محلل: زيارة ترامب للخليج تهدف لإحياء النفوذ الأمريكي بعد فترة فتور

مع بدء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فترة حكمه الثانية، اختار أن تكون أولى زياراته الخارجية إلى دول الخليج العربي، وتحديدًا السعودية وقطر والإمارات، بعد الزيارة التي قام بها إلى روما لحضور مراسم جنازة بابا الفاتيكان، وهو ما يعكس بحسب محللين، “وجود رغبة واضحة لدى الولايات المتحدة في تعزيز العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية مع هذه الدول، التي تلعب دورًا محوريًا في الاستقرار الإقليمي”.
وشهدت الجولة توقيع عدد من الاتفاقيات الكبيرة في مجالات متنوعة، تشمل الطاقة والتقنية المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي. كما احتلت القضايا الإقليمية الساخنة، وعلى رأسها الصراعات في المنطقة، مساحة واسعة في جدول أعمال الزيارة التي وصفها ترامب بـ”المهمة والتاريخية”، بينما اعتبرها البيت الأبيض بمثابة “عودة تاريخية إلى الشرق الأوسط”.
في هذا السياق، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد الشيات، إن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية تهدف أساساً إلى استعادة الدور التقليدي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، بعد فترة من الفتور في العلاقات خلال عهد الديمقراطيين، مؤكدا أن واشنطن تسعى من خلال هذه الخطوة إلى استرجاع موقعها التوافقي مع دول الخليج وتعزيز تحالفاتها الاستراتيجية في المنطقة.
وأوضح الشيات أن هذه الاستعادة تمر عبر تسخير أموال الخليج، وخاصة أموال المملكة العربية السعودية، لخدمة الاقتصاد الأمريكي، الذي يعاني من أزمة خانقة، موضحا أن الرئيس ترامب يسعى إلى جعل هذه الأموال قاعدة صلبة لإنعاش الاقتصاد، وتقليص البطالة، وتحقيق نمو اقتصادي داخلي يخدم أولويات إدارته.
وفي هذا الجانب، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن جولته الخليجية قد تحصد صفقات تصل قيمتها إلى أربعة تريليونات دولار، خلال اجتماع مع رجال أعمال في الدوحة الخميس 15 ماي 2025.
وقال ترامب إن “هذه جولة قياسية. لم يسبق أن جمعت جولة ما بين 3,5 و4 تريليونات دولار خلال هذه الأيام الأربعة أو الخمسة فقط”.
وفي الوقت نفسه، أشار الشيات إلى أن زيارة ترامب ترافقت مع تصريحات سياسية لافتة، حيث أعلن عدم توافقه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما صرح برفع العقوبات عن سوريا، وطالب دمشق بالانضمام إلى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، معتبرا أن هذه التصريحات تعكس مستوى خطابياً في زيارة ترامب، يجب التمييز فيه عن التحركات الواقعية.
وفي هذا الصدد، أوضح المتحدث أن الخطاب الأمريكي لا يعكس بالضرورة ما يجري على أرض الواقع، مبرزاً أن هناك مستويين لفهم هذه الزيارة، مستوى واقعي يتمثل في الترتيبات الاستراتيجية والاقتصادية، ومستوى خطابي يحاول الترويج لرؤية أمريكية جديدة تجاه قضايا الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل.
من جهة أخرى، أشار الشيات إلى أن دول الخليج لم تعد مجرد “دول موز”، أي أنها لم تعد كيانات ضعيفة أو تابعة كما كان يُنظر إليها في السابق، “بل أصبحت تدرك مصالحها جيداً في علاقاتها مع واشنطن”، كما أنها باتت تسعى لتوازن علاقاتها الخارجية، خاصة مع الصين وروسيا، وهو ما يؤرق الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح في هذا الصدد، أن “هذه التحركات الأمريكية تتجه نحو بناء منظومة عسكرية نووية جديدة في المنطقة، يكون هدفها تحقيق توازن استراتيجي مع إيران، خاصة مع تعثر إمكانية القيام بعمل عسكري مباشر”، مبرزا أن “هذا الخيار قد يشمل المملكة العربية السعودية، التي ترى في هذه الخطوة فرصة لتقوية موقعها الاستراتيجي الإقليمي”.
وخلص الأستاذ الجامعي إلى أن هناك إمكانيات استراتيجية مهمة لدول الخليج مع إدارة ترامب تهدف إلى تنمية الوضع الاستراتيجي العام لهذه الدول، مشيرا إلى أن “جزءاً من هذه العلاقة يتمثل في ضخ بعض الأموال الخليجية في الاقتصاد الأمريكي، إلا أنه أمر يخدم المصالح الاستراتيجية للطرفين بشكل مناسب”.
ويختتم الرئيس الأميركي جولته الخليجية الخميس بالتوجه إلى الإمارات، بعد محطتي السعودية وقطر حيث أبرم صفقات وحصل على تعهدات بمليارات الدولارات.
ويتوجه ترامب إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي بعد توقف في قطر، حيث أشاد الرئيس الأميركي بما وصفه “صفقة قياسية” بقيمة 200 مليار دولار لشراء طائرات بوينغ.
بدأ ترامب رحلته في المملكة العربية السعودية التي وعدت باستثمارات بقيمة 600 مليار دولار، من ضمنها صفقة أسلحة أميركية قال عنها البيت الأبيض إنها “الأكبر في التاريخ”.
وأثار سخاء قادة الخليج جدلا قبيل زيارة ترامب إلى قطر، إذ عرضت عليه الدوحة طائرة فاخرة للاستخدام الرئاسي ثم الشخصي، في ما اعتبره منافسوه الديموقراطيون فسادا صارخا.
ولم يتردد ترامب الذي اختار السعودية أيضا محطته الأولى في ولايته الأولى، في السعي للحصول على أموال الخليج، وأشاد بتأثيرها على خلق فرص العمل في الداخل الأميركي.