story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رياضة |

لويس إنريكي.. عراب أفضل نسخة لباري سان جيرمان

ص ص

كان لابد لنادي باري سان جيرمان أن يمضي كل هذه السنوات في البحث عن الوصفة السحرية التي تصنع فريقا قويا ومنسجما وقادرا على مجابهة الأندية الأوروبية العتيدة.. حيث صرف الكثير من المال وأمضى مسؤولوه وقتا طويلا في محاولة الحصول التشكيلة النموذجية التي ستدخل النادي الباريسي إلى خانة الأندية المتوجة أوروبيا، وجلبوا من أجل ذلك أفضل نجوم العالم من اللاعبين والمدربين، لكن دون جدوى، حتى اهتدوا إلى المدرب الإسباني لويس إنريكي الذي كان لتوه قد رمى ورقة الإستقالة من منتخب “لاروخا” عقب مشاركة باهتة في مونديال قطر 2022.

استطاع إنريكي بعد عمل طويل في العمق دام ثلاث سنوات، أن يمتلك لاعبو باري سان جيرمان مفاتيح فلسفة نجاح مدربهم لويس إنريكي التي انتهجها لبناء فريق يتمتع بشخصية قوية، استطاع بواسطتها ان يكتسح الألقاب المحلية في فرنسا ويقترب من تحقيق حلم التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخ النادي الفرنسي.

فلسفة تدريب فريدة

نجاح لويس إنريكي، الذي احتفل قبل أيام بعيد ميلاده الخامس والخمسين، في بناء فريق يتمتع بشخصية جماعية صارمة تعتمد على الجهد والانضباط، لا على الأسماء اللامعة فقط. جاء بحسب قائد الفريق ماركينيوس: “من لا يبذل أقصى ما لديه لا يلعب، هذه هي فلسفة إنريكي التي أوصلتنا إلى هذا المستوى”، مضيفًا أن “المدرب يعتمد كثيرًا على الركض والضغط المستمر، ويُحمّل كل لاعب مسؤولية كاملة، بغض النظر عن عمره أو اسمه”.

وفي وصفه لإنريكي، قال النجم المغربي أشرف حكيمي: “إنه عبقري. عمل كثيرًا خلال عام واحد فقط على بناء فريق عظيم. الوصول إلى النهائي فخر لنا، والفضل يعود لما زرعه المدرب منذ وصوله”.

إنريكي من جهته لا يُخفي طموحه، مؤكدًا أن “باريس سان جيرمان يستحق الفوز بدوري الأبطال، بالنظر إلى الجهد المبذول طيلة الموسم”. كما عبّر عن رضاه الكبير عن التعاون مع الإدارة، قائلًا: “أشعر بارتياح كبير لأنني أملك القدرة، بالتعاون مع المدير الرياضي لويس كامبوس والرئيس ناصر الخليفي، على بناء فريق يُرضي الجماهير”.

واليوم، يقف إنريكي على أعتاب مجد جديد، لا يتمثل فقط في اللقب القاري، بل في قيادة فريقه نحو ثلاثية تاريخية بعد تتويجه بالدوري الفرنسي، وكأس فرنسا ونهائي دوري الأبطال، ليبرهن مرة أخرى أن النجاح لا يولد من الصدفة، بل من الالتزام والجدية والرؤية الواضحة.

مشوار كروي مبكر

وُلد لويس إنريكي في مدينة خيخون التي تقع في منطقة أستورياس بشمال إسبانيا. بدأ حلمه الكروي في الأندية المحلية الصغيرة قبل أن يتم اكتشافه من قبل سبورتينغ خيخون، حيث انطلقت مسيرته الاحترافية. في سن مبكرة، أظهر لويس موهبة استثنائية جعلته من اللاعبين الموهوبين، ليبدأ رحلة الانتقال إلى عالم الأضواء. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى كان لويس إنريكي يتألق في الدوري الإسباني، وقد جذب انتباه ريال مدريد، الذي ضمه إلى صفوفه في عام 1989.

على الرغم من ولائه السابق لمدينة خيخون، إلا أن انتقاله إلى ريال مدريد كان بمثابة بداية حقبة جديدة في مسيرته، حيث لعب مع الفريق الملكي لمدة ستة مواسم. على مدار هذه الفترة، كان جزءًا من الفريق الذي فاز بعدة ألقاب، وكان له تأثير كبير في خط الوسط.

لكن لويس إنريكي كان دائمًا يبحث عن تحديات جديدة، وبحلول عام 1996، اختار الانتقال إلى برشلونة في صفقة أثارت الكثير من الجدل في ذلك الوقت. في برشلونة، تحول إنريكي إلى أحد أعمدة الفريق، وأصبح من أبرز اللاعبين في فترة نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة.

وعلى الرغم من أنه كان في البداية يتعرض لانتقادات كثيرة من وسائل الإعلام والجماهير، إلا أن إنريكي سرعان ما أثبت نفسه ليصبح أحد أهم لاعبي برشلونة، وساهم في تحقيق العديد من الألقاب مع النادي، بما في ذلك دوري الأبطال و الدوري الإسباني.

تدرج في التدريب

بعد اعتزاله كلاعب في عام 2004، لم يكن من المفاجئ أن يبدأ لويس إنريكي مسيرته في مجال التدريب. أظهر إنريكي قدرات عالية في قراءة المباريات وإدارة الفرق.

وقد بدأ مسيرته التدريبية بتدريب رومّا الإيطالي، قبل أن يحقق النجاح في برشلونة، حيث قاد الفريق الكتالوني إلى العديد من البطولات، بما في ذلك دوري الأبطال عام 2015. كما درب المنتخب الإسباني وساهم في إعادة بنائه وتجديد دمائه، بعد تراجع مستوى الجيل الفائز بمونديال جنوب إفريقيا 2010.

أسلوبه التدريبي يعتمد على التوازن بين القوة البدنية والتكتيك، حيث جعل من فريقه آلة هجومية متكاملة. سرعان ما أصبح أحد أكثر المدربين احترامًا في إسبانيا وأوروبا.

حياة بعيدة عن الأضواء

من الأمور التي تميز حياة لويس إنريكي عن العديد من الرياضيين الآخرين هو حرصه على الحفاظ على خصوصية أسرته. تزوج من إيلينا كوليل، وهي إطار مالي تعمل في مجال الطيران، منذ عام 1997، ولديهما ثلاثة أطفال: سيرا، باتشو، وتشانا، التي حققت نجاحات في رياضة الفروسية.

ورغم الشهرة الكبيرة التي نالها إنريكي، إلا أن حياته الأسرية كانت دومًا بعيدة عن الأضواء، فهو يحرص على توفير حياة مستقرة لزوجته وأبنائه بعيدًا عن ضغوط الإعلام.

في عام 2019، مر لويس إنريكي بألم عميق إثر وفاة ابنته سيرا بسبب مرض السرطان، وهو الحدث الذي أثر عليه بشكل كبير، لكنه ظل قويًا وأكمل مسيرته الاحترافية، موضحًا للعالم أن الرياضة ليست فقط الانتصار على المستطيل الأخضر، بل هي أيضًا القوة الداخلية التي تظهر في أصعب اللحظات.

استثمارات خاصة

لم يقتصر نجاح لويس إنريكي على مجال كرة القدم فقط، بل توسع ليشمل الأعمال التجارية. ففي عام 1994، أسس شركة “باتريمونيال باسي”. برأس مال أولي بلغ 84,141 يورو. وقد توسعت هذه الشركة عبر السنوات لتشمل الاستثمار في العقارات، خاصة في مجالات الحقوق الفكرية مثل الحقوق الخاصة بالصورة.

كما كان لويس أحد المستثمرين في قطاع الطاقة المتجددة، وهو ما يبرهن على أن إنريكي يفكر في المستقبل ويتطلع إلى الاستثمار في مجالات تضمن استدامة ماليته. على الرغم من بعض الصعوبات في بعض المشاريع، فقد تمكن من الحفاظ على استثماراته وتنميتها.

بالإضافة إلى ذلك، كان لويس إنريكي وزوجته إيلينا لهما دور في تأسيس شركة أخرى للعقار.، ولكنها دخلت في إجراءات الإفلاس في 2017.

أنشطة إنسانية

بعيدًا عن عالم الأعمال والرياضة، أثبت لويس إنريكي أنه يختزن جانبا إنسانيا مثيرا للأحترام، حيث كان داعمًا للعديد من القضايا ذات الإرتباط بالحاجيات الطبية للمصابين بالأمراض الخطيرة، بما في ذلك مكافحة مرض التصلب الجانبي الضموري (ELA) والسرطان.

كما تبرع بأرباحه من عمله على Twitch، حيث كان يوجه جزءا كبيرا من أرباحه لمؤسسات خيرية تهتم برعاية الأطفال المصابين بالسرطان. وأبرز الأمثلة على هذه الأنشطة الخيرية، هو تبرعه بمبلغ 300,000 يورو لصالح مؤسسة إنريكي فيلافيتشيا لسرطان الأطفال.

هوايات وأسلوب حياة

لويس إنريكي هو شخص ذو اهتمامات متعددة تتجاوز حدود الرياضة. يهوى ركوب الأمواج والدراجات، وعرف أيضًا بشغفه بـ الترياثلون، حيث أكمل ثلاث بطولات Ironman بالإضافة إلى ماراثونات شديدة التحدي، مثل ماراثون الرمال. علاوة على ذلك، هو من عشاق الموسيقى والقراءة، ويحب قراءة الكتب الفلسفية، التي ينقل منها أفكارًا تحفز لاعبيه خلال المباريات الحاسمة.

لويس إنريكي قاد باريس سان جيرمان إلى نهائي جديد في دوري أبطال أوروبا. فعل ذلك دون نجوم يتحدث عنهم العالم مثل ميسي أو نيمار، معتمدًا على فريق شاب، متماسك ومحارب. يقول عنه إدواردو مونيوز الصحافي بيومية “إلموندو ديبورتيفو”: “ربما لأن من مرّ بالكثير من الألم يعلم أن العمليات الأكثر قيمة لا تعتمد دائمًا على التألق الفردي، بل على القوة الجماعية، والعمل الصامت، والثقة المتبادلة. تلك أيضًا صورة من صور القيادة. ومن دون شك، هي واحدة من طرق النصر”.