story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

مدرسة بنموسى

ص ص

مئات الآلاف من أبناء المغاربة يغادرون مقاعد الدراسة سنويا، ليواجهوا شبح الضياع والهشاشة في الشارع. والسبب الرئيس هو الفشل الدراسي وعجز غالبية هؤلاء المغادرين عن مواكبة البرنامج التعليمي. والملايين الآخرون الذين يمكثون داخل أسوار المدارس، تأتي المؤشرات الوطنية والدولية لتخبرنا أنهم يعجزون عن اكتساب التعلُّمات الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب.
فوق هذا وذاك، يقضي التلميذ المغربي ساعات يومه داخل قاعات أشبه بالمعتقلات. ضعف بيّن في البنيات الأساسية والخدمات الضرورية للدراسة وفي الحصول على أساسيات العيش اليومي في مجالي النظافة والصحة والمواكبة.
وضع يعمّق الفجوة أكثر بين أغنياء المغرب وفقرائه، حيث يوجّه الميسورون أبناءهم نحو مدارس البعثات والمدارس الخصوصية المجهّزة بالحدّ الأدنى من الوسائل، بينما يواصل أبناء الفقراء التردّد على مؤسسات طاردة لكل شهية في التحصيل، سواء عند التلميذ أو الأستاذ والإداري.
هل هذا قدر محتوم؟ لا يمكن.
هناك ميزانية ضخمة تقتطع سنويا من ضرائبنا لتنفق على المنظومة التعليمية، وبين حكومة وأخرى، تعددت المخططات والمواثيق والاستراتيجيات، بعشرات الملايير من الدراهم، فلا ميثاق نفع ولا مخطط استعجالي أثمر.
اليوم، هناك تجربة تقوم بخطواتها الأولى نحو التنزيل، تتميّز عن سابقاتها بكونها تجربة عملية، ملموسة، موجودة على الأرض، يمكننا أن نشاهدها ونقيّمها.
ودون التطفل على مجال اختصاص التربويين، أكتفي بالوصف التالي: هناك بالفعل حاليا مدارس عمومية، قليلة، لكنها موزعة على جميع جهات المغرب، تتوفّر على جميع المعدات الأساسية لقيام عملية تربوية كاملة، من بنايات مؤهلة وأقسام مجهزة وأساتذة محفّزين ومفتّشين منخرطين بشكل شبه يومي إلى جانب الأساتذة داخل الفصول…
وفوق هذا وذاك، تلاميذ سعداء بالذهاب إلى المدرسة، بعدما كانوا ينفرون منها ويهجرونها، لأسباب بسيطة، أولها أنهم باتوا يقصدونها متخفيين من الحقائب الثقيلة التي كانت ظهورهم تحملها يوميا في الذهاب والإياب، ولأنهم أصبحوا “يلعبون” داخل القسم وبحضور الأستاذ، دون أن يطولهم العقاب، بل يِطلب منهم أن يلعبوا حتى يتعلّموا، وأساسا، لأنهم أصبحوا يجدون المواكبة التي تلائم مستواهم وتحقق لهم التطوّر الطبيعي، وتكسبهم المعارف التي يفتقدون إليها.
لست بصدد حكي “الخبّير”، لكنني أنقل بكل أمانة ما سمعته من الوزير بنموسى وأطر وزارته من جهة، وما شاهدته وسمعته مباشرة من أفواه أساتذة وإداريين ينتمون إلى المدارس المنخرطة في هذا المشروع، المعروف باسم مدارس الريادة، إلى جانب شهادات لتلاميذ وأولياء تلاميذ يترددون على هذه المدارس، ومفتّشين وخبراء بيداغوجيين.
بالأمس كشف المرصد الوطني للتنمية البشرية، عن نتائج الدراسة الميدانية التي أنجزها بطلب من وزارة التربية الوطنية، حول انطباعات وتمثلات جميع الأطراف المعنية بهذه المدارس. والنتيجة، دون أية مفاجأة، شعور عام يكاد يتقاسمه الفاعلون والمعنيون، بالرضا تجاه هذه التجربة، ولا يكاد يظهر القلق والتوتّر إلا حين يتم التفكير في استمرارية هذه التجربة وتعميمها، وهو القلق البديهي.
أعرف تماما أن السياق السياسي العام لا يحفّز على أي تفاؤل تجاه ما تقوم به الحكومة الحالية، وإن كانت للموضوعية والإنصاف لا تعدم بعض الإنجازات والقرارات الإيجابية والمفيدة. لكن وفي قلب كل هذا اليأس والعجز عن إبداء الثقة الذي يكاد يتملّكنا جميعا، لابد أن نقف عند نقطة الضوء المتمثّلة في مدارس الريادة، ونعترف بها، ونثمّنها ونتمنى لها النجاح والتعميم.
إذا كانت هذه الحكومة ستفلح في تعميم نموذج مدارس الريادة كما تقدّمها اليوم العيّنة التجريبية التي استفادت منها، فإنني شخصيا مستعد للتصفيق لها، لسبب واحد هو أن الأمر يتعلّق بالعمل الذي سيرسم معالم مصيرنا ومستقبلنا.
هذه التجربة كما تم تطبيقها في أكثر من 600 مدرسة ابتدائية حتى الآن، واستفاد منها أكثر من 300 ألف تلميذ وتلميذة، قادرة، في حال تعميمها ونجاحها، على تحويل المدرسة العمومية إلى مؤسسة جذابة ومغرية وصانعة للأمل في المستقبل ومساهمة في استعادة المصعد الاجتماعي لنشاطه.
يتعلّق الأمر بكل بساطة ودون إطناب في التفاصيل، ببرنامج يقوم أولا بتأهيل المؤسسات وتجهيز الأقسام بمعدات تقنية حديثة، ووسائل بيداغوجية تسمح بحصص دراسة دينامية ومبتكرة، ويمنح كل أستاذ حاسوبا ومواكبة بيداغوجية يشرف عليها مفتش مختص. ويتحرّر كل من الأستاذ والتلميذ في هذه التجربة من قيود المقررات الدراسية الجامدة والمرهقة، بحيث يتوصلون أسبوعيا، وبشكل مجاني، بكتيّبات تتضمن ما ينبغي تلقينه وطريقة التأكد من تلقّيه الفعلي من طرف التلاميذ.
كل ذلك بعد عملية تقييم أولي تتم في بداية السنة الدراسية، تصنّف تلاميذ الفصل الواحد إلى مجموعات مختلفة، يتلقى كل منها ما يتناسب مع مستواه التعليمي، ليصل الجميع إلى نهاية السنة الدراسية وقد تلقى الحدّ الأدنى الضروري من التعلّمات.
البحث الميداني الذي قام به المرصد الوطني للتنمية البشرية، وهمّ عشرة مؤسسات ابتدائية، خمس منها منخرطة في برنامج مدارس الريادة والخمس الأخرى غير منخرطة فيه، انتهى إلى أن الأسباب التي ترفع الرغبة في برنامج مدارس الريادة، يمكن أن تلخّص في:
فضاء يغري على الاجتهاد،

  • طريقة إدارة الدرس تحفز على الانخراط فيه،
  • الاستماع الإيجابي للمتعلم والتفاعل البناء مع حاجاته لتحسين مهاراته ومداركه التعلمية،
  • حصول الرغبة في المدرسة لدى التلميذ، خاصة عند هؤلاء ممن لديهم تعثرات تعلمية، والإحساس بالاستمتاع بالوجود داخل القسم.
  • وأخيرا، الإحساس بالأمان لدى الاساتذة في علاقتهم بمستلزمات المراقبة التربوية الروتينية.
    إنها في الحقيقة “المدرسة الحلم” تلك التي يعدنا بها شكيب بنموسى، وما دام قد نجح في تنزيلها في عيّنة تجريبية تفوق ال600 مدرسة ابتدائية، ويعتزم توسيعها في الدخول المدرسي المقبل لتشمل 230 إعدادية عمومية موزعة علي مختلف جهات المغرب، فإن دعم ومواكبة هذه التجربة، بالنقد والتصويب أيضا، أقل ما يمكن أن يفعله كل صادق في الحلم بمغرب أفضل.