“ما راءٍ كمن سمع”.. 67 عاماً على الزلزال الأكثر فتكاً بتاريخ المغرب

بعد لمّة عائلية دافئة حول مائدة الإفطار وأداء صلاة العشاء، انصرفت الأسرة إلى النوم باكراً بنيّة الاستيقاظ قبل فجر اليوم الموالي لتناول وجبة السحور. لكن عند منتصف الليل، حدث ما لم تكن تنتظره أو تتوقع أنه سيصبح بعد سنوات ذكرى مأساوية يستحضرها المغاربة بألم.
في ليلة الثلاثاء 3 رمضان 1379 هـ، الموافق لـ 29 فبراير 1960، هز مدينة أكادير زلزال مدمر يُعد الأكثر فتكاً في تاريخ المغرب، إذ بلغت شدته 5.7 درجات على سلم ريختر، مخلفاً حوالي 15 ألف قتيل، أي ثلث سكان المدينة تقريبا حينها، فضلاً عن إصابة 12 ألفاً آخرين، فيما ترك ما لا يقل عن 35 ألف شخص دون مأوى.
يحكي كتاب المعسول للمؤرخ محمد المختار السوسي عن المأساة، حيث جاء فيه “بدأت الرجة يوم الإثنين قبل رمضان بستة أيام، وكانت خفيفة، ثم عادت يوم الإثنين ثاني رمضان نهاراً، وهي كذلك خفيفة، وفي ليلة الثلاثاء ثالث رمضان حوالى الساعة 12 انفجر الزلزال، وجعل عالي أكادير سافله”.
ويصف حال المدينة بعد الزلزال بالقول “بينما كان أكادير في مساء يوم الإثنين ثاني رمضان زاهياً لاهياً رافلاً في حلل البهاء، فإذا به أصبح يوم الثلاثاء ثالث رمضان خراباً مغبراً، لا منظر ولا ماء ولا نور”.
وقال إنه أينما مر الإنسان، في ذلك اليوم “يسمع أنات وأهات تحت الأنقاض ولا من يغيث، فهذه صورة أكادير إجمالياً وما راءٍ كمن سمع”.
أدت الهزة، في غضون 15 ثانية، إلى دمار كبير أتى على ثلاثة أرباع المدينة، خاصة في أحياء فونتي، والقصبة، وتالبورجت، والمدينة الجديدة والواجهة البحرية، وإحشاش، التي شهدت دفن الآلاف من المواطنين تحت الأنقاض. ووصف أحد الناجين هول الكارثة قائلاً: لقد سُحبت الأرض من تحتنا.
عجزت السلطات المحلية في أكادير عن الاطلاع بدور سريع وفعال في عملية الإنقاذ، إذ أن الخطوط الهاتفية كانت مقطوعة، فيما كان عامل الإقليم محمد البوعمراني منشغلاً بالضحايا في صفوف عائلته، كما أصيبت الثكنة العسكرية المغربية بفونتي بالدمار، ما شل قدرات القوات المسلحة الملكية وأيضاً عناصر الدرك الملكي.
وليس ببعيد عن موقع الزلزال، كانت تقع هناك آخر قاعدة عسكرية فرنسية متبقية تضم قوات بحرية وجوية، إذ شعر البحارة والمشاة البحريون في القاعدة بالهزة الأرضية، فأرسلوا فرق الإنقاذ بالشاحنات إلى المدينة في غضون ساعة واحدة.
وتبعهم إلى موقع الكارثة بعد وقت قصير الجنود المغاربة وطلائع الإنقاذ من مدن الدار البيضاء والرباط والصويرة وآسفي وتارودانت. وأيضاً الجنود الفرنسيون القادمون من قواعد عسكرية أخرى قريبة.
كما أسهمت سفن الصيد الإسبانية الراسية في ميناء أكادير، بإرسال أول الأخبار عن الكارثة إلى العالم الخارجي عبر أجهزة الراديو الخاصة، وفي اليوم التالي الذي وصل فيه الملك محمد الخامس إلى عين المكان لتفقد حجم الكارثة، بدأت الجسور الجوية بنقل فرق الإنقاذ والإمدادات الطارئة من القواعد الأمريكية في المغرب وألمانيا.
كما نظمت القوات العسكرية الإسبانية عمليات نقل جوي خاصة بها، حيث أرسلت جنوداً وإمدادات إضافية.
وانتهت جهود الإنقاذ الرئيسية، يوم الجمعة 4 مارس 1960، أي بعد أربعة أيام من الكارثة، ليتم التركيز على إجراءات صارمة للتطهير ومنع انتشار الأمراض. ومع ذلك، تم العثور على بعض الناجين أحياء بعد أن ظلوا مدفونين تحت الأنقاض لمدة عشرة أيام.
في صباح اليوم التالي للزلزال، حل الملك محمد الخامس بأكادير للوقوف على حجم الكارثة، وكلف ولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن (الملك الحسن الثاني) قائد أركان القوات المسلحة الملكية بقيادة عمليات الإنقاذ.
كما تم إخلاء المدينة بعد يومين من الزلزال من أجل تجنب انتشار الأوبئة. ليتقرر بسرعة تشييد مدينة جديدة على بعد 2 كيلومتر إلى الجنوب من الموقع الأصلي، للحد من المخاطر الزلزالية، وذلك بطلب من الملك محمد الخامس الذي كان قد حل، يوم الأحد 06 مارس، مجدداً بأكادير مصحوباً بأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في الرباط.
وزار مخيمات المنكوبين، ليعلن عزمه إعادة بناء المدينة، قائلاً “لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فإن بنائها موكول إلى إرادتنا وعزيمتنا”.
وتم وضع حجر الأساس لأكادير الجديدة أو ما سُمّي “مدينة الانبعاث”، في 30 يونيو 1960 وأعيد بناء المدينة وتطويرها مع الحفاظ على مينائها وهويتها البحرية والسياحية، حيث تم إنشاء مركز مدينة جديد مع طرق واسعة ومجهزة بالمتاجر والخدمات والبنى التحتية الفندقية الحديثة.