محاربة العنف.. مطالب بتفعيل القوانين وتغيير الثقافة المجتمعية لحماية النساء
بالتزامن مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يصادف الـ 25 نوفمبر من كل سنة، تظل الأرقام الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة بشأن العنف ضد النساء مقلقة بشكل كبير، حيث تشير إلى تزايد مستمر في حالات العنف والقتل ضد النساء في مختلف أنحاء العالم، ويأتي ذلك في وقت تتعالى فيه الأصوات الحقوقية والقانونية مطالبة بضرورة اتخاذ إجراءات فعالة بهدف تحسين وضعية المرأة وضمان حمايتها من جميع أشكال العنف.
القانون لحماية فعّالة
وفي هذا الصدد، قالت المحامية بهيئة الرباط، فتيحة أشتاتو، إنه “من الضروري أن يكون التشريع واضحاً وصارماً فيما يخص القضايا المتعلقة بالعنف ضد النساء”، مشيرة إلى أنه “يجب أن تُفرض عقوبات مشددة على مرتكبي العنف ضد النساء”، موضحة في نفس الوقت أنه في حال عدم وجود رد فعل حازم من قبل القانون، فإن العنف ضد النساء سيظل جزءاً من الحياة اليومية دون محاسبة.
وفي هذا الإطار، دعت أشتاتو إلى ضرورة تفعيل التزامات الدولة المغربية بموجب اتفاقية “سيداو”، التي تهدف إلى القضاء على جميع أشكال التمييز والعنف ضد النساء، وذلك إلى جانب اتخاذ الدولة خطوات حقيقية لمكافحة هذه الظواهر من خلال برامج تدعم حقوق النساء وتضمن حمايتهن من العنف.
كما شددت المحامية والناشطة الحقوقية ذاتها، على أن القوانين الجنائية يجب أن تشمل آليات مرنة وفعّالة لإثبات حالات العنف والاغتصاب، كما أنه من الضروري أن تُجرّم حالات عدم التبليغ عن جرائم العنف، وذلك لضمان محاسبة كل من يسهم في ممارسة واستمرار العنف.
وأوضحت أشتاتو أن محاربة الفقر والأمية تعتبر من الأسس الرئيسية لمكافحة العنف ضد النساء، لافتة إلى أن الفقر والظروف الاجتماعية الهشة تجبر العديد من النساء على البقاء في علاقات عنيفة، “كما أن هذه الأوضاع تسهم في تعزيز قبول العنف داخل المجتمع، والتسامح معه سواء في المجتمع أو القانون”.
نحو ثقافة جديدة
من جهته، اعتبر الناشط الحقوقي محمد ألمو، أن محاربة ظاهرة العنف ضد النساء لا يتطلب فقط النصوص القانونية بل أيضاً تعزيز الثقافة المجتمعية حول ضرورة الوقاية من العنف، “بحيث أن هناك حاجة ملحة لتغيير الثقافة الاجتماعية التي أحياناً تبرر العنف ضد النساء”.
وأشار ألمو إلى أن العديد من النساء يواجهن صعوبة في الخروج من علاقات مسيئة بسبب الخوف أو التهديدات التي يتعرضن لها من الطرف الآخر.
وفي هذا السياق، شدد على ضرورة توفير فضاءات آمنة للنساء المعرضات للتهديدات، خصوصاً في حالات التهديد بالقتل أو التصفية الجسدية، بهدف تقديم الدعم النفسي والقانوني اللازم لهن.
وذكر المتحدث ذاته أن التمكين الاقتصادي للمرأة مالياً من شأنه أن يخفف من حالات العنف ضدها، موضحا أن “تمكين المرأة من الحصول على دخل مستقل يعزز من قدرتها على الخروج من العلاقات العنيفة ويقلل من تعرضها للعنف،” مما يتطلب بحسبه تعزيز المساواة بين الجنسين في مجال الوصول إلى الفرص المالية.
وفي غضون ذلك، اعتبر المتحدث ذاته أن تمكين المرأة يشمل أيضا تعديل الأنظمة القانونية التي تعيق حصولها على فرص اقتصادية متساوية، مشددا في هذا الصدد على ضرورة تعديل قوانين الإرث وتعزيز فرص العمل لتمكين المرأة من مواجهة تهديدات العنف.
أرقام مقلقة
وفي هذا السياق، كشف تقرير حديث لهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن 60% من جرائم قتل الإناث في العالم تُرتكب على يد شركاء حميمين أو أفراد آخرين من الأسرة، مؤكدا أن العنف ضد المرأة ما زال منتشراً على نطاق واسع، بما في ذلك أشد أشكاله تطرفاً، وهو القتل. هذه الظاهرة تمتد عبر الحدود الاجتماعية والاقتصادية والعمرية.
ووفقاً للمصدر ذاته، تم قتل 85 ألف امرأة وفتاة عمداً في عام 2023، حيث ارتُكبت 51 ألف جريمة قتل من قبل شركاء حميمين أو أفراد الأسرة، مما يشكل 60% من إجمالي الجرائم.
ويشير التقرير إلى أن 140 امرأة وفتاة تُقتل يومياً على يد شريكهن أو أحد أقاربهن، أي ما يعادل مقتل امرأة واحدة كل 10 دقائق.
وأظهرت الوثيقة أن القارة الأفريقية سجلت أعلى معدلات لقتل النساء على يد الشركاء الحميمين أو أفراد الأسرة في عام 2023، تلتها الأمريكتان وأوقيانوسيا، أما في أوروبا والأمريكتين، كانت النسبة الأكبر من النساء اللواتي قُتلن في الحيز المنزلي ضحايا لشركاء حميمين، بينما كان أفراد الأسرة في أماكن أخرى هم الجناة الرئيسيين.