مؤتمر عادي لحزب استثنائي

لا أجد تعبيرا آخر أفضل من “مؤتمر عادي لحزب استثنائي” لتوصيف حزب العدالة والتنمية الذي نظم نهاية الأسبوع الماضي مؤتمره التاسع وانتخب أجهزة وهياكل الحزب للأربع سنوات القادمة. هو مؤتمر عادي لأنه نظم في وقته المحدد ومرت أشغاله في جو من المسؤولية والالتزام كما هي العادة في مؤتمرات حزب العدالة والتنمية.
وهو حزب استثنائي، لأن التجربة السياسية عودتنا أن الأحزاب التي تسقط لا تستطيع النهوض مجددا. وحتى إذا تمكنت من النهوض، فإنها تفقد الكثير من وظائفها وقدراتها، فكيف بحزب أسقط من “الطابق 17″؟
اليوم، يمكن أن نقول إن حزب العدالة والتنمية قد تجاوز حالة الصدمة النفسية واسترجع جزءا كبيرا من لياقته التنظيمية.بل، لا أبالغ إذا قلت إن الحزب قد يتصدر المشهد في الانتخابات المقبلة إذا تمت هذه العملية في جو من النزاهة والشفافية.
لقد تمكن الحزب رغم الهزات التي تعرض لها من إعادة التوهج لمصباحه وأعطى درسا جديدا عن استقلال قراره الداخلي وجاهزيته التنظيمية وقدرته على استيعاب الاختلاف.وهذا راجع بالأساس لمرجعيته الإسلامية و مساطره الداخلية وثقافته التنظيمية ونضالية أعضائه.
من المفترض، أن هذا شيء جميل لأن نجاح الأحزاب الوطنية، التي جعلها الدستور شريكا في السلطة وأناط بها مهمة تأطير المواطنات والمواطنين، هو نجاح لبلادنا، ولأنه لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية جادة ومسؤولة، وهو شيء يستحق التنويه والتشجيع وليس التفتيش في كلمات ضيوف المؤتمر للبحث عن دليل للتشويش على نجاح هذه المحطة التنظيمية.
وحسبنا أن جلالة الملك أغلق هذا القوس بتهنئة بنكيران وحزب العدالة والتنمية على نجاح المؤتمر، لكن نقول لمن يريد خلط الأمور إنه حتى لو افترضنا أن هناك من بين الضيوف من يعادي وحدتنا الترابية (وهو شيء مستبعد تماما لأن الدولة لا يمكن أن تسمح لهؤلاء بدخول بلادنا)، حتى لو افترضنا ذلك، فإن المنطق يقتضي أن يتواصل الحزب، في إطار الدبلوماسية الموازية، مع الأحزاب التي تتشارك معه نفس المرجعية للدفاع عن مغربية صحرائنا.
لقد تابع المغاربة على الهواء مباشرة جل أشغال مؤتمر حزب العدالة والتنمية، وصدق بنكيران عندما قال لو نقلنا جلسة التداول السرية، التي دامت زهاء خمس ساعات، لانتهت الحملة الانتخابية لسنة 2026. لأنه في الوقت الذي تختار فيه “أحزاب” أخرى قياداتها بالتصفيق والصفير، تداول حوالي 170 عضوا من أعضاء المجلس الوطني، بكل شفافية ووضوح، في ثلاث أسماء مرشحة للأمانة العامة قبل انتخاب الأمين العام.ويأتي بعد ذلك من يقول إن المؤتمرين اختاروا بنكيران بقلوبهم وليس بعقلوهم.
لسنا هنا بصدد مصادرة حق الآخرين في التعبير عن أرائهم بخصوص المؤتمر وضيوفه، ولا ضدد تقييمهم لتجربة حزب العدالة والتنمية ككل، لأن متابعة الشأن الحزبي والسياسي شيء محمود، ولأن الحزب ليس ملكا لمناضليه فقط، بل هو ملك للمجتمع، ويمول من أموال دافعي الضرائب، لكننا لا يمكن أن نسكت عن حملات التشويش والتبخيس التي استهدفت هذا الحزب الوطني حتى قبل انطلاق مؤتمره التاسع خدمة لأجندات معروفة.
*عبد اللطيف الحاميل