ما نايضاش!
ص
ص
- يمر اليوم أسبوع كامل على وقوف رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار في منبر الخطابة أمام البرلمان، ودفاعه عن الصفقة التي حصلت بموجبها شركاته على امتياز معالجة مياه البحر وبيعه لسكان جهة الدار البيضاء الكبرى ليشربوه.
- لم يحدث أي شيء استثنائي في “مُلك الله”. الحكومة تواصل عملها في ثبات ونبات، وأغلبيتها البرلمانية تدسّ رأسها الثلاثي في الرمال، ووحدها بعض الأصوات المعارضة، من حزب العدالة والتنمية. وحزب التقدم والاشتراكية… تقود حفلة “النديب” التي دخلها جزء من المغاربة.
لحسن الحظ أننا خرجنا لنندب بشكل جماعي. الكارثة كانت لتصبح أكبر لو أننا لم نقم بأي رد فعل رغم فداحة الواقعة. هذا يطمئننا على الأقل إلى أننا لم نطبّع كلّيا مع هذه الممارسات التي تحوّل الدولة إلى ضيعة صغيرة يتقاسمها سادة كبار.
المنطق المخزني العتيق عوّدنا على تجنّب التفاعل مع التحركات الشعبية أو الاستجابة لمطالبها ما لم تصل درجة معينة من التعبئة. لكن خطاب 16 دجنبر 2024 الذي ألقاه عزيز أخنوش أمام البرلمان لن يخلو من تأثير في مستقبلنا القريب. فالمهزلة لم تكن يوما بذلك الوضوح الذي ساهم أخنوش نفسه في صناعته…
“انتظر وراقب” كما يقول المثل الإنجليزي. - الفقيه للي ترجينا بركتو دخل الجامع ببلغتو. الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الاله ابن كيران، وفي الوقت الذي كان يحوز فيه كل الشرعية للاحتفاء ب”الخبطة” التي حققتها كتيبته الصغيرة، بعدما حوّلت موضوع صفقة تحلية مياه بحر الدار البيضاء، بتفاصيلها التي كانت كلها تقريبا من باب المعلوم والمنشور سلفا، إلى قضية رأي عام وفرصة للتحسيس بخطورة استباحة مناصب المسؤولية وجني الأرباح… قرّر أن يلقي بكلمة “يزلق فيها جمل”، حين هاجم، الزميل الصحافي خالد الفاتحي.
هذا الأخير حاور قبل أيام القيادي في حزب العدالة والتنمية ورئيس مجلسه الوطني، إدريس الأزمي، وأثارت المقابلة التي جرت في إطار برنامج “نبض العمق” الذي تقدمه الزميلة “العمق”، الكثير من التعليقات.
شخصيا لم أشاهد المقابلة بعد، والصحافي المحاور قد يكون وفّق كثيرا أو جزئيا أو لم يوفّق نهائيا، هذا كله طبيعي ومتوقع، كلنا نحاول ونجتهد وننجح بدرجات كما يحدث أن نفشل.
لكن العبارات التي اختارها ابن كيران لمهاجمة الفاتحي لا مبرر لها على الإطلاق.
النقاش العمومي يحتاج إلى قدر من الحدّة والتناقض والمبارزة حتى، لكنه لا يحتمل الإساءات والشخصنة والعنف وإن كان لفظيا، خاصة أنني شخصيا أعرف خالد وأعرف التزامه المهني والأخلاقي.
كل التضامن مع زميلنا، وإذا كان لابد من جرعة “قبلية” فإننا كصحافيين نقول: لن نسلمكم أخانا! - كثيرا ما تقع بعض الاختراقات النظرية بمناسبة أحداث تبدو هامشية، عملية الدهس التي قام بها مواطن سعودي في ألمانيا الأسبوع الماضي، مستعملا سيارته رباعية الدفع لصدم جموع غفيرة من المتسوقين في أحد الأسواق الخاصة بأعياد الميلاد، بعثرت الكثير من الأوراق وجعلت حتى بلاغات السلطات الألمانية في حيرة من أمرها حتى كتابة هذه السطور.
الرجل طبيب حاصل على حق اللجوء في ألمانيا ومعروف بمواقفه الجذرية ضد الإسلاميين والمتطرفين دينيا، لهذا عجزت الآلة الإعلامية والتواصلية الألمانية حتى الآن عن تصنيف العملية الإجرامية على أنها عمل إرهابي.
المنفّذ لم يكن ملتحيا ولا ملتزما دينيا، وبالتالي بقيت عبارة “الدوافع مجهولة” تتردد في البلاغات الرسمية التي تعلن ارتفاع حصيلة الضحايا من قتلى وجرحى.
يجري الآن البحث عن صلات مفترضة بين المنفذ واليمين المتطرّف الألماني. لابد من العثور عن خانة نظرية جاهزة لتأطير الحادثة، ولا مجال لوصف ما يجري انطلاقا من الوقائع التي تفيد أن العمل إرهابي، بصرف النظر عن جنسية وقناعات المنفّذ. - غير بعيد عن الشأن السعودي، الأخبار الواردة من الصحافة الإسرائيلية هذه الأيام تفيد بقرب الإعلان عن تطبيع للعلاقات بين الرياض وتل أبيب.
طوفان الأقصى جاء لأسباب كثيرة على رأسها منع حدوث هذا التطبيع على حساب الحقوق والمصالح الفلسطينية، وها هو ذا يوشك على الوقوع في ارتباط مباشر بالمصالح الفلسطينية.
المصادر الإسرائيلية، وعلى رأسها الصحيفة اليسارية هآرتس، تقول إن اتفاقية التطبيع تخضع للمسات الأخيرة، وإنها ستكون مرتبطة باتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يتضمن تبادلا للأسرى.
لم تتغيّر الأجندة كثيرا عما كان يفترض أن يحدث نهاية 2023. عملية تحضير واسعة تسبق وصول دونالد تدامب، أو عودته إلى البيت الأبيض، في محيطي إسرائيل القريب والبعيد.
في سوريا تتقاطر الوفود على دمشق للقاء “خليفتها” الجديد أحمد الشرع، بعدما التزم بعدم استهداف إسرائيل، وفي المغرب كشفت لنا صحف مكسيكية، كما يلفت انتباهنا هذا الصباح الزميل سليمان الريسوني في تغريدات فيسبوكية، أن مسؤولين مكسيكيين مشاركين في مؤتمر للأممية الاشتراكية تحتضنه بلادنا، التقوا بأقارب لأسرى إسرائيليين في قبضة المقاومة الفلسطينية..
عشنا وشفنا، وتحية للورود المغربية التي تشارك في هذا المؤتمر. - ختاما، ومع كل الدعاء والخشوع الذي يتطلّبه الأمر لطلب المغفرة من الله، فقد خصصت قرابة ساعتين من وقتي خلال يومي نهاية الأسبوع لمشاهدة فيلم “نايضة” لصاحبه (إنتاجا وإخراجا) سعيد الناصري، والموسوم بعنوان “نايضة”.
الحقيقة أن الفكرة الوحيدة التي تخرج منها من فترة التعذيب هذه التي تجبر فيها نفسك على إنفاق دقائق ثمينة لمشاهدة ما لا يستهويك ولا يمتعك، هي “ما نايضاش!”، عكس ما يريد عنوان الفيلم أن يوحي به.
من حق منتح ومخرج وفريق عمل هذا الفيلم أن يقترفه ويعرضه في القاعات والشاشات المتوسطة والصغيرة، لكن العيب كله في تحويل مثل هذا المحتوى إلى قضية رأي عام وإلهاء الخلق به وبتفاصيله وحيثياته وأبعاده التي لا يراها سوى ال”مساليين قبّهم”.
فيلم فقير فنيا وبصريا وكتابة، يتصدّر النقاشات لأكثر من أسبوع، لسبب واحد، هو وجود رغبة في ركن من أركان الدولة لإحكام القبضة على جميع أنواع الإنتاج الثقافي والفني والإعلامي، وكتم الأنفاس وتكميم الأفواه.
في عالم آخر تتوجه فيه السياسات العمومية، وتنفق الأموال العامة، للرقي بالذوق العام وتشجيع الإبداع ودعم المجتهدين والمحترفين والمختصين، كان “نايضة” سيجد طريقه كفيلم أقل من متواضع نحو القاعات والشاشات، ويحقق عائده المادي، ويذهب إلي حال سبيله دون ضجيج.