لمحاربة الفقر.. الكتاني يدعو إلى “تحضير البادية وعدم بلدنة المدن”
حل، أمس الخميس 17 اكتوبر 2024، اليوم العالمي للقضاء على الفقر، بعد 4 أشهر من نشر تقرير يكشف انخفاضاً عاماً على مستوى معدل الفقر المطلق في المغرب، من 4.8 في المائة سنة 2013 إلى 1.7 في المائة سنة 2019، في الوقت الذي تعيش فيه البلاد موجة غلاء مست أسعار جميع المواد الأساسية والتي كان لها تأثير كبير على القدرة الشرائية للمغاربة.
“وإذا كان عدد الفقراء في انخفاض فإن عدد المساكين يرتفع”، بهذه العبارة علق الخبير الاقتصادي عمر الكتاني على تقرير المندوبية السامية للتخطيط في يونيو 2024، موضحاً أن الفقراء بمعنى المواطنين الذين لا يجدون قوت يومهم، بينما المساكين هم المواطنون الذين يتوفرون على مدخول مادي لكن لا يكفيهم للعيش بالكرامة، حسب تعبيره.
ويرى الكتاني أن التضخم، والبطالة المنتشرة في أوساط تسمى الفئات المعوزة وتتجاوزها إلى الطبقة الوسطى عنصران أساسيان ساهما في الرفع من عدد “المساكين” في المغرب، مشيراً إلى أن التضخم “مس فئة كبيرة من الطبقة الوسطى التي أصبحت ضمن فئة المساكين”.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أن آفة الفقر مست الذين من بينهم من كانوا يصنفون في خانة المساكين، “والذين فقدوا وظائفهم أخيراً بعد إغلاق الشركات التي كانوا يشتغلون بها وعددهم بالآلاف، “وأصبحوا فقراء لأنهم لا يتوفرون على تغطية اجتماعية”، يضيف المتحدث مستحضراً حتى الفئات التي “تتمتع بتقاعد رمزي يطيل أمد فقرهم”.
واعتبر المتحدث ذاته، أن الوسط القروي يعد بشكل عام “مصدراً أساسي للفقر في المغرب”، بحيث يصدر سنوياً “عدداً من العاطلين ليشكلوا حزام الفقر المحيط بالمدن”، موضحا أن “الدولة تحاول محاصرة أحزمة الفقر هذه بإزالة أحياء الصفيح التي يتم إنشاء واحدة أخرى بدلاً عنها في الجوار”.
ولفت إلى أن الحل ليس هو نقلهم من منطقة إلى أخرى، “بل مساعدة هؤلاء المهاجرين من القرى إلى المدن من خلال حلول تساعدهم على الاندماج اجتماعياً في أماكنهم”، منبهاً إلى وجود مجموعة من المبادرات في هذا الصدد، إلا أنه عند إحصاء عدد المواطنين المستهدفين فيها “تظل مبادرات رمزية وليست فعالية”.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن هجرة الفقر من البادية إلى المدينة لا تتم معالجتها في البادية من قبل السلطات، حيث تتم المعالجة داخل المدن “وهذا نتيجة عدم الفهم” في الوقت الذي من المفترض أن تتوجه الدولة للبادية بشكل أساسي “لمعالجة مشكلة تصدير الفقر من البادية إلى المدينة، وذلك من خلال بناء مدن جديدة حضرية في البادية بهدف امتصاص عدد الشباب الذي لم يستطع الاندماج في القطاع الفلاحي”، منتقداً في الوقت نفسه اكتفاء الدولة بالسياسة الفلاحية في البوادي كأنهما جانبان لا يفترقان”.
وعد الكتاني التكوين المهني من أهم ما قد يساعد على محاربة ظاهرة الفقر بالمغرب، “بحيث يتم تعليم كل مواطن مهنة يكسب من خلالها قوت يومه في البادية التي تعرف موجة جفاف بين فترة وأخرى، تفقد على إثرها نسبة من المواطنين وضعهم كمشتغلين في الحقول، ما يدفعهم إلى الانتقال نحو المدن”.
ودعا المتحدث ذاته إلى ما سمّاه “تحضير البادية وليس بلدنة المدن”، وذلك من خلال الاهتمام بالشباب والمواطنين في البوادي لأنهم “لا يهاجرون إلى المدن إلا بعدما يكونوا قد فقدوا الأمل بالبادية”، حيث تتوفر المدينة على فرص شغل كثيرة في المطاعم والفنادق والخدمات وغيرها، لكنها تجاوزت حدودها في امتصاص البطالة، مشيراً إلى أن المُعدّين للنموذج التنموي “لا يفهمون هذا المعطى نظراً لتكوينهم خارج المغرب”.
وقال الخبير الاقتصادي عمر الكتاني إن وجود “هذا الوضع بعد 60 عاماً من استقلال المغرب يعد مخزياً”، مبرزا أنه من بين العناصر التي يمكن من خلالها محاربة ظاهرة الفقر في المغرب كذلك، هو محاربة تصدير الكفاءات والخبرات الوطنية إلى الخارج، وفي نفس الوقت تشجيع ودعم ساكنة البادية من أجل الاستقرار هناك، من خلال الاهتمام بالعالم القروي وتنميته.
وخلص المتحدث إلى أن التمويلات المصغرة يمكنها كذلك المساهمة في انتشال الفقراء من فقرهم والعاطلون من بطالتهم، وذلك عبر مساعدة عدد من من المواطنين لإنشاء مقاولات صغيرة، موضحا أنه “توجد مؤسسات تمويل لكنها تبقى غير كافية وإمكانياتها محدودة”.