ما الجدوى من هذه البطولة؟
بعد أكثر من عقد من التبشير بعهد جديد لكرة القدم الوطنية وثورة في الممارسة الكروية و” الحداݣة ” في وصف دوري الدرجة الأولى والثانية ب ” البطولة الإحترافية ” وباقي التسميات الرنانة، و بعد إغراق الأندية الوطنية بملايير الدراهم من الدعم المقتطع من المال العمومي، حتى وصلت الميزانيات إلى أرقام فلكية، و أيضا بعد أن ظهرت النعمة على الأجراء المشتغلين في هذا ” الإحتراف ” من تقنيين و إداريين ووسطاء ومن تبعهم ب ” هميزات” إلى يوم الدين .. دعونا نستعرض بعض النتائج و الحصيلة التي أنتجتها هذه “الثورة” الكروية ..
جل الأندية تشتكي من ضائقة مالية و لاعبوها بين الفينة و الأخرى يضربون عن التداريب مطالبين بتسديد رواتبهم ومنحهم العالقة.
جل الأندية تصدر ضدها قرارات المنع من التعاقدات الجديدة حتى تسوي ديونها مع لاعبيها ومدربيها السابقين الذين يرفعون شكاواهم إلى الفيفا و دعاواهم إلى المحاكم.
جل الأندية بما في ذلك المعروفة تاريخيا بتفريخ “الكوايرية” لم تستطع تأسيس سياسة تكوين حديثة أو إنشاء أكاديميات للفئات الصغرى.
جل الأندية تغير مدربيها كما يغير رؤساؤها جواربهم عند أول احتجاج للجمهور على نتائج فرقهم.
اتهامات و توقيفات بسبب الفساد و التلاعب بنتائج مباريات تنقل على الهواء مباشرة إلى العالم.
مشاكل واحتجاجات لا تنتهي حول البرمجة و التحكيم و قرارات لجان التأديب.
رتابة في المباريات و مستوى تقني ضعيف جدا يقترب من مستوى دوريات الأحياء.
مقابل هذا الحضيض المهدِر للمال والوقت بدون جدوى أو نتيجة، تركت جامعة فوزي لقجع جَمَل الأندية بما حمل وذهبت لإيلاء العناية بالمنتخبات الوطنية التي بمقدورها أن “تزوق” وجه الوطن في المناسبات القارية و العالمية وتجذب اهتمام الجماهير بكل فئاتهم وتصنع مظاهر الفرح العام في فترة الأزمات الإجتماعية، و هكذا أصبحنا مؤخرا أمام حالة سوريالية لكرة وطنية انقسمت إلى وجهين متناقضين .. وجه لامع متألق واحترافي يحظى بالعناية الفائقة ماليا ولوجيستيكيا وبشريا (باستقطاب نجوم مغاربة العالم)، و يحقق الإنجازات و يرفع الراية الوطنية و يروج لإسم البلاد أمام العالم .. ووجه آخر بشع و غارق في الهواية والبؤس والفساد و” الدبيز” و المشاكل التي لا تنتهي بالإضافة إلى الضعف التقني على جميع المستويات.
الطبيعي لدى جل بلدان العالم كرويا هو أن تكون المنتخبات الوطنية هي قشدة الممارسة الكروية داخل البلاد، و أيضا هي مقياس تطور الأندية في تنزيل أسس الإحتراف و سياستها في تكوين اللاعبين ذوي الجودة العالية القادرين على اللعب في المستويات العالية عالميا، إلا نحن في هذه البلاد السعيدة لا علاقة للأولى بالثانية و كأنها لا يمثلان بلدا واحدا.
فإذا كانت منتخباتنا الوطنية تتشكل في مطلق عناصرها من مغاربة صنعتهم أكاديميات الأندية الأوربية، و أنديتنا منذ سنوات طويلة عاجزة عن صناعة لاعب واحد يذهب رأسا من الوداد والرجاء والجيش والماص وبركان، ليأخذ مكانه في التشكيلة الأساسية للمنتخب الوطني كما كان يحدث في الأزمنة الغابرة .. فما الجدوى إذن من هذه الأندية و من هذه البطولة أيضا، ومن كل هذا الهدر السافر في المال و الوقت.