story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

ماموح عبد الحفيظ: يصعب وصف الدولة المغربية بكونها دولة اجتماعية

ص ص

اعتبر مامون عبد الحفيظ أن تقييما أوليا واستشرافيا لمسار تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية، بين أن الحكومة ستواجه تحديات كثيرة يتعين استحضارها، ولا سيما ما يتعلق بتحدي التمويل، المرتبط بدوره بتحدي الاستمرارية في الانخراط وأداء الاشتراكات الشهرية من طرف مختلف الفئات غير المشمولة بالإعفاء، لكون منظومة الضمان الاجتماعي قائمة أساسا على التضامن.

وأضاف أستاذ السياسات الاجتماعية بجامعة محمد الخامس، في حوار مع مجلة “لسان المغرب” أن مسألة التمويل أهم تحد لنجاح مشروع الحماية الاجتماعية، ذلك أن الرهان على اشتراكات المواطنين وكذا الرهان على تحويل ميزانية صندوق المقاصة، قد يصطدم بتعقيدات واقعية صعبة، مؤكدا أنه يصعب، على المدى القريب، الحديث عن نجاح الدولة في تعميم الحماية الاجتماعية على جميع المواطنين وبكل مستوياتها التي حددها قانون الإطار المشار اليه. وذلك راجع الى إشكالية التمويل.

س: كيف يمكن تقيم مسار تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية؟

ج: في الحقيقة يصعب الآن على أي باحث متتبع لسياسة الحماية الاجتماعية أن يضع تقييما شاملا لهذه السياسة، لكون الفترة الزمنية لتنفيذ هذا المشروع لم تنتهي بعد، والمحددة من سنة 2021 الى غاية نهاية سنة 2026، كما هو واضح في قانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية وفي البرنامج الحكومي.

لكن يمكن الحديث عن تقييم أولي واستشرافي لهذه السياسية، من منطلق ما تم إنجازه لحد الآن ومن خلال استحضار التحديات والشروط الموضوعية المطلوبة لنجاحه.

فأولا على مستوى الحيز الزمني أعتقد أنه ضيق جدا، فلا أعتقد أن الحكومة ستستطيع تنفيذ كل الالتزامات الواردة في قانون الإطار وفي البرنامج الحكومي. ذلك أن السياسة الجديدة للحماية الاجتماعية تتميز بالشمول والتعميم. الشمول من من حيث المجالات التي تشملها (التغطية الصحية الإجبارية، الدعم الاجتماعي المادي المباشر للأسر والاطفال، التقاعد، التعويض عن البطالة)، والتعميم من حيث استفادة كل الفئات الاجتماعية من الحماية الاجتماعية، كلا حسب وضعيتها المادية.

مثال ذلك تعميم التغطية الصحية الإجبارية على جميع الفئات الاجتماعية، والتمييز بين الفئات القادرة على الاشتراك والفئات المعفية منه. بناء على مؤشر الأسرة في السجل الاجتماعي الموحد.

س: لكن هناك تحديات تواجه هذا المشروع؟

ج: بالفعل هناك تحديات كثيرة يتعين استحضارها من طرف الحكومة، ولا سيما ما يتعلق بتحدي التمويل، المرتبط بدوره بتحدي الاستمرارية في الانخراط وأداء الاشتراكات الشهرية من طرف مختلف الفئات غير المشمولة بالإعفاء، لكون منظومة الضمان الاجتماعي قائمة أساسا على التضامن.

فالقانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية رقم 21-09، الصادر في أبريل سنة 2021، حدد اليتين للتمويل، وهما:

  • آلية قائمة على الاشتراك بالنسبة للأشخاص القادرين على المساهمة في تمويل هذه الحماية الاجتماعية؛
  • آلية قائمة على التضامن لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك.
    وقد شددت القوانين الأخرى المتعلقة بالتأمين الصحي، على مبدأ الإجبارية في الانخراط والأداء.

وإضافة الى اشتراكات المنخرطين، بمختلف فئاتهم، تبقى الدولة هي المساهم الرئيسي في تمويل الحماية الاجتماعية باعتماد مصارد متنوعة، منها: العائدات الضريبية المخصصة لتمويل الحماية الاجتماعية؛ والموارد المتأتية من إصلاح نظام المقاصة؛ والهبات والوصايا، إضافة الى جميع الموارد الأخرى التي يمكن أن ترصد بموجب نصوص تشريعية وتنظيمية خاصة.

وتعتبر مسألة التمويل أهم تحد لنجاح مشروع الحماية الاجتماعية، ذلك أن الرهان على اشتراكات المواطنين وكذا الرهان على تحويل ميزانية صندوق المقاصة، قد يصطدم بتعقيدات واقعية صعبة.

الرهان الأول يفترض الاقبال التلقائي للمواطنين المزاولين عملا حرا، على الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي وأداء واجب الاشتراك، المتفاوت حسب الفئات المهنية، كما حددته النصوص التنظيمية.

أما الرهان الثاني المرتبط بإلغاء صندوق المقاصة وتحويل الميزانية المخصصة له لتمويل الحماية الاجتماعية، ولا سيما تقديم الدعم المباشر للفئات الاجتماعية الهشة، الذي يعتبر جزء من منظومة الحماية الاجتماعية الشاملة؛ فهوو أيضا يصعب تنفيذه في المنظور القريب…

س: لماذا برأيك؟

ج: لاعتباريين رئيسين: الأول مرتبط بالتخوف من ارتفاع أسعار المواد المدعمة (الدقيق والسكر والبوطان)، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على القدرة الشرائية لعموم المواطنين وقد يؤثر سلبا على السلم الاجتماعي؛ والثاني متعلق بصعوبة إحصاء الفئات الاجتماعية المستحقة للدعم المادي المباشر، وذلك بناء على السجل الاجتماعي الموحد، الذي يهدف الى تحديد عدد الأسر الفقيرة التي ينبغي دعمها بمبلغ مالي شهري.

أعتقد أنه يصعب، على المدى القريب، الحديث عن نجاح الدولة في تعميم الحماية الاجتماعية على جميع المواطنين وبكل مستوياتها التي حددها قانون الإطار المشار اليه. وذلك راجع الى إشكالية التمويل.

س: إلى أي حد يستحضر البعد المجالي ويتصف بالشمول والادماج لكل الفئات الاجتماعية؟

ج: يمكن القول إن السياسة العمومية الجديدة للحماية الاجتماعية استحضرت البعد المجالي على مستوى آلية تحديد الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للأسر، وهي آلية “السجل الاجتماعي الموحد”، التي وضعت معايير مختلفة لتحديد الوضعية الاجتماعية بين الوسط الحضري والوسط القروي، كما حددت الجهات الأكثر هشاشة وفقرا.

كما يمكن للجماعات الترابية، وضع سياسات اجتماعية محلية، وتوفير خدمات اجتماعية مجانية للأسر، كخدمة النقل المدرسي مثلا.

س: هل مشروع الحماية الاجتماعية، كما تطبقه الحكومة، يكمل ويعزز رهان العدالة الاجتماعية أم منفصل عنه؟

ج: قبل التفاعل المباشر مع السؤال، أود أن أشير الى فكرة مهمة مرتبطة بالموضوع، وهي أن الحديث عن الحماية الاجتماعية في المغرب، غير مرتبط بالحكومة الحالية فقط. ذلك أن الدولة منذ حصولها على الاستقلال كانت تتوفر على سياسة عمومية متعلقة بالحماية الاجتماعية، غير أن تلك السياسة لم تكن مكتملة وشاملة، بل كانت تهتم بتوفير هذه الحماية لفئات اجتماعية محددة وهي أساسا فئة الموظفين وفئة الأجراء في القطاع الخاص، سواء في الشق المتعلق بالضمان الاجتماعي أو في الشق المتعلق ببعض الخدمات الاجتماعية التي توفرها مؤسسات الاعمال الاجتماعية.

ولم يكن عموم المواطنين يستفيدون من الضمان الاجتماعي أو من برامج الدعم الاجتماعي، باستثناء فئات قليلة من ذوي الاحتياجات الخاصة أو بعض البرامج الاستثنائية كبرنامج راميد أو برنامج تيسير أو منحة الارامل، أو بعض برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية… غير أن التوجه الجديد للدولة، هو وضع سياسة عمومية جديدة في مجال الحماية الاجتماعية، تتميز بالشمول والتعميم والتوحيد والالتقائية.

أي أننا أمام محاولة لوضع منظومة شاملة للحماية الاجتماعية، كما هو منصوص عليه في المرجعيات الحقوقية الدولية، ولا سيما الاتفاقية 102 بشأن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي، الصادرة عن منظمة العمل الدولية، وكما هو متعارف عليه في التجارب المقارنة. حماية اجتماعية تتكون من شقين: الضمان الاجتماعي (الحماية من مخاطر المرض والشيخوخة والبطالة)، وبرامج الدعم الاجتماعي المباشر للفئات الهشة والفقيرة.

أما المبدأ الجديد الثاني المتعلق بالتعميم، فيعني تعميم الضمان الاجتماعي على جميع المواطنين بدون استثناء بغض النظر عن وضعهم المهني والمادي، لكن مع إلزامية الاشتراك للفئات الاجتماعية القادرة على الأداء.

ويهدف المبدأ الثالث إلى توحيد جميع البرامج السابقة في سياسة واحد ومنسجمة ضمانا لالتقائيتها. هذه السياسة العمومية الجديدة انطلقت، مع خطاب العرش لسنة 2018 الذي أعلن فيه الملك عن “انطلاق إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية وتعميمها”؛ ثم ترجمت هذه السياسة الجديدة في القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية الصادر في أبريل 2021، وفي نصوص تطبيقية أخرى.

بالنسبة للحكومة الحالية، فقد ضمنت هذه السياسة الجديدة ضمن برنامجها الحكومي، لا سيما في المحور الأول المعنون بـ”تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية”، وفي الهدف المتعلق بــــ “تعميم الحماية الاجتماعية مدى الحياة”، حيث التزمت الحكومة بالقيام بالإجراءات التالية:

  • تعميم الحماية الاجتماعية: من خلال تمكين جميع المواطنين العاملين من الحماية الاجتماعية، وتعميم التغطية الصحية لغير النشيطين؛
  • إحداث الدخل الاجتماعي لتماسك وكرامة الأسر المغربية: من خلال إحداث “مدخول الكرامة لفائدة المسنين”، حيث ستمنح الدولة دعما شهريا ابتداء من سنة 2022 مقدرا بمبلغ 400 درهم، على ان يصل بحلول سنة 2026 الى مبلغ 1000 درهم، لفائدة الأشخاص المسنين الذين يتجاوز عمرهم 65 سنة والذين لا دخل لهم؛ تقديم تعويضات اجتماعية للأسر المعوزة، على شكل تعويضات شهرية مباشرة تقدر ب 300 درهم لكل طفل في حدود 3 أطفال، ومنحة الولادة بمبلغ 2000 درهم؛ دعم الأشخاص من وضعية الإعاقة عبر برامج مختلفة.
  • رعاية صحية جيدة لصون كرامة المواطن: من خلال إصلاح شامل لمنظومة الصحة سواء العمومية أو الخصوصية.
    وأعتقد أنه يصعب على أي باحث متخصص أن يصف طبيعة الدولة في المغرب بكونها دولة اجتماعية، بالرغم من توفرها، كأي دولة، على سياسات اجتماعية. فالدولة الاجتماعية هي رهان مستقبلي بعيد المدى، قائمة على محددات معروفة. ولكن يمكن القول إن نجاح الدولة في تعميم الحماية الاجتماعية بشموليتها، على الجميع المواطنين، سيشكل لبنة مهمة ومنطلقا متينا لتأسيس دولة اجتماعية في المغرب.

س: يلاحظ أنه تزامنا مع تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية، تتزايد الاحتجاجات الفئوية والاجتماعية، إلى أي حد يساهم هذا المشروع في تحقيق السلم الاجتماعي؟

ج: أعتقد ان الاحتجاجات الاجتماعية أصبحت ظاهرة ثابتة في المغرب في العقود الاخيرة وغير مرتبطة بالحكومة الحالية فقط. فقد شهد المغرب احتجاجات اجتماعية كثيرة في السنوات الأخيرة، إما مجالية وجهوية (سيدي افني، الحسيمة، جرادة، طنجة،… ) أو فئوية (حملة الشهادات، الاساتذة، الممرضون… ) أو احتجاجات افتراضية تجسدت على أرض الواقع في مقاطعة منتجات بعض الشركات.

ويتوقع أن تتصاعد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية في السنوات المقبلة نتيجة النمو الديمغرافي ونتيجة البطالة والتضخم وتراجع القدرة الشرائية لمختلف الطبقات الاجتماعية وتراجع الخدمات الاجتماعية العمومية، ونتيجة ما تحققه وسائل التواصل الاجتماعي من التواصل بين مختلف الفئات الاجتماعية وبين مختلف المناطق والجهات.

ولعل من أهم رهانات نظام الدعم الاجتماعي المباشر، كشق أساسي في منظومة الحماية الاجتماعية، هي التخفيف من آثار التضخم واستباق أي رد فعل اجتماعي احتجاجي.