story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

ما لم يقله المصطفى الرميد..

ص ص

من أجل إنهاء حالة الصمت السياسي للقيادات

أخذت الوقت الكافي لمشاهدة الحوار الذي أجراه الأصدقاء في موقع “صوت المغرب” مع الأستاذ والأخ العزيز المصطفى الرميد، ولا أخفيكم أنني شاهدته بإمعان كبير ولأكثر من مرة، كما تابعت مختلف الردود التي تلته، سواء منها تلك التي أشادت بالأسلوب الأنيق والراقي الخالي من المس بالأشخاص، الذي عبر من خلاله الأستاذ الرميد عن رؤيته وأفكاره مثل ما هي عادته، متجنبا الدخول في التفاصيل، أو تلك التي أُعجبت ما اعتبرته متضمنا لكم هائل وربما غير مسبوق من المعلومات والمعطيات، التي لم يسبق أن وردت مرة واحدة وفي حوار واحد على لسان رجل سياسة يحكي فيها عن محطات ذات أبعاد أفقية وعمودية عايشها خلال مساره السياسي.. كما تابعت أيضا أسلوب الغمز واللمز والتعريض والاتهام الذي قابلت به قلة من الناس حوار الأستاذ الرميد، وقد تفاجأت أن أغلب هؤلاء للأسف من المحسوبين أو الذين يحسبون أنفسهم على حزب العدالة والتنمية، والحمد لله أن لا أحد منهم ينتمي للصف الأول لقيادات الحزب، ولا للصف الثاني ولا حتى الرابع، وهم بين مستنكر للحوار والخروج الاعلامي من أساسه، وبين مشكك فيما ورد فيه من أفكار وروايات، متهمين صاحبها وجازمين بعدم صحتها، وهي في الغالب الأعم تتعلق بأحداث لم يعايشوها ولا عاشوها، بل كانوا بعيدين عنها زمانا ومكانا.. حتى إن الاطلاع على بعض جارحِ الكلام وساقطه يجعل المرء يتساءل كيف يجتمع هؤلاء في هيئات واحدة واجتماعات جامعة، مع كثير من النزهاء رفيعي الأخلاق من أعضاء وقيادات الحزب، بل كيف أصبح الحزب وهو إلى عهد قريب يَعتبر رأس ماله الذي لا يفرط فيه، هو أخلاق أعضائه ونظافة أيديهم، كيف أصبح يقبل بوجود أمثال هؤلاء في صفوفه، بل لم يعد يوجد كما في السابق من ينهاهم، ويصدر البلاغات التي توجههم وتمنعهم من الحديث في الذمم والأعراض، بله أن يسائلهم. بل ربما أصبح هناك من يفرح ويشجع قبيح فِعالهم..

أعود إلى حوار الأستاذ الرميد والذي من وجهة نظري، وعلى أهميته وأهمية ما ورد فيه من معطيات ومعلومات وقراءات، طغت عليه كثير من التلميحات والاشارات، نتيجة واجب التحفظ الذي ألزم به الأستاذ الرميد نفسه، وأيضا نتيجة تحريه عدم المساس بالاعتبار الواجب للأشخاص والمؤسسات، ولعل تلك التلميحات والاشارات هي التي جعلت كثير من المحطات المفصلية التي عرفها المسار السياسي لحزب العدالة والتنمية بقيت تحتاج توضيحات أكثر، كما أن بعض وقائعها مازالت في طي الكتمان عند بعض من قياديي الحزب الذين لزموا بيوتهم، وألزموا أنفسهم حالة من الصمت السياسي..

أجزم أن ما لم يقله الأستاذ الرميد كثير جدا بل أكثر بكثير مما قاله، وأن ما سكت عنه يشكل أضعاف ما توقف عنده، وهو ما جعل أهم ما حققه حواره الأخير، في نظري، هو ترسيخ الاقتناع بضرورة خروج القيادات الحزبية والسياسية للحديث للناس وعرض وجهات نظرهم، وقراءاتهم للتاريخ السياسي للحركة الاسلامية، ولتاريخ حزب العدالة والتنمية، وما عرفه مساره خلال ثلاثين سنة الأخيرة من أحداث ووقائع..

لقد أصبحت الحاجة ملحة لأنهاء حالة الصمت السياسي التي ألزم بها كثيرون أنفسهم، خاصة وأن بعضهم يتعرضون لكثير من اللمز والغمز والاتهام، ويقابلونه بكثير من الإعراض والتغاضي، بل نجدهم نائين بأنفسهم عن الرد والتوضيح، حتى ظُنَّ أن لا قراءة للتاريخ إلا واحدة، وأن لا رأي إلا واحدا.. لكن خرجة الأستاذ الرميد، وعلى محدودية ما ورد فيها مقارنة بما لديه من معطيات، وذلك بسبب ما ألزم به نفسه كما أشرت إلى ذلك آنفا، فتح الباب لتطلعاتنا علّنا نسمع قراءات أخرى وآراء جديدة، نعرف أنها موجودة لكنها لم تخرج بعد للعلن..

من جهة أخرى يبقى من أهم ما قاله الأستاذ الرميد وهو يتحدث عما أسماه لقاء صعبا تلا تعيين الأستاذ عبد الاله بنكيران من قبل جلالة الملك، رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة في أكتوبر 2016، داعيا إياه إلى ترتيب الخلاصات اللازمة، وأنا أسمع قوله عادت بي الذاكرة إلى ذلك الاجتماع وأنا أنظر إلى ملامح كل من الأستاذ عبد الإله بنيكران والأستاذ المصطفى الرميد قادمين إلى لقاء الامانة العامة مباشرة من القصر الملكي، وما بدى عليهما من قليل فرح او انعدامه، والسؤال الأول الذي تبادر إلى ذهني حينها قبل إِطلاعِنا على السبب، هو كيف لفائز بالانتخابات، ظافر بتعيين ملكي، يطرح للمناقشة فكرة جدوى وجود العدالة والتنمية وجدوى استمراره في الحياة السياسية مادامت قيادته قوبلت بكثير لوم..
والحقيقة في تقديري أن الذي كان يجب أن يرتب الخلاصات ليس هو الأستاذ عبد الإله بنكيران وحده، وإن كان هو أولا، لكن كان أيضا على الأستاذ الرميد ترتيب الخلاصات لما كان له من دور خصوصا بعد الرحيل المفاجئ والمفجع للأستاذ عبد الله بها والذي كاد يحتل مكانه في المشورة والرأي، كما كان على قيادات العدالة والتنمية جميعهم، وعلى شركائه أيضا ترتيب الخلاصات..
ولعل الفرصة كانت سانحة من أجل الاستمرار في تطوير فكرة برزت خفية خلال نفس الاجتماع، ما لبثت أن وردت صريحة على لسان الاستاذ عبد الاله بنكيران خلال الاجتماع الذي تلى قرار الاعفاء الملكي، لكنها سرعان ما توارت وخفتت، مفادها أن توليفة الإصلاح في ظل الاستقرار التي صاغ عنوانها المرحوم عبد الله بها، والتي تتلخص في التوليف بين المساهمة في القيام بالاصلاحات اللازمة، من باب المشاركة السياسية سواء من موقع المعارضة أو الحكومة، بما يُبقي للحزب والتيار شعبيته، على أن يكون ذلك بتوافق وتواز مع بناء الثقة مع مؤسسات الدولة، معتبرا أن تلك التوليفة قد وصلت إلى الباب المسدود يوم الإعفاء، وأنه وجب إجراء تقييم لعقدين من المشاركة السياسية للاسلاميين بالمغرب، والوقوف عند النجاحات والاخفاقات، وإجراء المراجعات اللازمة.. إلا أن هذا النقاش وتلك الفكرة الفكرة بقيا حبيسا ذلك الاجتماع، وبعض الاجتماعات المغلقة هنا وهناك، ولم يتم ترسيمهما، ولا مأسستهما..

ختاما، أظن أن عدم قدرة الحزب على إجراء قراءة جماعية لمساره السياسي، بما يقتضي ذلك من تقييم جماعي ومؤسساتي، يجعل على عاتق كل شاهد على هذه التجربة، وخاصة من القيادات التاريخية والرموز المعتبرة والتي هي في وضعية أقرب إلى الإبعاد من المشاركة في القرار الحزبي، يجعل على كل هؤلاء مسؤولية تقديم شهاداتهم وروايتهم، حتى تتعدد زوايا الرؤيا، وتتنوع وجهات النظر، وتكثر القراءات بما يسهم في استجماع زوايا النظر والاقتراب ما أمكن إلى التناول الموضوعي والمتعدد لتجربة إصلاحية وسياسية استثنائية عاشها المغرب المعاصر، وهذه أمانة العدالة والتنمية وجب على كل مساهم فيها أن يؤديها للأجيال القادمة ليُبنى الإصلاح على أكبر قدر من الحقائق لا على كثير من الانطباعات..