ماكرون يختم على اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء.. محلل: الزيارة كانت ناجحة
اختتم اليوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة الدولة التي قام بها للمملكة المغربية على رأس وفد هام ضم 122 شخصية تمثل مختلف القطاعات الاستراتيجية الفرنسية، بشكل يعكس حجم الرهان الذي وضعه كل من المغرب وفرنسا على هذه الزيارة التي فتحت عهدا جديدا في العلاقات الثنائية بين البلدين توج بالتوقيع على “اتفاقية استراتيجية وطيدة، بهدف تمكين البلدين من رفع جميع التحديات التي تواجههما بشكل أفضل، وذلك عبر تعبئة جميع القطاعات المعنية بالتعاون الثنائي والإقليمي والدولي.
ومن أبرز النقط التي تضمنتها هذه الاتفاقية، قضية الصحراء المغربية، حيث جاء حسب إعلان صادر عن الديوان الملكي، أن الملك محمد السادس وإيمانويل ماكرون أكدا أن مجال تطبيق “الشراكة الاستثنائية الوطيدة” بين بلديهما يشمل أوسع نطاق ترابي ممكن، وذلك على ضوء الموقف الفرنسي المعبر عنه بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتربع الملك على العرش.
هذا الموقف أعاد الرئيس الفرنسي التأكيد عليه، يوم أمس، في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس البرلمان، حيث قال في نص خطابه، “أردت باسم فرنسا أن أوضح رؤية من خلال إرسال رسالة إلى الملك محمد السادس في الثلاثين من يوليوز 2024 ونؤكد على ذلك أمامكم بالنسبة لي “أن حاضر ومستقبل الأراضي الصحراوية تأتي في إطار السيادة المغربية”.
وأضاف الرئيس الفرنسي، أن الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية هو الذي يجب أن يتم به حل هذه القضية في إطار واقعي مستدام، وهو موقف ستفعّله فرنسا وتواكبه في الهيئات الدولية”.
وشدد على أن هذا الموقف، “هو الموقف الذي تسعى فرنسا لتنفيذه ومن أجل ذلك، ستقف فرنسا إلى جانب المغرب في المحافل الدولية”، مشيرا إلى أن هذا الموقف “ليس عدائيا لأحد، بل دعوة لكل من يريد التعاون في المنطقة”.
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي محمد العمراني بوخبزة، إن هذه الزيارة تميزت بتصريحات مهمة، يمكن تلخيصها في ثلاث رسائل، موضحا أن “الرسالة الأولى جاءت في البيان الصادر عقب اللقاء الثنائي الذي جمع الملك بالرئيس الفرنسي، والذي تضمن مجموعة من الرسائل الهامة التي تدل على تطابق وجهات النظر حول عدة قضايا”.
وكانت الرسالة الثانية، يضيف الأستاذ الجامعي، “من داخل البرلمان المغربي، عبر الخطاب الذي وجهه الرئيس الفرنسي لغرفتي البرلمان، والذي أكد فيه على موقف فرنسا الداعم للوحدة الترابية للمملكة، وأيضًا موقف فرنسا المتمثل في دعم المغرب في المحافل الدولية للدفاع عن مصالحه المتعلقة بوحدته الترابية”.
أما الرسالة الثالثة المهمة، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، “فكانت من خلال موقف وزير الخارجية الفرنسي الذي أعلن فيه اعتماد وزارة الخارجية الفرنسية لخريطة المغرب كاملة، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية، وهو بمثابة تفعيل للقرار الرسمي الصادر عن الرئاسة الفرنسية”.
وأضاف المتحدث، أن فرنسا بدأت الآن في ترجمة موقفها بشكل واضح من خلال إجراءات ستتبعها دون شك إجراءات أخرى تدعم هذا الموقف الجديد، الذي يمثل انفراجًا كبيرًا بالنسبة للمغرب، ومن المتوقع أن تكون له تداعيات مهمة في المستقبل”.
هذا الفصل الجديد في مسلسل العلاقات الثنائية بين باريس والرباط، جاء بعد فترة جمود خيّمت على العلاقات بين المغرب وفرنسا منذ ما يقرب من 10 سنوات، لتصل الأزمة الديبلوماسية بين البلدين أوجها في السنتين الأخيرتين بسبب ملفات استعملت فيها ورقة التأشيرات والتجسس وما يمكن أن يرقى للابتزاز السياسي من طرف فرنسا تجاه المغرب، خاصة على مستوى تقارير البرلمان الأوروبي، ثم انتهاء بطريقة تعامل الرئيس الفرنسي مع كارثة زلزال 8 شتنبر 2023 الذي ضرب منطقة الأطلس الكبير السنة الماضية، حينما رفض المغرب تلقي مساعدات من عدد من الدول من بينها فرنسا.
غير أن الموقف الرسمي الفرنسي القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، في الرسالة التي وجهها إيمانويل ماكرون للملك محمد السادس يوم 30 يوليوز 2024، بمناسبة الذكرى الفضية لعيد العرش، وضعت حدا للموقف الرمادي الذي ظلت تنهجه فرنسا لعقود من الزمن في ما يخص الوحدة الترابية للمملكة، وطوت صفحة الخلاف بين البلدين، الشريكين التقليديين.
وعرفانا بالموقف الرسمي الفرنسي الجديد من قضية الصحراء المغربية، وجه الملك محمد السادس، على إثر ذلك، دعوة رسمية لإيمانويل ماكرون من أجل القيام بزيارة دولة للمملكة، من أجل الإعلان عن فتح عهد جديد بين البلدين.
وقد عمل الطرفان على توفير جميع الشروط لإنجاح هذه الزيارة، “لأنها تأتي بعد فترة برود في العلاقات الثنائية دامت ثلاث سنوات، كان الهدف منها وقفة صريحة لتقييم العلاقات الثنائية والتفكير في المستقبل بشكل يأخذ بعين الاعتبار معطيات أساسية جديدة لم تكن جزءًا رئيسيًا من العلاقات الثنائية في السابق”، يقول محمد العمراني بوخبزة.
وأشار المحلل السياسي إلى أن المغرب “يحتاج إلى بناء شراكات مع شركائه التقليديين، وعلى رأسهم فرنسا، على أساس معطيات جديدة قائمة على مصالح المغرب، وعلى رأسها الوحدة الترابية للمملكة، والتي كما يعلم الجميع، هي القضية الأولى لجميع المغاربة”. مبرزا أنه بناءً على ذلك، “وضع المغرب شروطًا فيما يخص بناء علاقاته مع شركائه، خاصة التقليديين، وفرنسا كما هو معلوم، ظلت لفترة طويلة في منطقة رمادية، خوفًا من أن تتخذ موقفًا قد يُعرِّض مصالحها مع الطرف الجزائري للخطر”.
وذكر بوخبزة أن حالة البرود الت عاشتها العلاقات بين المغرب وفرنسا كانت نتيجة لقرار المغرب “بوضع النقاط على الحروف”، موضحا أنه مع تقييم الفرنسيين لمصالحهم الاستراتيجية، “قررت فرنسا، في نهاية المطاف، مع الرئيس ماكرون اتخاذ ذلك الموقف التاريخي وهو الاعتراف بسيادة المغرب على كامل ترابه، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية للمملكة”.
هذا القرار شجع المغرب على التفكير مع فرنسا في بناء علاقات استراتيجية متكافئة في مجالات متعددة، لا تشمل فقط الجانب الاقتصادي، بل هي علاقات تمتد لثلاثة عقود مقبلة وتشمل مجالات استراتيجية بالنسبة للمغرب وفرنسا، خصوصًا في المجالات الواعدة مثل البنية التحتية، اللوجستيك، البحث العلمي، الهجرة، الأمن، والثقافة وغيرها من المجالات التي تضمنتها الاتفاقيات الـ 22 التي تم توقيعها أمام كل من الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الإثنين 28 أكتوبر 2024.
ولفت أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية محمد العمراني بوخبزة إلى أن التفكير بهذه الطريقة جعل الطرفين يعملان على توفير جميع شروط النجاح لهذه الزيارة، زيارة الدولة، “ولهذا، كان هناك استقبال لافت من قِبَل الملك، واستقبال شعبي من قِبَل المغاربة الذين خرجوا لتحية ضيف المغرب، وكذلك استقبال خاص من المؤسسات، خصوصًا البرلمان ومؤسسات أخرى، خصت الرئيس الفرنسي باستقبال يليق بالقرار الذي تم اتخاذه وهو الاعتراف بمغربية الصحراء”.
وخلص المتحدث إلى أن هذه الزيارة “كانت ناجحة على جميع المستويات”، وهو ما يفسره المتابعة الإعلامية البارزة من الإعلام المغربي، والإعلام الفرنسي وحتى وسائل الإعلام الدولية، حيث كانت هناك تغطية ومتابعة لهذه الزيارة وتفاصيلها.