story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

ماء فكيك ليس للبيع

ص ص

سأعود لليوم الثاني على التوالي إلى موضوع حراك فكيك الذي جاوز يومه المئة. علينا نحن سكان “المركز” أن نتعلم التواضع ونكف عن أستاذيتنا وتعالينا السمج عما يحصل في الأطراف والهوامش.
ما يحصل في فكيك ليس ثانويا ولا هامشيا، بل وكما قرأنا فيه مظاهر انعكاس التهديدات الاستراتيجية على معيشنا اليومي، يمكننا أن نقرأ فيه أيضا عناوين الكثير من الاختلالات والأعطاب التي تثقل حركتنا وإن تجاهلناها.
أمس كانت الذكرى 13 لانطلاق حركة 20 فبراير، وتعمدت شخصيا عدم الوقوف عند الذكرى ولا تخصيصها بهذا المقال اليومي، رغم ما تعنيه بالنسبة إلي من ذكريات جميلة.
أعتقد أننا عشنا كفاية في أحلام لا صلة لها بالواقع. 20 فبراير عنوان خيبة كبيرة، إن لم تكن أكبر خيباتنا المعاصرة على الإطلاق، التي أضعنا فيها فرصة للانعتاق الجماعي وخلق شرعيات جديدة كان بمقدورها تأطير وتوجيه حلمنا الجماعي بدل هذا الأنين الذي بالكاد نقوي على أطلاقه اليوم تحت وطأة تحالفات معقدة بين السلطوية والمصالح الفئوية والخاصة.
خرجنا يومها نصرخ ضد الفساد والاستبداد، فاستقوي علينا الفساد بالاستبداد وأعادوا “تربيتنا” وسلبونا حتى الحق في الحلم من جديد.
حلمنا بإسقاط الفساد والاستبداد فسقطنا نحن وتمكن منا الفساد والاستبداد أكثر حتى كادا يذيقاننا العطش والجوع. حتى مياه زاكورة وطاطا سرقاها منا وقاما ببيعها في بورصة الماء العالمية ونحن نتفرج ونحلم.
لهذا أعتقد أن حراك فكيك أهم من ذكرى 20 فبرابر، ومن ذكرى حلم.
الفساد والاستبداد سبقانا كما يسبق العدّاء الرشيق منافسيه فيقوم بدورة إضافية كاملة ويتجاوزهم من جديد. جاءت حراكات أخرى، بمطالب اجتماعية، تعليمية، صحية، خدماتية، فجرى وأدها وطمسها. وامتدت يد الفساد والاستبداد إلى المياه الجوفية التي حافظت عيها ساكنة “الأطراف” طيلة قرون، فشفطتها وعصرت بطن الأرض تحت أقدام العطشى دون رحمة.
لهذا أعتبر حراك فكيك أهم من ذكرى 20 فبراير. كل أعطاب السياسة والاقتصاد والسلم الاجتماعي تجتمع في حراك الفكيكيين. ولابد لمن لم يتابع تفاصيل ما يجري “فوق فكيك” أن يعود إلى تفاصيل المصادقة على الانضمام إلى اتفاقية محدثة لمجموعة الجماعات الترابية بجهة الشرق، والتي تفوض بصفتها هذه تدبير المياه لشركة خاصة محدثة وفقا للقانون المتعلق بإنشاء الشركات الجهوية متعددة الخدمات.
كان المجلس الجماعي لفكيك قد اجتمع وناقش وصوت بالإجماع يوم 26 أكتوبر 2023 ضد فكرة الانضمام، لتأتي مبادرة عامل الإقليم الذي دعا إلى دورة استثنائية للمجلس انعقدت في فاتح نونبر الموالي، أعادت طرح الموضوع وصوتت بأغلبية هشة لصالح قرار الانضمام.
لا أريد أن أستعمل كلمة قاسية في توصيف عملية قلب قرار صدر بطريقة ديمقراطية، لكن كيف للمرء ألا يرتاب في أسباب وخلفيات وشرعية مثل هذا التدخل من جانب السلطة المعينة في حق السلطة المنتخبة؟ أين هي شعارات التشاركية والانفتاح على الساكنة المحلية والإنصات واحترام التوزيع القانوني للصلاحيات والاختصاصات؟
من حق المغاربة، سواء كانوا في الرباط أو طاطا أو فكيك، أن يختاروا لأنفسهم ويطوروا حلولهم ويتخذوا قراراتهم وفقا للقانون وعبر مساطر ديمقراطية.
ومن حق المغاربة أن يرفضوا تسليع حياتهم وتحويلها إلى مصادر للاغتناء ومراكمة الثروات في أيدي أقلية محظوظة.
من حق المغاربة وهم يشاهدون ما تصنعه آلة الرأسمال الخاص المتوحش والمتفلت من كل القوانين والضوابط، أن تتمسك بقطرات المياه المخزنة تحت أقدامهم.
ومن حقهم الاستنجاد بإرث الأجداد في مقابل كل ما تعرضه التقنيات والتكنولوجيات الحديثة، لأننا نحوز الذكاء الذي يمكننا من تدبير حياتنا بفطرتنا الموروثة، بينما لا نملك ما نحقق به شبه توازن مع قوى الرأسمال الجديد، الجشع والمتوحش.
من حق سكان فكيك أن يخافوا على مستقبل أبنائهم من مصير أبناء طاطا وزاكورة وواحات التمور التي حولها جشع الطماعين إلى قفار بعدما عمّرها أجدادهم على مدي قرون.
من حقهم أن يلوحوا في وجه الدولة الحديثة والمؤسسات العصرية بعبقرية الأجداد الذين أقاموا منظومة تقليدية لتوزيع المياه والحفاظ عليها، ويذكّروا بقنوات التوزيع التي بنيت بطريقة ال”تويزا”، ويطالبوا باحترام خصوصيات الطبيعة الواحية لمجالهم.
أعتقد أن على المثقفين والحقوقيين والسياسيين الملتزمين تحيين أجندتهم “النضالية”، ومراجعة مقولاتهم ومطالبهم. فأصل الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا يوجد في محور المغرب النافع بالضرورة، بل ربما نعثر على “راس الخيط” في الانصات لهذه الأصوات الأصيلة التي يصلنا صداها من المغرب المنسي.
بدل أن نفكر في “تحرير” القرار الوطني وأنسنة السياسات العمومية في المركز قبل الالتفات إلى الأطراف، ربما تكون البداية الصحيحة من هذه الأطراف، فمنها ينبع كل ما يغذي المركز سواء بالطاقات والخيرات والثروات، أو بالأعطاب والألغام والمنغصات.