story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رياضة |

لوكا مودريتش.. الطفل اللاجئ الذي اعتلى مجد كرة القدم

ص ص

صبيحة الثامن عشر من شتنبر من عام 1991، بقرية كرواتية صغيرة تسمى زادار، أخرج لوكا مودريتش الرجل المسن أغنامه من فناء المنزل الكبير الذي يقطنه هو وأبناؤه وحفدته الصغار، ليبحث بجوار المنزل عن كلأ تسد به رمقها، كان لوكا غير قادر على الابتعاد كثيرا بماشيته عن مقر سكناه بسبب أجواء الحرب الأهلية الدائرة في يوغوسلافيا المتفككة بين صربيا وكرواتيا، وانتشار الألغام في كل مكان، وما إن وصل إلى سهب مخضر قريب، حتى رصدته شاحنة القوات الصربية التي كانت تراقب المنطقة، فأوقفوا المسن السبعيني، وبعد التأكد من هويته الكرواتية أفرغوا في جسده الرصاص بدم بارد وتركوه مرميا في الخلاء.

في البيت تناهى إلى مسامع الأسرة الكبيرة صوت إطلاق النار وهم يتناولون فطورهم، شعرت زوجة لوكا أن مكروها أصاب زوجها بعدما رأت شاحنة القوات الصربية وهي تمر بمحاذاة منزلهم، خرج الابن الأكبر لاستطلاع الأمر فوجد أباه مضرجا في دمائه وقد فاضت روحه، كانت هذه التصفية الجسدية لوالده حدثا جاء ليحسم تردد الأسرة الكبيرة في الرحيل عن المنطقة والالتحاق بمخيمات اللاجئين للنجاة من موت حتمي.

جمعت الأسرة متاعها وكان عليها التنقل لمسافة طويلة سيرا على الأقدام للوصول إلى مركز لمنظمة الصليب الأحمر الدولي، التي كانت تستقبل اللاجئين الكروات في مخيمات آمنة، في الطريق، وعندما كانوا يمشون مع جماعات أخرى التحقت بهم، تفقدوا الصغير لوكا البالغ من العمر 6 سنوات والذي سمي على اسم جده، فلم يجدوا له أثرا مع المجموعة الكبيرة من اللاجئين، وظلوا طوال ساعات يبحثون عنه في مجموعات أخرى كانت تسير على نفس الطريق، فعثروا عليه في الأخير رفقة أسرة كرواتية وجدته تائها والليل يرخي سدوله على مكان موحش يعمه الظلام والخوف.

بعد الاستقرار في مخيم اللاجئين، أصبح الطفل لوكا يخرج مع أقرانه في المحنة إلى الفضاءات المجاورة للعب كرة القدم، مبديا موهبته وتفوقه على رفاقه رغم بنيته الضعيفة وجسده النحيل. كانت التحذيرات تلاحقهم دوما من أسرهم خوفا من الغارات والقنابل والألغام، قبل أن تنتهي الحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة، ويعود مودريتش إلى مسقط رأسه، ويكبر طموحه في أن يصبح لاعب كرة قدم محترف، ويبدأ في البحث عن فرصة ضمه لأحد الأندية الشهيرة في كرواتيا، لكن ظهر معطى لم يكن في حسبانه وهو في سن السادسة عشر، حيث تم رفضه في كل الاختبارات التي خاضها رفقة الأندية المحلية، وكاد أن ينتهي به الإحباط إلى إنهاء حلمه والبحث عن طريق آخر غير ممارسة كرة القدم، لكن في محاولته الأخيرة اقتنع به مدرب نادي دينامو زغرب ليلحقه بفريق الشباب، ويشتغل على تقوية بنيته الجسدية ليصنع له مكانا في فريق الكبار في الموسم الموالي.

محطة لوكا مودريتش التالية كانت في الدوري البوسني، حيث أعاره ناديه دينامو زغرب إلى نادي موستار، وهناك اكتسب الشاب النحيف صلابة اللعب في المباريات القوية، في بطولة معروفة بالحدة وبطرقها التكتيكية الصارمة، قبل ان يعود للدوري الكرواتي موقعا عقدا جديدا مع نادي زابريستش ويصبح معه أبرز لاعبي خط الوسط الواعدين في بلاده لمدة ثلاثة مواسم، كان لابد وأن يذيع فيها إسمه خارج الحدود، وبالضبط عند أندية الدوري الإنجليزي الممتاز التي اعتادت اقتناص الجواهر الشابة الثمينة لتصنع منها نجوما عالمية. وكذلك كان، حيث اختطفه نادي لندن العريق توتنهام، مقابل 22 مليون أورو، ليقدمه للعالم كنجم مستقبلي سيمتع الجماهير بطريقة لعبه الساحرة، ولمسته الأنيقة للكرة، وتمريراته الدقيقة الحاسمة.

كان نادي توتنهام عند التحاق لوكا مودريتش على موعد مع العودة إلى المنافسات الأوروبية الكبرى لأول مرة منذ 50 عاما، حيث تأهل معه إلى ربع نهائي كأس عصبة الأبطال الأوربية في موسم 2010 2011، واستمر الأداء الرائع لمودريتش الذي أصبح مطلبا لأندية الصف الاول في أوروبا وفي مقدمتهم الملكي ريال مدريد الذي قدم عرضا مغريا من أجل ضمه سنة 2012 ليبدأ مسيرة جديدة مع الألقاب والبطولات والجوائز في العاصمة الإسبانية، ويتعاقب عليه المدربون والنجوم من اللاعبين، ويصبح رمزا ل “الميرينغي” طوال 12 سنة اكتسب فيها حب جمهور ناديه واحترام جماهير الأندية الأخرى، بإبداعاته الساحرة فوق الميدان، وبأخلاقه وروحه الرياضية العالية، وشخصيته الفذة.

على المستوى الدولي، حقق مودريتش ورفاقه ما يشبه المعجزة مع منتخب كرواتي، المنتخب الذي لم يكن يوما من الكبار في القارة الأوربية، وكان الإنجاز الوحيد في تاريخ هذا المنتخب في 1998 عندما فاز دافور سوكر ورفاقه المرتبة الثالثة في مونديال فرنسا بعد الفوز على هولندا في مباراة الترتيب، لكن لوكا نجح في كأس العالم بروسيا عام 2018، رفقة كوكبة من النجوم الكرواتية، في تحقيق إنجاز أفضل بالوصول لنهائي كأس العالم وتحقيق المركز الثاني كأفضل انجاز في تاريخ البلاد، ليستمر بعد ذلك تألق الكروات من خلال احتلال المركز الثالث في كاس العالم 2022 في قطر ليكتب هذا الجيل اسمه كسليل للمدرسة اليوغوسلافية العريقة بقيادة لوكا مودريتش، واحد من أكبر لاعبي وسط الملعب تكاملا على مر تاريخ كرة القدم.