story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

محلل: أسعار الأدوية في المغرب تشكل خطرا يهدد تمويل النظام الصحي- حوار

ص ص

لا زال الارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار الأدوية في المغرب يعرف نقاشا كبيرا، خصوصا بعد تصريحات سابقة للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، والتي كشف من خلالها أن هامش أرباح بعض الشركات المستوردة للأدوية قد يصل إلى نسبة كبيرة تزيد عن 300% معتبرا الأمر “غير مقبول”.

وليست هذه المرة الأولى التي يُثار فيها هذا النقاش، إذ كشفت دراسة سابقة أنجزها الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، بالتعاون مع إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة عام 2022، عن “الارتفاعات المهولة” في أسعار الأدوية بالمغرب مقارنة بدول مثل فرنسا. وذلك رغم أن القانون المنظم يفرض ألّا يتجاوز السعر في المغرب نظيره في عدد من الدول، من بينها فرنسا.

هذا الوضع يطرح أسئلة عديدة حول قانونية أسعار الأدوية في المغرب، ومدى احترامها للإطار التنظيمي المعتمد، إضافة إلى البدائل الممكنة لكبح هذه الزيادات، سواء من خلال تعزيز تصنيع الأدوية محليًا، أو توسيع نطاق استخدام الأدوية الجنيسة.

صحيفة “صوت المغرب” نقلت هذه التساؤلات إلى عبد المجيد بليعش، محلل أسواق الأدوية وباحث في اقتصاد الصحة، وفي ما يلي نص الحوار:

  • كيف تفسرون الواقع الذي صوّره فوزي لقجع في تصريحاته حول الهوامش الربحية التي يتم تطبيقها في قطاع الأدوية والتي قد تصل إلى 300% ؟

نعم لقد رسم الوزير المنتدب، فوزي لقجع، صورة قاتمة لمستويات أسعار الأدوية بالمغرب، وهي الوضعية التي ساهمت في إفلاس الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي. وإذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لتصحيح الاختلالات القائمة، فقد يمتد الخطر ليهدد تمويل نظامنا الصحي بأكمله.

ولمعرفة حجم الاختلالات التي يعيشها سوق الأدوية في المغرب، أشير هنا إلى دراسة الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي والتي شملت 321 دواءً، حيث كشفت هذه الدراسة أن أسعار البيع العمومي لبعض الأدوية في المغرب تفوق بكثير الأسعار المصرّح بها لدى الجمارك.

كما أظهرت أن بعض الأدوية المتداولة محليًا تباع بأسعار أعلى من نظيرتها في فرنسا أو بلجيكا. وغالبًا ما تكون وهذه الأدوية مستوردة من طرف شركات متعددة الجنسيات وأغلبها أدوية مكلفة.

أضيف إلى ذلك أن المشكلة هنا لا تقتصر على الأدوية فحسب، بل تشمل أيضًا بعض العلاجات المكلفة التي فاقمت الأزمة المالية للصندوق.

  • المرسوم المنظم للقطاع يؤكد أن السقف لايجب أن يتجاوز الدول التي وضعت كمقارنة معيارية، لكن نجد أن الأسعار في المغرب تتجاوز نظيرتها في فرنسا، التي تعد واحدة من البلدان المعيارية، وبنسب “صادمة”، فهل التسعير يتم بمعزل عن القانون المنظم؟

يحدد المرسوم رقم 2.13.852، المتعلق بتحديد أسعار الأدوية المستوردة أو المصنعة محليًا، الأسعار بناءً على مقارنة مع ست دول، وهي فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، البرتغال، تركيا، والمملكة العربية السعودية. وفي حال لم يكن بلد المنشأ ضمن هذه القائمة، يتم اعتماده كمرجع إضافي لتحديد السعر.

ويتم اختيار أدنى سعر مصنع (دون احتساب الرسوم) من بين تلك الدول، ليُعتمد كأساس لحساب سعر البيع للعموم. بعد ذلك، تُضاف هوامش ربح الصيادلة والموزعين وفقًا للشروط المحددة في المرسوم المنظم لتحديد أسعار الأدوية.

وبالتالي فمن المنطقي ألا يكون سعر أي دواء في المغرب أعلى من سعر نفس الدواء المعمول به في إحدى تلك الدول المرجعية. وهو ما يجعلنا جميعا نتساءل، كيف وصلنا إلى هذه الوضعية التي أصبحت فيها أسعار بعض الأدوية لدينا أغلى من تلك الموجودة في فرنسا وبلجيكا، كما أظهرت الدراسة المذكورة، هل يعني هذا أن شروط مرسوم تحديد أسعار الأدوية لم يعد يتم الالتزام بها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فالأمر خطير جدًا.

  • جاء قانون المالية للسنة المالية لسنة 2024 بإجراء ضريبي مهم، يعفي جميع الأدوية من الضريبة على القيمة المضافة، فهل بالفعل ساهم هذا الإعفاء الضريبي بشكل ملموس في خفض سعر البيع النهائي للأدوية ؟

نعم بالفعل، فقد مكن قرار الإعفاء من الرسوم على القيمة المضافة على الأدوية الوارد في قانون مالية سنة 2024، من خفض أسعار الأدوية الخاضعة للرسوم على القيمة المضافة بنسبة 7%، وهو ما أدى إلى توفير 1 مليار درهم للمرضى وصناديق هيئات إدارة التأمين الصحي.

وهنا يجدر التذكير بأنه حتى عام 2023، كان 85% من حجم الأدوية خاضعاً للرسوم على القيمة المضافة بنسبة 7%، أما النسبة المتبقية من الحجم والبالغة 15% فهي معفاة من تلك الضريبة. والأدوية المعفاة سابقا من الرسوم على القيمة المضافة هي أدوية مرض السكري وأمراض القلب والشرايين والتهاب الكبد، والسرطانات، والإيدز، والربو.

بالإضافة إلى هذه الأدوية المعفاة، تمت إضافة اللقاحات في عام 2014، وأدوية الخصوبة والمضادات الحيوية عن طريق الحقن المستخدمة في علاج التهاب السحايا في عام 2018، وجميع الأدوية التي يتجاوز سعرها 1000 درهم سنة 2019.

وبالتالي فإن قرار الإعفاء مكن من توسيع دائرة الأدوية المعفية، إلا أنه في المقابل ظلت الرسوم على القيمة المضافة على المستلزمات الطبية عند مستوى 20%، وهو ما كان له تأثير كبير على نفقات المرضى وصناديق التأمين الصحي.

  • قمتم بإجراء دراسة حول فوائد وإسهامات الأدوية الجنيسة في سوق الأدوية بالمغرب على مدى فترات مختلفة، ما هي أهم الخلاصات التي توصلتم إليها من خلال هذه الدراسة ؟

إن الأدوية الجنيسة والمماثلات البيولوجية لا تقتصر فقط على كونها وسيلة لتمكين المرضى من الوصول إلى علاجات فعالة وآمنة وبتكلفة أقل، بل تمثل أيضًا أفضل السبل لحماية الأرصدة المالية لصناديق التأمين الصحي.

ورغم أنها لم تشكل سوى 56.6% من حيث الحجم و49% من حيث القيمة من إجمالي الأدوية المباعة في الصيدليات عام 2023، إلا أنها ساهمت في تقليص النفقات بحوالي 4.54 مليارات درهم خلال السنة نفسها.

أما إجمالي النفقات التي وفرتها الأدوية الجنيسة خلال الفترة الممتدة من 2015 إلى 2023، فقد بلغ حوالي 31.33 مليار درهم

في المقابل ومع تعميم التغطية الصحية، نتوقع أن يرتفع عدد المستفيدين من 11 مليون مغربي قبل سنة 2021 إلى أزيد من 36 مليون و828 ألف، وهذا يعني أن الحاجيات من العلاجات والأدوية سوف تتضاعف بمقدار 3,3 مرة، وهو ما يثير السؤال التالي: “كيف يمكننا تلبية تلك الحاجيات دون أن نتسبب في انهيار تمويل نظامنا الصحي؟”

لذلك، يصبح تحسين تدبير ميزانية الأدوية أمرًا ضروريًا، وهو الدور الذي تبرز فيه الأدوية الجنيسة والمماثلات البيولوجية كحل فعّال يساهم في ترشيد النفقات وضمان استدامة التمويل الصحي.

  • حسب المعطيات التي أشرتم إليها لا تزال نسبة انتشار الأدوية الجنيسة في المغرب عند النصف تقريبا، رغم الإيجابيات التي توفرها لجيوب المغاربة وصناديق الدولة، وبالتالي فما القيود التي تمنع رفع النسبة وتعزيز الصناعة الوطنية؟

في الحقيقة، عند مقارنة هذه الأرقام بتلك المسجلة في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نجد أنها من بين الأفضل. ومع ذلك، وبالنظر إلى الإمكانات الكبيرة التي يتمتع بها المغرب في تطوير الأدوية الجنيسة، فإن هذه الأرقام تظل أقل مما يمكن تحقيقه، بحيث يمكننا بسهولة أن نستهدف 70 إلى 80% من السوق.

ولذلك، يجب اعتماد سياسة حقيقية لتشجيع الأدوية الجنيسة وتعزيز التصنيع المحلي، وهذا هو الثمن الذي يتعين علينا دفعه لضمان استدامة تمويل التغطية الصحية الشاملة وحماية سيادتنا الدوائية.

  • ماهي الإجراءات التي تقترحونها كحلول لمواجهة الإشكالات المطروحة في قطاع الأدوية بالمغرب؟

لقد تم إنشاء الهيئة العليا للصحة والوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، وهما المؤسستان المعنيتان بإيجاد حلول إصلاحية لقطاع الأدوية في المغرب.

فالهيئة العليا للصحة ستكون المرجع الأساسي لاتخاذ القرارات في المسائل الصحية، حيث ستتولى مهام الوكالة الوطنية للتأمين الصحي الحالية، إلى جانب الإشراف على تنفيذ البروتوكولات العلاجية وضمان احترامها.

وعلى نحو مماثل، ستقرر هذه المؤسسة العملاقة نوع العلاج أو الدواء الذي سيتم تعويضه على أساس قيمتها المضافة العلاجية أخذا بعين الاعتبار أدلة مبنية على حجج علمية. وستكون للهيئة أيضًا سلطة فرض العقوبات على أي مسؤول على أي انحراف علاجي محتمل.

أما الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، التي حلت محل مديرية الأدوية والصيدلة، فستتمتع باستقلالية إدارية ومالية، مما يمنحها سلطات أوسع وهيكلًا تنظيميًا أكثر تطورًا. وستضم لجنة مخصصة لتحديد أسعار الأدوية، قادرة على تصحيح الاختلالات القائمة في هذا المجال.

وبالتالي، فإن العمل المشترك بين هاتين المؤسستين سيمكن من ضمان علاجات وأدوية ذات جودة عالية لجميع المغاربة، مع تحسين إدارة الموارد المخصصة لتمويل التأمين الصحي.