story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

ما خطة “ستافان” المستورة؟

ص ص

اشتعلت الجبهة الأممية في ملف الصحراء فجأة، وانتهى شهر العسل الذي جمعنا بالمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، الإيطالي ستيفان دي ميستورا، بعد قيام هذا الأخير بزيارة رسمية بصفته الأممية إلى عاصمة جنوب افريقيا، بريتوويا.
ورغم الموقف الصريح الذي تعبر عنه هذه الأخيرة ضد المغرب، يحفزها فيه نجاحها الذي أبهر العالم في جر إسرائيل إلى قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية، إلا أن جوهر الأزمة الجديدة يكمن في توتر العلاقة بين المغرب والأمم المتحدة، ما يعيد إلي الأذهان الأزمة التي خلفتها تصريحات الأمين العام السابق، الكوري بان كي مون، وقبله وبعده أزمتانا مع المبعوثين الأمريكيين، جيمس بيكر وكريستوفر روس.
الدبلوماسية المغربية لم تتأخر في التعبير عن غضبها من زيارة دي مستورا لبريتوريا، عبر الممثل الدائم للمغرب في نيويورك، عمر هلال، والسبب المعلن هو الاعتراض القاطع على تمكين جنوب إفريقيا من لعب أي دور في ملف الوحدة الترابية للمغرب، والتلويح عبر أصوات إعلامية مقربة برفع الفيتو في وجه دي مستورا لكونه خالف الصلاحيات التي تخولها له الولاية الممنوحة له من طرف الأمين العام للأمم المتحدة.
ولأن الموضوع يثير الكثير من العواطف ويسيل مداد التعليق أكثر مما يتيحه من معطيات، لنعد تركيب القصة باختصار شديد:
بدأت الحكاية يوم الثلاثاء الماضي بمبادرة الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، دون سبب واضح، إلى الإعلان خلال ندوته الصحافية اليومية، أن ستيفان دي مستورا في طريقه إلى جنوب إفريقيا بدعوة من حكومة هذه الأخيرة.
في اليوم الموالي، حدث تطوران: الأول هو استقبال وزيرة الخارجية في حكومة جنوب أفريقيا للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي مستورا، وخروجها منه بتصريحات مريبة أخطر ما فيها هو حديثها عن “اقتراحات” قدمها المبعوث الأممي وقالت أنها تحتاج إلى الوقت لاتخاذ الموقف منها.
أما الحدث الثاني فهو استقبال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية لجنوب أفريقيا ممثل جبهة البوليساريو الدائم في بريتوريا محمد يسلم بيسط، من خلال سفارتها المفتوحة في بلاد مانديلا منذ عشرين عاما. ولا يحتاج الأمر أية عبقرية خاصة أو حتى استسفار المصادر للربط بين استقبال دي مستورا والمسارعة للاتصال بممثل البوليساريو لدى جنوب أفريقيا.
السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، خرج في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء ليقدم توضيحات ثمينة تساعد على فهم ما جرى. هلال كشف أن المغرب علم قبل أسابيع ب”مشروع” الزيارة، وأنه عبر رسميا للأمم المتحدة ومبعوثها الشخصي إلى الصحراء عن رفضه القاطع للمبادرة وعدم قبوله بأي دور لجنوب أفريقيا في الملف. وهنا نفهم لماذا بادرت الأمم المتحدة إلى الإعلان عن الزيارة، أي توريط المغرب في العلم المسبق وبالتالي القبول بها.
موقف مغربي مشروع ومبرر كليا، بما أن بريتوريا تصطف بوضوح إلى جانب الطرح الانفصالي وبالتالي لن يكون دورها إلا مضرّا بمصالح المغرب. وتسلح هلال في موقفه هذا برسالة تعيين دي مستورا التي قال إنها حصرت مهمته في التنسيق مع الأطراف الأربعة المعنية بالنزاع، وهي إلى جانب كل من المغرب والبوليساريو، الدولتان المجاورتان: الجزائر وموريتانيا.
يظل الغموض قائما رغم ذلك، والسؤال المطروح: لماذا ينتفض المغرب بهذه القوة ويصطدم بمنظمة الأمم المتحدة بما أن الملف في النهاية هو بين أيدي مجلس الأمن الدولي، وتأثير جنوب أفريقيا محدود جدا في هذا الإطار، وقد أمضت مؤخرا سنتين كاملتين كعضو غير دائم في المجلس ولم تغيّر في المعادلة شيئا؟
ألم يحسم المغرب معركته ضد جنوب أفريقيا في مجال تأثيرها الأساسي، أي القارة السمراء، حين كبّلها في قمة نواكشوط لمنظمة الاتحاد الأفريقي، صيف 2018، واستصدر قرارا يقيّد يد المنظمة القارية ويحصر اختصاص متابعة ملف الصحراء إلى جانب الأمم المتحدة في “ترويكا” تضم كلا من رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي ورئيسيه السابق والحالي؟
ألم نربح معركة القمم المتعلقة بملف الصحراء حين عجزت بريتوريا عن مقارعة اجتماعات مراكش و”ميدايز” من حيث عدد الدول التي تستجيب لدعواته، وبالتالي أغلقنا عليها الباب للقيام بأي دور مؤثر في النزاع؟
يبدو أن المشكلة لا تكمن في بريتوريا وما يمكن أن تقوم به في ملف وحدتنا الترابية، بل إن جوهرها مع المبعوث الأمم نفسه، الذي بات مؤكدا الآن أنه يقوم ب”طبخ” مبادرة جديدة لمقترح تسوية يعتزم وضعه فوق الطاولة. مقترح تقول التسريبات المتوفرة إنه ينطلق من مقترح الحكم الذاتي المغربي، لكنه يتجاوزه بشكل يرمي إلى إقناع البوليساريو به وحملها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات على أساسه.
التسريبات نفسها تقول إن دي مستورا كشف ضمنيا عن هذا الطموح حين طالب في مراحل سابقة من المغرب تمكينه من تفاصيل عملية حول كيفية تطبيق الحكم الذاتي في الصحراء، وهو ما اعتبرته الرباط سابقا لأوانه، لكون هذا النقاش ينبغي أن يتم حول طاولة المفاوضات وبعد القبول بالمقترح المغربي كأساس للحل.
يبدو أن دي مستورا وهو يمضي في مسعاه لإنتاج مقترح تسوية جديد، يبحث عن قناة للضغط على البوليساريو والجزائر للقبول بمقترحه المنتظر، كإطار للتفاوض. وهنا يبرز سؤال جديد: إذا كان دي مستورا يطلب دعم بريتوريا لإقناع البوليساريو بما لا تقبله حاليا، لماذا غضبت الدبلوماسية المغربية إلى هذا الحد؟
الجواب الوحيد الممكن هو ارتياب المغرب من التفاصيل والإضافات التي يستعد دي مستورا لطرحها ضمن مقترحه الجديد. الدبلوماسي الإيطالي ينطلق من المقترح المغربي كتنازل قائم من جانب المغرب، ليطالب بتنازلات جديدة، وهو ما يعيد إلى الأذهان قصة مقترح بيكر الشهير الذي سعى إلى استدراج المغرب نحو سيادة شبه صورية على الصحراء.