محامٍ يُعدد النقاط الخلافية في مشروع قانون المحاماة والمخاطر التي يحملها -حوار
بعدما دعت جمعية هيئات المحامين بالمغرب إلى عقد جمع عام استثنائي يوم السبت 10 يناير 2026، للحسم في الخطوات النضالية المقبلة، دخل ملف مشروع قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 23.66 مرحلة جديدة من التصعيد، الذي يأتي في ظل رفض واسع داخل صفوف المحامين للصيغة الحالية من المشروع، التي يعتبرونها مساسا خطيرا بالمبادئ الكبرى التي تقوم عليها المهنة، وفي مقدمتها استقلالية المحاماة وحصانة الدفاع.
في هذا السياق، أجرت صحيفة صوت المغرب حوارا مع محمد النويني، المحامي بهيئة الدار البيضاء ورئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان، من أجل تسليط الضوء على جوهر الخلاف القائم، وأبرز النقاط الإشكالية في مشروع القانون، وكذا خلفيات الانتقال من الحوار إلى الاحتجاج.
وفي حديثه، نبه النويني إلى خطورة التوجهات التي يحملها المشروع على مستقبل المهنة ودورها الحقوقي داخل منظومة العدالة، معتبرا أن المشروع لا يستهدف تنظيم المهنة بقدر ما يقيّد استقلاليتها ويُفرغها من وظيفتها الأساسية في حماية الحقوق والحريات.
وهذا نص الحوار كاملا:
- ما هو جوهر الخلاف القائم اليوم بين هيئات المحامين ووزارة العدل؟ وما هي أبرز النقاط التي تعتبرونها إشكالية أو خلافية في مشروع القانون المطروح؟
ج: هناك العديد من النقاط الخلافية حول المشروع، أبرزها:
1- المس بالحق في التظاهر والاحتجاج وانتهاك حرية الرأي وحصانة الدفاع
إن المادة 50 من مشروع قانون 66.23 تتعارض مع مقتضيات الفصل 25 من دستور 2011 الذي اعتبر “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها.” وتتناقض مع روح الفصل 29 من ذات الدستور الذي ينص على أن “حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة.”
فحسب المادة 50 من مشروع 66.23 فإنه يمنع على المحامين تنظيم الوقفات الاحتجاجية ورفع الشعارات داخل فضاءات المحاكم وقت انعقاد الجلسات، ويمنع عليهم أيضا أن يتفقوا فيما بينهم، على أن يتوقفوا كليا عن تقديم المساعدة الواجبة عليهم إزاء القضاء، سواء بالنسبة للجلسات أو الإجراءات.
وفي نفس الاتجاه تم المس بحصانة الدفاع في الفقرة الرابعة من المادة 77 من المشروع حينما أجاز للمحكمة مكنة تحرير محضرا مستقلا بما قد يحدث من إخلال، وإحالته إلى النقيب وإلى الوكيل العام للملك، وإلزام النقيب بالبث في الموضوع داخل أجل قصير جدا ” 15 يوما” تحت طائلة وضع اليد من قبل الوكيل العام للملك، وهذا فيه سطو غير مباشر على اختصاص التأديب الموكول لمؤسسة النقيب، ومخالف لمبادئ هافانا، المعروفة رسميا بـ “المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين” التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1990، التي تضع إطارا عالميا يضمن استقلالية وحرية المحامين في أداء دورهم الحيوي في تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان، مؤكدة على حق الجميع في الاستعانة بمحام، وتوفير ضمانات للمحامين بأن تكفل الحكومات للمحامين بيئة عمل آمنة تسمح لهم بممارسة مهامهم دون خوف أو مضايقات.
2- التعسف على الحق في احتكار مهنة المحاماة
في الوقت الذي كان المحامون ينادون بتوسيع الصلاحيات الموكولة لهم نصت المادة 38 من المشروع الجديد على أن المحامي “غير الزامي في جميع قضايا المسطرة الشفوية” مما يضرب في العمق مبدأ الولوج المستنير للعدالة من قبل المتقاضين، الأمر الذي يؤدي إلى استفراد جهات أجنبية على المنظومة القضائية بالمواطن المتقاضي في سلوك مساطر قضائية، دون استعانة بمحام متخصص في المجال والذي خول له القانون حصريا التصدي لهذا الاختصاص دون غيره.
وفي نفس السياق المتعلق بالتضييق على ممارسة مهنة المحاماة نص المشروع على أنه يمكن بصفة استثنائية لوزير العدل الترخيص لمكتب محاماة أجنبي لمزاولة مهام محددة مرتبطة حصريا بمشروع استثماري أو صفقة داخل المغرب، مع إلزامه بالتسجيل بلائحة مستقلة لدى هيئة المحامين المختصة وتعيين محل مخابرة لدى محام مغربي، مما يؤدي إلى احتكار مهنة المحاماة من قبل مكاتب أجنبية لها إمكانات مادية ولوجيستية هائلة غير متكافئة.
هذا الأمر يجعلنا أمام تعديلات مجحفة تمس في الصميم بمكتسبات ما نصت عليه المادة 32 من القانون المنظم لمهنة المحاماة الحالي (ظهير 20 أكتوبر 2008) الذي ينص على أن “المحامون المسجلون بجداول هيئات المحامين بالمملكة، هم وحدهم المؤهلون، في نطاق تمثيل الأطراف، ومؤازرتهم، لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا.”
3- التشديد والتوسع في العقوبات التأديبية التي تطال المحامون ومؤسساتهم
إن المادة 93 من مشروع 66.23 وسعت من العقوبات التي يمكن إيقاعها على المحامي الخاضع للتأديب: إنذار، توبيخ، توقيف عن ممارسة المهنة لمدة تصل إلى 3 سنوات، تشطيب من الجدول، مع إمكانية نشر القرارات وتأشيرها بمقر الهيئة والموقع الإلكتروني للهيئة ووزارة العدل كعقوبة إضافية، مع تمكين المجلس من الأمر بالتنفيذ المعجل لقرارات التوقيف أو التشطيب في حالة الإخلال الخطير بقواعد المهنة.
وحسب مقتضيات المادة 104 من ذات المشروع يمكن أن تحرك تلقائيا أو بناء على شكاية، أمام غرفة المشورة، في مواجهة رئيس مجلس هيئات المحامين أو نقيب ممارس، من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستناف عوض الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.
وقد تم سن إجراءات للمساءلة القضائية لمجلس الهيئة ومؤسسة النقيب نفسه إذا تقاعس عن عمله المتعلق بالتأديب، وتبقى المساءلة القضائية ممكنة إذا كان هناك إخلال بواجبات مهنية يمس شرف المهنة.
4- غياب طابع التشاركية في إنتاج المشروع وعدم نشر مسودته الأولى لاطلاع المعنيين به
حيث سجل أصحاب البذلة السوداء أول ملاحظة شكلية على المشروع، وهي في غاية الأهمية، والمتمثلة في غياب طابع التشاركية خلال مراحل وضعه ونقاشه، وتغييب المعنيين الأساسيين به وهم السادة المحامون في خرق تام لأهم المبادئ الدستورية التي تكفل المشاركة في العملية التشريعية، وصنع السياسات حسب ما جاء في الفصول 10 و14 و139 من دستور 2011.
أيضا يسجلون عدم نشر مسودة القانون للاطلاع عليها من طرف الرأي العام كما ينص على ذلك قانون 31.13 بشأن تدابير النشر الاستباقي وكذا مرسوم رقم 2.08.229 بإحداث مسطرة للنشر بخصوص مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية. وقد يفهم من هذا الأمر أن الحكومة حريصة على تهريب النقاش العمومي الواسع إلى فضاءات متحكم فيها.
5- السطو على اختصاصات المؤسسات المهنية والعصف باستقلالية مهنة المحاماة
أثار هذا المشروع جدلا واسعا حول عصفه بأهم مبدأ، الذي يشكل مركز قوة مهنة المحاماة وسر تألقها وعطائها، وهو مبدأ الاستقلالية. إذ كيف يمكن أن نستسيغ سطو وزارة العدل والمؤسسات المرتبطة بها على مهام هي من اختصاص مجالس الهيئات والسادة النقباء.
إن المشروع رقم 66.23 يفتح الباب على مصراعيه لمؤسسات حكومية لتنخرط بقوة القانون في عملية التأديب وإيقاع الجزاءات على المخالفين، وتلحق من تشاء للجسم المهني، وتحدد مبلغ الانخراط في المهنة داخل الهيئات، وهذا من شأنه أن يمس بمبدأ الاستقلالية، ويدخل المهنة إلى بيت الطاعة، لتصبح مهنة متحكم فيها كما تم مع باقي المهن، في الوقت الذي كانت ومازالت تلعب فيه مهنة المحاماة دورا رياديا في الدفاع عن الحقوق والحريات والمساهمة في تجويد الولوج المستنير للعدالة.
- في حال استمر الوضع على ما هو عليه، دون الاستجابة لمطالب هيئات المحامين، ما هي الخطوات التي تعتزمون اتخاذها خلال المرحلة المقبلة؟
ج: حسب البلاغات الصادرة عن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب فقد اعتبر الصيغة المقدمة من مشروع قانون المهنة غير متوافق عليه ويتناقض مع مخرجات جلسات الحوار مع الوزارة الوصية مشددا على سحب المشروع والرجوع إلى الصيغة المتوافق بشأنها، لضمان استمرار الحوار البناء، معتبرا المشروع المسرب يمس بالمبادئ الكبرى لمهنة المحاماة، وعلى رأسها الاستقلالية.
وفي نفس الاتجاه ذهبت بعض الهيئات الكبرى من قبيل هيئة المحامين بالبيضاء التي تشكل ثلث المحامون بالمغرب، بحيث عبرت عن رفضها المطلق لمشروع قانون مهنة المحاماة، معتبرة أنه يمس بالمكتسبات المشروعة للمحامين ويهدد استقلالية المهنة وثوابتها، كما انتقد مجلس الهيئة بشدة إقصاء مجالس الهيئات من مناقشة مشروع القانون وإبداء الرأي فيه، معتبرا ذلك تجاوزا خطيرا لاختصاصاتها وتعديا على دورها التمثيلي، خاصة في موضوع يمس جوهر المهنة ومستقبلها.
الأمر الذي يفرض على المؤسسات المهنية الرسمية ومعها باقي مكونات الجسم المهني من تحمل مسؤوليته في الضغط بكل الأشكال المشروعة لسحب المشروع المذكور والجلوس معا للحوار الهادئ والمسؤول تحقيقا لمبدأ التشاركية في سن القوانين
- هل تدرسون اللجوء إلى آليات أخرى، مثل المحكمة الدستورية أو الهيئات الأممية المعنية، للدفاع عن مواقفكم؟
ج: أعتقد أنه سابق لأوانه اعتماد تلك الآليات، ما دام لم يتم استنفاذ بعد كل الوسائل والأشكال الترافعية خلال هاته المرحلة التي يمر منها المشروع، على الرغم من ضيق الوقت وعدم اغتنام الوقت في إبداء الرأي بخصوصه في مرحلة عرضه كمسودة، والحال أننا الآن أمام مشروع قانون تم إحالته على المجلس الحكومي.
- هل يقتصر الخلاف على وزارة العدل والوزير عبد اللطيف وهبي، أم أن هناك أطرافاً أخرى مؤثرة في مسار هذا المشروع وفي طبيعة القرارات المتخذة؟
ج: أعتقد أن الخلاف لا يرتبط بشخص وزير العدل وهبي فقط بل بمنظومة متكاملة تتجه نحو سن قوانين تنتصر للطرف الأقوى على حساب المواطن باعتباره الطرف الضعيف، كما حدث في قانون الإضراب وقانون المسطرة الجنائية ومدونة الانتخابات وباقي المشاريع القادمة كقانون الصحافة والنشر وقانون المسطرة المدنية.
- كنتم، كمحامين، قد دخلتم في مسار حواري مع وزارة العدل، وتم الإعلان حينها عن التوصل إلى تفاهمات… ما الذي وقع لاحقاً وأدى إلى تفجّر الخلاف؟
ج: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ينبغي على المؤسسات المهنية التي تحاور الجهات الرسمية والوصية على القطاع أن تنور الرأي العام بهذا الخصوص.