكساب “سلبي للغاية”، لأن الأزمة الحالية لا يرافقها أي أمل حقيقي في حلول عاجلة، حيث إن قرار منع ذبح الأضاحي وخصوصًا منع ذبح الإناث، ساهم في استقرار أسعار المواشي عند مستويات غير مرضية، في مقابل غياب إجراءات فعلية لتنزيل الدعم المعلن بقيمة 400 درهم، الذي لا يزال غامض التفاصيل وغير كافٍ لمواجهة معاناة الكساب.
وأضاف أن الكسابة اليوم يبيعون ماشيتهم بأقل من كلفة الإنتاج، والخسائر باتت ثقيلة ومهينة، إذ لا تغطي عائدات البيع حتى مصاريف العلف والتربية، ما يجعل الموسم الحالي موسم “خسارة حقيقية” وليس فقط موسمًا بلا ربح.
وأوضح عسيلي أن القطاع يُعد المصدر الوحيد لعيش آلاف الأسر، والكثير من الكسابة يعتمدون على تحويلات أبنائهم الموظفين أو المقيمين في الخارج لتجاوز الأزمة، وهو أمر لا يمكن اعتباره حلاً مستدامًا.
وأشار إلى أن وزارة الفلاحة أطلقت مشاريع طموحة، لكنها لم تُفعّل على أرض الواقع، ولم يتم الإعلان عن جدول زمني لتوزيع الأعلاف، ولا الكميات المخصصة، ولا جودة الأعلاف المدعمة، خاصة بعد أن أظهرت تجارب سابقة مشاكل في جودة الأعلاف المركبة تسببت في خسائر للقطيع.
وشدد على أهمية وجود جدول زمني دقيق لتوزيع الدعم، خاصة أن الكساب في هذه الفترة من السنة بدأوا في شراء الأعلاف وتخزينها استعدادًا لفصل الشتاء، “مما يجعل التخطيط في ظل غياب رؤية واضحة أمرا مستحيلاً”.
وأكد أن الدعم الحكومي يجب أن يكون مصحوبًا بموعد محدد، حتى يتمكن الكساب من برمجة مصاريفه وتدبير ديونه، مضيفًا أن الدعم المسبق يمكن أن يغطي ما يصل إلى 50% من حاجيات الكساب خلال الموسم الفلاحي المقبل 2025-2026.
وحول دعم 400 درهم، أشار عسيلي إلى أنه لم يُفعّل كما يجب، ولم تتضح الفئة المستفيدة منه، وهل يشمل فقط “النعاج” أم إناث الأغنام بشكل عام، موضحا أن الكساب الذين يربون “النعاج” لا يستفيدون فعليًا إذا لم يتم تسويقها، خصوصًا أن فترة البيع تقتصر عادة على الأشهر التي تسبق عيد الأضحى.
وحذر من أن صرف الدعم بعد ماي 2026 سيكون بلا جدوى، لأن الكساب سيكون قد خسر أكثر من 400 درهم على كل رأس ماشية، “ما يعني خسارة مضاعفة، لا دعمًا”.
ودعا إلى ضرورة تقديم الدعم بشكل عاجل، مع جدول زمني واضح، وإلا فإن الكساب لن يعوّل على أي دعم حكومي، وستكون الفائدة الوحيدة للتجار الذين سيستفيدون من تخزين الأعلاف المدعمة وبيعها بأسعار مرتفعة في الأسواق.
الدعم المرتقب
وكشف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحمد البواري أن هذا البرنامج الجديد، الذي يندرج ضمن سلسلة من الإجراءات الحكومية في هذا المجال، والمتكوّن من خمسة محاور، يهدف إلى تثمين الأثر الإيجابي للتساقطات المطرية الأخيرة، عبر استغلال الظروف المناخية المواتية لإعادة تشكيل القطيع الوطني بشكل فعّال ومستدام.
ويتعلق المحور الأول من هذا البرنامج، حسب الوزير، بإعادة جدولة ديون حوالي 50 ألف مربي ماشية، بكلفة إجمالية تصل إلى 700 مليون درهم، تتحملها ميزانية الدولة، مع إلغاء 50% من الديون التي تقل عن 100 ألف درهم لفائدة صغار الكسابة الذين يشكلون 75% من المستفيدين.
وأضاف أن البرنامج سيشمل أيضا إلغاء 25% من الديون التي تتراوح قيمتها بين 100 ألف و200 ألف درهم، وهي الفئة التي تمثل 11% من المستفيدين، إلى جانب إعادة جدولة القروض التي تتجاوز قيمتها 200 ألف درهم مع الإعفاء من فوائد التأخير.
أما المحور الثاني، فيخص دعم الأعلاف، من خلال دعم ثمن بيع الشعير في حدود 7 ملايين قنطار ليصبح الكيلوغرام بدرهم ونصف، ودعم الأعلاف المركبة الموجهة للأغنام والماعز ليصبح ثمن الكيلوغرام درهمين، بكلفة تصل إلى 2.5 مليار درهم.
وبالنسبة للمحور الثالث، أعلن الوزير أنه سيتم إطلاق عملية ترقيم إناث الماشية لضمان تتبع منع ذبحها، بهدف بلوغ 8 ملايين رأس من إناث الأغنام والماعز بحلول ماي 2026، مع تخصيص دعم مباشر للمربين بقيمة 400 درهم عن كل رأس من الإناث تم ترقيمها ولم يتم ذبحها، وذلك لتعويضهم عن تكاليف الاستمرار في الحفاظ على القطيع.
وبخصوص المحور الرابع، أكد الوزير أنه سيتم إطلاق حملة علاجية وقائية لحماية حوالي 17 مليون رأس من الأغنام والماعز من الأمراض المرتبطة بتداعيات الجفاف، بكلفة مالية تناهز 150 مليون درهم لضمان سلامة القطيع الوطني.
أما المحور الخامس، فيتعلق بتنظيم عملية تأطير تقني لمربي الماشية بهدف تحسين السلالات، عبر خلق منصات للتلقيح الاصطناعي ومواكبة تقنية لتحسين الإنتاجية، بكلفة تقدر بـ50 مليون درهم في أفق تعزيز فعالية القطاع.
وخلص الوزير في عرضه الذي قدمه خلال الندوة الصحافية التي أعقبت المجلس الحكومي يوم الخميس 22 ماي 2025، بالإشارة إلى أن الكلفة الإجمالية لتدابير هذا البرنامج ستبلغ مع نهاية سنة 2025 حوالي 3 مليارات درهم، بالإضافة إلى 3.2 مليار درهم سنة 2026 ككلفة للدعم المباشر لفائدة المربين الذين التزموا بالحفاظ على إناث الماشية.