story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
آداب |

مثقفون يسلّطون الضوء على دور الإبداع في صون الهوية الفلسطينية

ص ص

شدد عدد من المفكرين والشعراء على أن الإبداع الفلسطيني، بأشكاله المختلفة، لعب دورًا محوريًا في صون الهوية الفلسطينية، “في مواجهة محاولات الطمس والهيمنة التي رافقت نشوء المشروع الصهيوني”، مؤكدين أن الأدب، والفن، والفكر، شكّلوا دائمًا جبهة مقاومة موازية للميدان، وأسهموا في تثبيت فلسطين في الوعي الجمعي العربي والعالمي، رغم فصول النكبة والنكسة والشتات.

وفي هذا الإطار، نبّه المتدخلون إلى أن المرحلة المقبلة تفرض تحديات جديدة على المبدعين الفلسطينيين والعرب عمومًا، خاصة في ظل ما وصفوه بـ”الزمن الإبداعي المختلف” واحتدام المواجهات على الأرض، مشددين على أن المطلوب اليوم هو فورة إبداعية حقيقية، تواكب حجم المقاومة والصراع، تمامًا كما حدث بعد نكبة عام 1948، حين أنجبت فلسطين شعراء وروائيين ومفكرين كبارًا أصبحوا رموزًا للثقافة العربية الحديثة.

وعلاقة بالموضع، أكد الشاعر المغربي محمد بنيس أن الإبداع الفلسطيني، بأشكاله المختلفة، كان وما يزال عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على الهوية الفلسطينية، في مواجهة محاولات الطمس والهيمنة التي رافقت نشوء المشروع الصهيوني منذ بدايات القرن العشرين.

وأوضح بنيس، خلال مداخلته حول موضوع الإبداع الفلسطيني في مواجهة سياسات المحو، الثلاثاء 22 أبريل 2025، على هامش المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، أن أكبر تحدّ واجهه الفلسطينيون في تلك المرحلة التاريخية تمثل في ظهور الفكرة الصهيونية، في وقت كانت فيه النخبة الفلسطينية تعتبر أن الدولة العثمانية تشكل الملاذ الأخير لحماية القضية.

وأضاف أن الرواية، والشعر، والفنون التشكيلية، ثم السينما، كلها أسهمت بقوة في تثبيت الهوية الفلسطينية، لافتا إلى أن جيل ما قبل النكسة، ومنه فدوى طوقان، ومحمود درويش، وغسان كنفاني، وجبرا إبراهيم جبرا، وإميل حبيبي، إضافة إلى إدوارد سعيد في المجال الفكري، رفعوا اسم فلسطين إلى أعالي العالم، من خلال حضورهم الأدبي والفكري المقاوم، خاصة خلال فترات ازدهار اليسار والمقاومة المسلحة والمشروع الفلسطيني للتحرر.

وشدّد بنيس على أن ما قدمه هؤلاء من أعمال ليس مجرّد إرث ثقافي، بل هو واقع حي وممتد في الزمن، لأن إنتاجهم لا يزال حاضرًا بقوة ويواصل تأثيره.

غير أنه حذر من الخطر الذي يتهدد الإبداع الفلسطيني اليوم، “في ظل تغوّل الكيان الصهيوني في مجالات متعددة”، مؤكدًا أن استمرار هذه الدينامية الإبداعية يتطلب تشبثًا بمقومات متعددة، ودعمًا عربيًا وإقليميًا ملموسًا.

وفي سياق حديثه عن المرحلة الراهنة، لفت الشاعر المغربي إلى أننا نعيش “زمانًا آخر” من الناحية الإبداعية، سواء على الصعيد العربي أو العالمي، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الإبداع الفلسطيني على الاستمرار والحفاظ على الزخم الذي ميزه خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، خاصة في ظل فرض تراجع الحضور العلني لفلسطين في المناهج والحوارات الثقافية.

واعتبر بنيس أن تاريخ 7 أكتوبر 2023 أعاد اسم فلسطين إلى مركز الخطاب العالمي، بعد أن خفت حضوره في الواقع والواقع الافتراضي، بفعل المقاومة، مستدركا أن هذا الانتصار الكبير لم يرافقه نفس الزخم الإبداعي والفني الذي كان يميز المراحل السابقة.

وأكد المتحدث أن المبدع الفلسطيني اليوم مطالب بأن يكون واعيًا ومثقفًا، مدركًا لسياقه ومحيطه، ومجهزًا بالمعرفة والوسائل التي تمكنه من المساهمة الفعّالة في الدفاع عن قضيته، قائلًا: “المسألة ليست فقط أن نبدع، بل كيف نبدع، وفي أي سياق ولأجل من؟”

ومن جهة أخرى، قال المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز إن نكبة عام 1948 شكّلت خسارة فادحة للفلسطينيين والعرب على حد سواء، ليس فقط من الناحية السياسية، “بل أيضًا في ما تعنيه من سقوط أمام المشروع الصهيوني الذي سعى إلى طمس الهوية الفلسطينية”.

لكن، وبالقدر ذاته، شدّد بلقزيز على أن القضية الفلسطينية أسهمت بعمق في نهوض الثقافة والفن والإبداع العربي، بل إنها تحولت إلى رافعة تاريخية أساسية للنهوض السياسي والاجتماعي العربي، وإلى مختبر دائم للخطاب السياسي العربي في مختلف تجلياته.

وأضاف بلقزيز أن فلسطين ليست مجرد موضوع سياسي أو تاريخي، بل سؤال ثقافي عميق، ومرجعية وجودية للتفكير في قضايا الحاضر الإنساني، معتبرًا أن حضورها في الثقافة العربية لم يكن مجرد انعكاس لقضية راهنة، بل نابع من كونها مرجعية تأسيسية في وعي المثقف العربي.

وأشار المفكر المغربي إلى أن اللحظات الكبرى في تاريخ الثقافة العربية المعاصرة بدأت فلسطينية ثم عمّت المشهد العربي، من خلال كوكبة من المبدعين والمثقفين والفنانين والسينمائيين ورسامي الكاريكاتير الذين جعلوا من فلسطين نسيجًا حيًا في بنية الثقافة العربية.

وأوضح أن قيمة فلسطين الثقافية لا تعود فقط إلى بعدها المقاوم أو الرمزي، بل إلى كونها نجحت في اقتراح آفاق جمالية جديدة، ومعاصرة، لم تكن مطروقة في التعبير العربي الحديث، ووصلت عبرها الثقافة العربية إلى أرفع لحظات الإبداع والتجديد.

واختتم بلقزيز كلمته بالإشارة إلى أن الأدب الفلسطيني نجح في تحويل القضية من شأن وطني أو عربي إلى قضية إنسانية كونية، وهو ما جعله يكرس نفسه كجزء من الأدب العالمي، قادر على مخاطبة الضمير الإنساني من خلال القوة الجمالية.