مدونة الأسرة.. مواقفة متباينة بين “مكتسبات المرأة” و”تكريس العزوف عن الزواج”
أثارت التعديلات التي حملها مشروع مدونة الأسرة، جدلاً واسعا بين من يرى أن هذا المشروع يحمل “مكتسبات هامة للمرأة والأبناء” من شأنها تحقيق العدالة والمساواة داخل الأسرة، ومن يعتبر أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى “تعقيد إجراءات الزواج وزيادة الأعباء المالية على الرجال”، مما قد يسهم في عزوف الشباب عن الزواج.
وتعليقا على الموضوع، قال المحامي بهيئة البيضاء نجيب البقالي، إنه بالنظر إلى هذه التعديلات والمقترحات، نجدها تتجه بشكل عام نحو منح المزيد من الحقوق للزوجة والأبناء، بالإضافة إلى معالجة بعض الإشكالات التي أثارها المغاربة ونبهت إليها الجمعيات الحقوقية والنسائية، مستدركا بالقول: “لكن ورغم هذه الإيجابيات، إلا أنني لا أعتقد أن هذه المقترحات ستسهم في رفع نسبة الزواج بين المغاربة”.
“يعقد إجراءات الزواج”
وأوضح البقالي في حديثه لصحيفة “صوت المغرب” أن جعل الحد الأدنى لسن الزواج 17 سنة وبشروط متعددة قد يعقد “إجراءات الزواج”، خاصةً بالنسبة لأولئك الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، مضيفا “كنا نأمل أن يكون الحد الأدنى في حدود 15 أو 16 سنة كحد أقصى، مع ضمان فترات الدراسة للشباب”.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن بعض المقتضيات ذات الطابع المالي التي تتضمن حقوقاً جديدة للمرأة، مثل تثمين العمل المنزلي، والمتعة التي تُمنح للمرأة طالبة التطليق، وغيرها من الحقوق، “قد تثقل كاهل الرجل المغربي، وأن هذه المقتضيات قد تثير مخاوف لدى الرجال والشباب المغاربة من الإقدام على الزواج”.
ونبه البقالي إلى أنه “إذا تم اعتماد هذه التعديلات في نصوص تشريعية وصادق عليها البرلمان، فإن الرجل المغربي سيجد نفسه مُلزماً بالتزامات شرعية وأخرى مستمدة من تجارب خارجية، ولا سيما الغربية، وهو ما قد يؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج بسبب كثرة الالتزامات المترتبة عليه”.
وأردف المحامي، أنه “إذا أضفنا إلى ذلك التعديلات المرتقبة في القانون الجنائي، مثل تلك المتعلقة بالعلاقات الرضائية وعدم تجريم المثلية وغيرها من الجرائم ذات الطابع الجنسي، فإن هذا قد يكون له تأثير سلبي على تشجيع الشباب على الزواج”.
وطالب نجيب البقالي، الحكومة بأن تتعامل بدقة تشريعية لضمان أن لا تصدر نصوص قانونية قد تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة، فضلا عن “تبني سياسات عمومية تهدف إلى تشجيع الشباب على الزواج، وتقديم دعم مادي ومعنوي كبير للأسر، خاصة في سنوات الزواج الأولى”.
وخلص البقالي إلى الإشادة بأهمية إحالة حوالي 16 مقترحاً على المجلس العلمي الأعلى لإبداء وجهة نظره من الناحية الشرعية، معتبرا أن “هذا الإجراء يعكس احتراماً عميقاً للمرجعية الإسلامية المنصوص عليها دستورياً، ولأهمية مؤسسة إمارة المؤمنين في المغرب، “وهذا الأمر يُظهر احتراماً لإرادة الشعب المغربي في أن تكون حياته الأسرية متوافقة مع مرجعيته الإسلامية وتعاليم الشريعة”.
“لا تحددها القوانين وحدها”
ومن جانب آخر، اعتبر عزيز أحلوى أستاذ باحث في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الحديث على نسب الزواج والطلاق يتجاوز تأثير الإصلاحات القانونية، كونه مبنيا على علاقات إنسانية، مضيفا أن “مسألة نسب النجاح أو الفشل في العلاقات الزوجية لا تتعلق بلإصلاحات، بل بشخصية الأفراد أنفسهم، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، و بناء الأسرة يتطلب تقاربا فكريا وأيديولوجيا بين الطرفين”.
وفيما يخص تأثير هذه الإصلاحات على نسب الزواج والطلاق، قال أحلوى في تصريحه لـصحيفة “صوت المغرب”: “لا أعتقد أن الإصلاحات القانونية سترفع من نسب الطلاق أو تقلل من نسب الزواج، موضحا أن “الزواج علاقة إنسانية تقوم على الحب والثقة والتفاهم، وهذه أمور لا يمكن أن تحددها القوانين وحدها، ونجاح العلاقة الزوجية مرتبط بشكل كبير بالتربية، والسلوك، والانتماءات الفكرية للأطراف”.
وأكد الأستاذ الجامعي أن الإصلاحات الحالية، وإن كانت قد أثارت جدلاً واسعاً، إلا أنها تهدف إلى تحقيق المساواة وضمان الحقوق للجميع، مشيراً إلى أن “التحديات الكبرى تبقى مرتبطة بالقيم المجتمعية والتربية على مبادئ التفاهم والاحترام المتبادل بين الرجل والمرأة”.
ورأى أحلوى أن الإصلاحات الجديدة، خصوصاً تلك المتعلقة بمنح النساء مزيداً من الحقوق، تشكل مكتسبات هامة تسعى لتحقيق العدالة والمساواة داخل الأسرة المغربية، مشددا على أن النساء عانين لسنوات طويلة من حيف وظلم واضحين في قضايا متعددة، كالإرث، النفقة، الطلاق، وحضانة الأطفال، كون النظام السابق كان يرتكز على مرجعية ذكورية”.