مارش: اعتقال الغنوشي انتكاسة للتجربة التونسية والديمقراطية المسلمة حل واقعي

اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية، أندرو مارش، أن اعتقال رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي الذي يقضي يومه الـ 622 في السجن، يمثل انتكاسة للتجربة الديمقراطية في تونس، وذلك في مداخلة له ضمن ملتقى فكري حول كتابه “حول الديمقراطية المسلمة” (On Muslim Democracy) نظمه منتدى المتوسط للتبادل والحوار مساء الثلاثاء 18 مارس 2025.
وأكد المتحدث أن هذا الوضع يعكس التحديات التي تواجه الديمقراطية المسلمة، ليس فقط كتجربة سياسية، ولكن أيضًا كمفهوم فكري يسعى إلى تحقيق التعددية والحرية ضمن إطار إسلامي.

وناقش الأكاديمي الأمريكي أندرو مارش العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، مسلطًا الضوء على تجربة حزب النهضة التونسي، ودور مؤسسه راشد الغنوشي في تطوير مفهوم الديمقراطية المسلمة، الذي يراه تطورًا فكريًا يتجاوز الإسلام السياسي التقليدي.
بداية الفكرة
وأوضح الأستاذ الجامعي أن فكرة كتابه انطلقت خلال دراسته للمفاهيم الإسلامية المتعلقة بالحكم والحرية، إذ أثارت قراءته لكتاب “الحرية العامة في الدولة الإسلامية” للغنوشي اهتمامه العميق بمفهوم الاستخلاف، باعتباره مبدأ محوريًا في الفكر الإسلامي السياسي.
وقد دفعه هذا الاهتمام إلى “استكشاف تطور الفكرة من نموذج الخلافة التقليدية إلى التفاعلات الديمقراطية الحديثة”، خصوصًا في ظل الربيع العربي عام 2011.
من الترجمة إلى الحوار
وخلال عمله في جامعة ييل في كنتيكت بالولايات المتحدة الأمريكية، سعى مارش إلى ترجمة كتاب الغنوشي “الحرية العامة في الدولة الإسلامية” إلى الإنجليزية، ما فتح له باب التواصل المباشر مع مؤلفه.

وأشار المتحدث إلى أن تونس آنذاك بدت وكأنها قصة نجاح ديمقراطي، حيث تحمّل الغنوشي مسؤولية كبيرة لإنجاح التجربة التونسية، التي وصفها مارش بأنها واحدة من التجارب الديمقراطية الأكثر استقلالية في العالم الإسلامي، نظرًا لغياب الجيش والاحتلال الأجنبي كعوامل مؤثرة.
واعتبر مارش أن أحد أهم التحولات الفكرية التي شهدتها تونس كان إعلان حزب النهضة عام 2016 عن تخليه عن الإسلام السياسي وتبنيه لـ الديمقراطية المسلمة.
وقد أثار هذا الإعلان تساؤلات حول ما إذا كان “مجرد خطوة تكتيكية أم تحولًا فكريًا عميقًا”، وهو ما دفع مارش إلى إجراء حوار مباشر مع الغنوشي، بهدف “توثيق هذا الانتقال وتحليل أبعاده الفلسفية والسياسية”.
الديمقراطية المسلمة
وسعى مارش في كتابه إلى الإجابة عن سؤال جوهري: هل الديمقراطية المسلمة مجرد مصطلح سياسي، أم أنها تمثل رؤية فكرية متكاملة تتجاوز الإسلام السياسي؟
وأوضح أن التجربة التونسية تختلف عن تجارب بلدان مثل تركيا، والمغرب، وماليزيا، وباكستان، حيث استخدم المصطلح سابقًا كوسيلة لتعريف الأحزاب الإسلامية بنفسها، لكن في تونس، كان التحول أكثر تعقيدًا نظرًا للدور الفكري الذي لعبه الغنوشي داخل الحركة الإسلامية.
إسلامية أم مسلمة
ويعتبر مارش أن هناك فرقًا جوهريًا بين الديمقراطية الإسلامية التي تسعى إلى فرض نموذج إسلامي على الدولة، وبين الديمقراطية المسلمة التي تعترف بالتعددية كحقيقة سياسية لا يمكن تجاوزها.
وأشار إلى أن التجربة التونسية فرضت هذا التحول، حيث لم يعد من الممكن تجاهل الأحزاب العلمانية، والليبرالية، واليسارية، مما استدعى تبني نهج أكثر مرونة.
ووصف مارش حواره مع الغنوشي بأنه كان “فرصة نادرة لطرح أسئلة صعبة حول التحولات الفكرية التي مر بها”. وتناول الحوار موضوعات أساسية، منها مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي؛ إذ يرى الغنوشي أن “الحرية ليست مجرد قيمة ليبرالية، بل هي جزء أساسي من المسؤولية الأخلاقية للإنسان”، بحيث “لا يمكن تحقيق الفضيلة الدينية دون حرية حقيقية”.
وأضاف الأكاديمي الأمريكي أن الغنوشي اعتبر أن “وثيقة المدينة المنورة التي وضعها النبي محمد ﷺ تشكل نموذجًا لدولة تعددية”، حيث كان التوافق قائمًا على المصالح المدنية وليس على الانتماء الديني.
والانتقال من الطوباوية إلى الواقعية السياسية، إذ أوضح مارش أن الغنوشي، بعد عقود من النضال السياسي، “بات يتبنى رؤية أكثر واقعية، تدرك أن السياسة ليست ساحة للمثاليات، بل هي مجال لإدارة المصالح وتقليل الأضرار”.
*وثيقة المدينة هي صحيفة مكتوبة وضعها النبي صلى الله عليه وسلم لينظم أمور المجتمع الجديد بالمدينة، التي كانت تضم بعد الهجرة النبوية ثلاثة مكونات أساسية وهي :
- المهاجرون الذين انتقلوا إلى المدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبعدها.
- الأنصار الذين أحبوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ونصروه وآووه من الأوس والخزرج.
- اليهود من بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير.
من العدو ومن الصديق؟
أحد المفاهيم المثيرة التي ناقشها مارش هو كيف تغيرت رؤية الغنوشي للعلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين. ففي الماضي، كان يُنظر إلى الصراع السياسي من منظور ديني، حيث كان العدو هو غير المسلم أو المخالف دينيًا.
لكن في إطار الديمقراطية المسلمة، “أصبح العدو هو المعارض للديمقراطية، سواء كان إسلاميًا أو علمانيًا”، بينما أصبح “الصديق هو المؤمن بالديمقراطية، بغض النظر عن انتمائه الأيديولوجي”.
وأكد مارش أن نجاح الديمقراطية المسلمة يعتمد على “قدرتها على تقديم بديل عملي وفعال للاستبداد”. فبدلًا من تقديم نموذج مثالي للدولة الإسلامية، تسعى الديمقراطية المسلمة إلى خلق نظام سياسي يسمح بالتعايش بين مختلف التيارات. ويرى مارش أن هذه الرؤية تشكل تحولًا جوهريًا في الفكر الإسلامي السياسي الحديث.
الديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن نجاح أي تجربة ديمقراطية تعتمد في النهاية على “وجود ديمقراطيين حقيقيين يدافعون عنها”. وقال إنه لم يجد في حياته الأكاديمية “سياسيًا إسلاميًا أكثر التزامًا بالديمقراطية من الغنوشي”.
وأضاف أن اعتقال الغنوشي يمثل اختبارًا حقيقيًا لمستقبل الديمقراطية المسلمة، وأن استمرار سجنه يعكس صعوبة ترسيخ القيم الديمقراطية في العالم الإسلامي.
وختم بالقول: “الديمقراطية ليست مجرد نظام حكم، بل هي ثقافة تحتاج إلى أناس يؤمنون بها. وإذا كان الخيار بين الديمقراطية والاستبداد أو الحرب الأهلية، فإن الديمقراطية المسلمة تظل الحل الأفضل لضمان الاستقرار والتعددية في المجتمعات المسلمة.”