story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

لهلا يداويها لباباكم!

ص ص

مشهد سريالي عشناه يوم أمس الأربعاء 26 يونيو 2024. أطباء وصيادلة الغد، من طلبة كليات الطب والصيدلة، توجهوا إلى الشواطئ والحدائق من أجل تنظيفها، وإلى مراكز تحاقن الدم من أجل التبرّع بهذه المادة الحيوية للمستشفيات، تاركين قاعات الامتحانات التي خصصتها لهم الحكومة، “تنشّ” الذباب.
في المقابل، ستكون مباراة الولوج إلى كليات الطب والصيدلة في السنة المقبلة، على موعد مع عدد أكبر من المترشحين، وحالة اكتظاظ غير مسبوقة، بعد الإعلان عن نتائج امتحانات البكالوريا.
تنطوي هذه النتائج على معجزة حقيقية، تتمثل في نسبة نجاح كبيرة مقارنة بالسنة الماضية. رغم أن التلاميذ لم يدرسوا طيلة الفصل الأول من السنة الدراسية الحالية.
الحقيقة أن علينا أن نكف عن جلد الذات.. ونضرب صفحا عن كل التقارير المغرضة التي تصف نظامنا التعليمي بالضعف.. والمؤشرات التي تزعم أن تلاميذنا وطلبتنا يفتقدون للتعلمات الأساسية المتعلقة بالقراءة والكتابة والحساب.
وعلينا أن نضع خطة وطنية طموحة لتصدير النجاح. تماما كما تفعل بعض الأنظمة التي تقوم بتصدير الثورة. لأننا الدولة الوحيدة في العالم التي ترتفع فيها نسب النجاح عندما تقع الكوارث والمشاكل، كما كان الحال مع جائحة كورونا والآن مع أضرابات الأساتذة.
كما أننا الدولة الوحيدة في العالم التي تتفرّج فيها الحكومة على إضرابات طلبة الطب والصيدلة طيلة السنة، ثم تدعوهم في نهايتها لاجتياز الامتحانات، التي سينجحون فيها بكل تأكيد، ثم الالتحاق بالمستشفيات لفحص المرضى ووصف العلاجات التي لم يتعلموها أصلا.
ليس في الأمر أية سخرية سوداء ولا بيضاء.
هذا واقعنا وعلينا أن نتقبّله ونطبّق نصائح خبراء التنمية الذاتية، لاستثماره بالشكل الأمثل.
على السيد وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، أن يلتفت إلى هذا المنتوج المغربي المبتكر. وعليه أن يسارع إلى تسجيل ملكيته الفكرية والصناعية، ويمنحه علامة “صنع في المغرب”. ثم يشرع في تصدير وصفة النجاح إلى باقي دول العالم. أنا على يقين أن حجم الصادرات سيتجاوز وبشكل فوري ما تحققه صناعة السيارات والفوسفاط…
لا أدري لماذا سيواصل وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، تعميم مشروع مدرسة الريادة. فقد حققت منظومتنا التربوية هذه السنة الريادة الفعلية بنجاح أكثر من 67 في المئة من المترشحين الذين اجتازوا امتحان البكالوريا؟
على العكس من ذلك تماما. علينا استدعاء سفراء الدول التي تزعم أنها متقدمة ورائدة عالميا في مجال التعليم، وعلى رأسها فنلندا. لنقدّم لهم النموذج المغربي المبتكر الذي يسمح للتلميذ بالحصول على البكالوريا دون حاجة إلى نصف السنة الدراسية، وتحقيق معدل يخوّله ولوج كلية الطب، ليقضي سنة كاملة خارج المدرجات و”أراضي التدريب”، ويشرع بعد ذلك في تقديم العلاجات للمرضى في المستشفيات.
هناك اختزال كاريكاتوري في ما أقول. لكنه ليس منفصلا كليا عن الواقع. علينا أن نتحلى فقط بالقدر الكافي من الشجاعة لننظر إلى الواقع كما هو.
الأجيال التي تدرس حاليا في المستوى الثانوي وجامعات الطب والصيدلة، هي التي ستتولى زمام المغرب خلال أقل من عقد من الزمن من الآن. وبالتالي يمكننا أن نتوقّع ما سيكون عليه حال البلاد في هذا المستقبل القريب، دون تبديد الوقت في نقاش البرامج والخطط والسياسات.
تذكرني هذه الثقة التي نتوجّه بها نحو مستقبل يبدو قاتما من الآن، بطموحات كبيرة، بتلك النكتة التي تقول إن شخصا فشل في الحصول على شهادة البكالوريا عدة مرات. وبعدما استنفد الفرص المتاحة أمامه كمترشح رسمي راح يترشح بشكل حر. لم يفلح رغم ذلك في الظفر بالشهادة (كان ذلك في زمن لم نكن فيه قد اخترعنا بعد وصفة النجاح الحالية). فإذا به بعد أكثر من عشر محاولات، يقدم على الانتحار مخلّفا رسالة يقول فيها: “لهلا يداويها لباباكم!”.
المسكين ورغم إمكانياته المعرفية والذهنية المحدودة، كان ينوي الالتحاق بكلية الطب بعد الحصول على البكالوريا. لكن الدولة والمجتمع لم يفهموا قصده فحرموا أنفسهم من طبيب ذو عزيمة وإصرار.
ورحم الله التلميذة صفاء، التي ماتت في ساحل آسفي يوم الامتحان