لماذا دعم وزراء إسبان غزة ضدا في إسرائيل؟
أحدث وزراء إسبان قطيعة مع المواقف الرسمية الأوربية الموالية لإسرائيل، معلنين إدانتهم للعدوان الإسرائيلي على قطاعِ غزة بكلمات صريحة ومباشرة. تصريحات أثارت حفيظة إسرائيل التي احتجت ضدها عبر سفارتها في مدريد.
وزارة الخارجية الإسبانية اختارت الدفاع عن وزرائها وحقهم “في حرية التعبير”، متهمة تل أبيب ب”نشر الأكاذيب”.
في خلفية الموقف الإسباني الرسمي المدين لإسرائيل، مساندة أحزاب مشاركة في الحكومة للمقاومة الفلسطينية انسجاما مع خطوطها السياسية ودعم شعبي إسباني واسع للقضية.
صدمة إسرائيلية
في بيان شديد اللهجة، طالبت السفارة الإسرائيلية رئيسَ الحكومة الإسبانية المؤقتة، بيدرو سانشيز، بـ “الإدانة القاطعة” لمواقف شركائه في الحكومة، بعد أن انتقد بعضهم “جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة” و”الإبادة الجماعية المخططة” ضد الشعب الفلسطيني.
وأكد البيان الإسرائيلي أن “إسرائيل تدين بشدة التصريحات الأخيرة لبعض أعضاء الحكومة الإسبانية، الذين اختاروا الاصطفاف مع الإرهاب الذي يذكرنا بجرائم داعش”، بيدَ أن وزارة الخارجية الإسبانية ردت على البلاغ بشكل لا يقل صرامة عن البيان الإسرائيلي.
وقالت الخارجية الإسبانية إن “الحكومة الإسبانية ترفض بشكل قاطع، الأكاذيب المنتشرة في بيان السفارة الإسرائيلية، بشأن بعض أعضائها، ولا تقبل أبدا التلميحات غير المبررة حيالهم. يمكن لأي مسؤول سياسي التعبير بحرية عن مواقفه بصفته ممثلاً لحزب سياسي في ديمقراطية كاملة مثل إسبانيا”.
حماس ليست إرهابية
وابتعد مسؤولون كبار في حزب “سومار” اليساري المتطرف وحزب “بوديموس” عن التوجهات الرسمية في إسبانيا أو أوروبا عموما، حيث تجنبوا تصنيف حماس منظمةً إرهابية، واتهموا إسرائيل بالتخطيط لـ “إبادة” الشعب الفلسطيني.
وطالبوا إسبانيا، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي بالتناوب، إدانة الهجمات الإسرائيلية، وشاركت هذه الأحزاب في تظاهرة حاشدة يوم الأحد 15 أكتوبر الجاري، تضامنًا مع فلسطين وسط مدريد.
وكان رد وزيرة الشؤون الاجتماعية والأمينة العامة لحزب “بوديموس”، إيون بيلارَ، على بيان السفارة الإسرائيلية، قويا ومرسخًا لتوجهات اليسار في إسبانيا.
وقالت بيلار إن “حكومة نتنياهو ترتكب جرائم حرب في قطاع غزة، وقامت بقصف جماعي على الأهالي هناك، وتقطع إمدادات المياه والكهرباء، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية، إن الإعتراض على هذه الجريمة ليس إشادة بحماس، بل هو واجب ديمقراطي، والصمت عليه يعني التواطؤ مع الإرهاب”.
أما موقف سومار بخصوص “الاعتراف ” بالدولة الفلسطينية، فهو ضمن مطالبه لدعم استمرار سانشيز في الحكومة المقبلة. ما يرجح أن يزيد هذا، من التصادم الأيديولوجي الداخلي بين الكتل السياسية.
نبض الشارع الإسباني
ووضع استطلاع للرأي أجرته شركة استطلاعات الرأي يوغوف (YouGov) في ماي 2023 إسبانيا بين البلدان الأكثر تأييدًا للفلسطينيين، من بين كل الدول التي شملها الاستطلاع وبينها الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، والسويد، والدنمارك، وفرنسا، وإيطاليا والمملكة المتحدة.
وأبدى 69 بالمائة من المستجوبين في الاستطلاع تأييدهم للقضية الفلسطينية، ما يعني أن نبضَ الشارع الإسباني، يدق في اتجاه الضغط على إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، والشاهد تعرض السفيرة الإسرائيلية، روديكا- جوردن، للمنع من إلقاء محاضرة بمدريد في فبراير من هذه السنة.
ورقة سياسية
وتدعم حكومة سانشيز حلّ الدولتين، والذي تمت الموافقة عليه بالإجماع بواسطة البرلمان الإسباني في عام 2014، عندما كان ماريانو راخوي رئيسًا للحكومة، تماشياً مع القرارات المتتالية للأمم المتحدة.
وجدد الزعيم الإشتراكي، في مهرجان خطابي بـبلدة”ميريدا” غرب إسبانيا نهاية الأسبوع الماضي، تأكيد هذا الموقف.
بالمقابل، أكد سانشيز في غير ما مرة، إدانته الشديدة، للهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل، إلى جانب قتل الفلسطينيين وقتل مئات المدنيين، في خرق للقانون الدولي.
موقف سانشيز هذا دعمه خلال القمة في القاهرة، بلقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث أكد على” دعمه وتضامنه مع معاناة السكان في غزة، كما أن إسبانيا ستضاعف من حجم المساعدات الإنسانية والتعاون مع فلسطين، إن المستقبل نحو السلام يمر من حل يقضي بوجود الدولتين”.
وفي لقاء، أمس الثلاثاء 24 أكتوبر الجاري، مع السفيرة الإسرائيلية بإسبانيا روديكا راديان-جوردون، أكد موقفه من هجوم حماس وأبلغ السفيرة الإسرائيلية بضرورة “التركيز على حماية جميع المدنيين وتجنب كارثة إنسانية، والالتزام بإيصال المساعدات الإنسانية بكميات كافية وبشكل مستمر إلى الفلسطينيين”.
وفي سياق تحضير سانشيز للحكومة المقبلة، يلعب تحركه في هذه القضية الفلسطينية دورًا حيويًا في كسبه لمزيد منَ الأعداء، لكن أيضا أصدقاء جدد، ممن لديهم موقف ضد إسرائيل مثل بعض اليمينين، الذين نندو بالعدوان الإسرائيلي، وهذا بالتحديد قد يدعم موقفه في سياق تقييم توجهاته الخارجية.
علاقات سلسِلة
على الرغم من أن السنوات الأخيرة لم تخل من جدل، مثل إدانة البرلمان الكتالوني لـ “الفصل العنصري الفلسطيني” أو اعتقال الناشطة الإسبانية خوانا رويث، من قبل إسرائيل التي أطلق سراحها لاحقا، إلا أن العلاقة بين البلدين تسير بسلاسة.
ويشهدُ على ذلك سجل القطاع التجاري بين البلدين، حيث تجاوز في عام 2022، 3 مليارات أورو أي بزيادة 20 بالمئة، وتصدر إسبانيا حوالي 2.17 مليار أورو من السيارات، والآلات، ومنتجات عدة، بالإضافة إلى استيرادها للوقود ومود كيميائية، و استوردت ما يقرب من مليار أورو وفقًا لبيانات المؤسسة الإسبانية للتجارة الخارجية (ICEX).