story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

لماذا تأخر الردّ الإيراني؟!

ص ص

الضربة كانت في عقر دار إيران، في طهران، في إقامة تحت تصرف ومراقبة الحرس الثوري.. وقد كانت موجهة لاغتيال ضيف “قريب” من إيران، حليف في الشرق الأوسط، تحملت إيران مسؤولية حمايته داخل أراضيها. هذا ما يفسر غضب المرشد العام لدولة إيران، وهذا ما يفسر وعيده بالردّ لا محالة! أما صلاة علي خامنئي المرجع الشيعي الأعلى في إيران على جثمان إسماعيل هنية، فرسالة واضحة لـ”إسرائيل”.. هنية منا، و”علينا أخذ الثأر”! وقد عددت إيران أساليب ضغطها، بما فيها تلك التي جاءت على لسان حلفائها في المنطقة، والحديث هنا عن “حزب الله” في لبنان و”الحوثيين” في اليمن.

فخلال تشييع جثمان فؤاد شكر، الرجل الثاني في “حزب الله” اللبناني، قال حسن نصر الله الأمين العام للحزب إن الكيان الصهيوني عند استهدافه لاسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية؛ إنه بذلك قد تجرأ على “الجمهورية الإسلامية” ومسّ بشرفها.. وإن الردّ آت لا محالة! ولا ندري هل هي قراءة على الظاهر أعملها نصر الله في خطاب خامنئي، أم أن لديه معلومات تفيد الردّ العسكري، وربما هو طرف فيه وجزء من تخطيطه وتنسيق عملياته؟! أما الحديث عن “المس بالشرف” فقد حصل فعلا، إلا أنه قد يتحول في “عالم السياسة” إلى: رد عسكري بدرجة ما، بالإضافة إلى مكاسب أخرى على طاولة المفاوضات.

وبدوره، خرج عبد الملك الحوثي، رئيس جماعة “أنصار الله” اليمنية، ليقول إن “الرد أمر ضروري ولا نقاش فيه”.. ووجه خطابه للدول التي تحاول التخفيف من حدة الرد أو الحيلولة دون وقوعه، فتساءل عن الجهود التي تبذلها هذه الدول لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني.. وقد عبر بذلك عن تطابق في تأكيد الرد الإيراني بينه وبين حسن نصر الله. فإما أن ما صدر عنهما يمثل ضغطا إيرانيا على الفاعلين والمتدخلين في الملف، وإما أنهما يمارسان نوعا من الحرب النفسية والسياسية على الكيان الصهيوني، لإرباك حساباته وتمهيدا لاستهدافه والهجوم العسكري على أراضيه. وقد يستحيل “الخطاب التصعيدي” وسيلة من وسائل الضغط لقبول أمريكا وإسرائيل برد عسكري إيراني لا يثير حربا كبرى، لكنه يحفظ صورة إيران في المنطقة.

مرت خمسة أيام على الحدث -اغتيال هنية على الأراضي الإيرانية- دون ردّ من جانب إيران أو أحد حلفائها في المنطقة فاختلفت وجهات النظر بين: استنكار يرى أن إيران لم تستطع تأمين حليف لها على أراضيها، وأنها غير قادرة على مهاجمة “إسرائيل”؛ وترقب لردّ قريب وحتمي من إيران تصديقا لما جاء على لسان مرشدها العام؛ وتقدير للحدث في ميزانه الجيوسياسي والعسكري. وهذا الرأي الأخير هو الأسلم، لأن إيران دولة ويجب أن تقدر العواقب، بما فيها حرب إقليمية قد لن تخدم مصلحتها بالنهاية، وربما قد تعصف بطموحها ليس في مشروعها النووي فحسب، بل في استمرار نموذجها السياسي نفسه. قد تكون الحرب في الشرق الأوسط في صالح قوى دولية أخرى، إلا أنها لن تكون في صالح دول المنطقة على الأرجح. فقد تفرض عليها حربا لم تقررها، وقد تتنازع فيها مصالح بعض الدول العربية نظرا لاختلاف الواقع الجيوسياسي لكل منها، وقد تكون مدخلا لمشاكل داخلية في بعضها.

أما “إسرائيل” فقد سلكت ثلاثة مسالك: رفع التأهب الأمني والعسكري إلى حدوده القصوى، طلب الدعم والمساندة من واشنطن، وتحريض دول غربية على ممارسة نوع من الضغط على إيران وحلفائها في المنطقة. تلوّح “إسرائيل” بأنها على استعداد تام لحرب إقليمية، إلا أن أمريكا التي عززت دفاعاتها نبهتها إلى أن هذه المساعدة قد تكون هي الأخيرة، وطالبتها بالبحث عن إمكانية للاتفاق مع باقي الأطراف! هناك من يتحدث عن موافقة أمريكية على اغتيال هنية، لكن الإدارة الأمريكية تنفي. وحتى لو كانت هذه الموافقة صحيحة، فهي تختلف عن موافقة أخرى على حرب إقليمية تورّط واشنطن في حرب مكلفة كالتي في أوكرانيا. وذلك دون أن ننسى نوع السياسة الأمريكية المؤثرة حاليا في الشرق الأوسط، وهي سياسة تحقق الربح من الحرب، وهي أيضا نقيض لسياسة ترامب. التحدي إذن، هو تدبير مرحلة ما قبل ترامب بأقل الخسائر، في حين أن اندلاع “حرب كبرى” لا يخدم هذا الاختيار، وهو نفسه الاختيار الرسمي العربي.

الكل ينتظر رد إيران، ولا تستبعد “مصادر إسرائيلية” (حسب وسائل إعلام إسرائيلية) أن يكون ردّا منسقا بين كافة الفصائل ومتعدد الجبهات جغرافيا (شمالا، شرقا، غربا) ومجاليا (جوا، برا، بحرا). وهو ما تقول “وزارة الدفاع الإسرائيلية” إنها مستعدة له بكافة تطوراته، وتؤكد أن كل هجوم على “إسرائيل” سيدفع أصحابه “الثمن غاليا” (حسب تعبير “وزير الدفاع”). هذا ظاهر الأحداث، أما باطنها فيقول إن “إسرائيل” ما كانت لتقدم على ما أقدمت عليه دون استشارة واستعداد، بما في ذلك الاستعداد لسيناريوهات “الرد الإيراني”، وهل تستطيع إيران أن تنقله إلى “حرب كبرى”؟ وربما رجح عند الإدارتين الأمريكية و”الإسرائيلية” أن الرد الإيراني لن يتجاوز حدودا معينة، خاصة بممارسة ضغط عسكري وسياسي كالذي يمارَس اليوم.