story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

لا نستحق هذه “البهدلة” على شاشاتنا

ص ص

أصبح الحديث عن رداءة ما تقدمه التلفزة في جل قنواتها، خصوصًا في مواسم مثل رمضان، حديثًا متكررًا، فغالبًا ما يرافق الحديث عن الأعمال الرمضانية مشاعر الامتعاض والقرف، إذ يصعب تصنيف ما يُعرض ضمن إطار النقد الفني الجاد، وهذا ما يجعلنا أمام استياء شعبي واضح من هذه الأعمال، وهو استياء يمكن لأي متفرج رصده بسهولة دون الحاجة إلى متخصص في النقد الفني، أما النقاد والمتخصصون، فالله يعينهم على تحمل هذه الرداءة والتفاهة.

لا أقدم هنا نقدًا تفصيليًا للأعمال الرمضانية، فهناك أهل العلم والتخصص في هذا المجال، لكن من الضروري التذكير ببعض المفاهيم الأساسية ذات الصلة. قد لا يغير هذا الحديث شيئًا في واقع الحال، ولن يوقف السيتكومات التي يتقزز منها معظم المواطنين، والتي تُفرض علينا بمنطق نسب المشاهدة. كما أننا لن نتطرق إلى إعادة صياغة ذلك الخطاب المرتبط بالتلفزة من المال العام والضرائب.

لكن، بكل هدوء، دعونا نطرح بعض الأسئلة البسيطة: ما هو الضحك؟ ما هي الفكاهة؟ ما هو السيتكوم؟ وكيف بدأ ظهوره في المغرب؟ وهل هذا هو قدرنا حقًا؟

دون الخوض في نقاش شخصي حول أداء عدد ممن يحسبون في خانة الفنانين، ولا عن اقتحام مجال الفن من طرف هواة مواقع التواصل الاجتماعي، ولا نقاش الموهبة والتكوين، لكن كل من يجيد القراءة قد يبحث عن بعض المفاهيم. قبل سنوات، قدمت سلسلة “عالم المعرفة”، وهي مجلة ثقافية دورية، عددًا بعنوان “الفكاهة والضحك”.

يركز هذا الكتاب على استعراض المفاهيم المهمة في علم الضحك مثل مفاهيم: الفكاهة، والضحك، والابتسامة، وحس الفكاهة، والتهكم، والمحاكاة التهكمية، والنكتة، والدعاية، والكاريكاتير، والمفارقة… إلخ.

كما يتحدث هذا الكتاب ببعض التفاصيل عن موضوعات مثل: وظائف الفكاهة والضحك، فسيولوجيا الفكاهة والضحك، فلاسفة الضحك، علم النفس والضحك، الفكاهة والضحك عبر العمر، الفكاهة والضحك عبر الثقافات الإنسانية، الفكاهة والضحك في التراث العربي والإسلامي، الضحك والرواية، الضحك والفن التشكيلي، النكتة وبنيتها، المضحكون، أمراض الضحك والعلاج بالضحك، وغير ذلك من الموضوعات المهمة في هذا المجال.

ورغم أن ثمن هذه الدورية عشرة دراهم فقط، يبدو أن معظم مبدعينا في رمضان لم يقتنوها أو ربما تزين مكتباتهم إن كانوا يتوفرون على مكتبة دون أن يقرؤوا بعضًا من صفحاتها، التي لربما كانت ستفيدهم في تفادي شيء من بشاعة ما يقدمونه.

تعرف الفكاهة بأنها القدرة على تقديم مواقف أو أفكار بطريقة تثير الضحك أو التسلية، وغالبًا ما تكون مرتبطة بالمبالغة في تقديم الأمور أو التعامل مع المواقف بطريقة غير تقليدية، الفكاهة يمكن أن تكون من خلال الكلمات، الحركات، المواقف، أو حتى التعبيرات الوجهية، وهي تسعى إلى إضفاء جو من المرح والضحك على المتلقي.

أما السيتكوم، وهو حديثنا هنا، فهو نوع من أنواع المسلسلات التلفزيونية التي تركز على حياة مجموعة من الشخصيات في إطار ثابت ومحدد (مثل عائلة، أصدقاء، أو زملاء عمل)، تتسم السيتكومات بالحوار الساخر والمواقف الطريفة التي تنشأ من التفاعلات اليومية بين الشخصيات، السيتكوم يتميز ببنية ثابتة تعتمد على الإيقاع السريع، والتنقل بين المواقف المضحكة التي تنبني عادة على القيم الاجتماعية والثقافية.

بداية السيتكوم في المغرب كانت في سنوات التسعينيات، حيث شهدت هذه الفترة ظهور العديد من البرامج الكوميدية التي كانت تحمل طابعًا اجتماعيًا محليًا يعكس الواقع المغربي بطرق فكاهية، و السيتكوم المغربي في بداياته كان يتمثل في بعض البرامج التي كانت تُعرض على التلفزيون ، خصوصًا القناة “الأولى”، ولعل أشهرها “أنا وخويا ومراتو” وسلسلة “لالة فاطمة” على القناة الثانية، ومعهما بدأ الجمهور المغربي يكتشف نوعًا جديدًا من البرامج التلفزيونية التي لا تقتصر على عرض الواقع فحسب، بل تضفي عليه طابعًا كوميديًا ساخرًا.

ونظرا لحداثة التجربة، فكان من المتوقع أن تعرف نجاحًا، زد على ذلك أن القيمة الفنية للأسماء المشاركة فيها كانت تكفي لتقديم عمل محترم مقارنة بتلك الفترة وما يتوفر فيها من وسائل للترفيه والتسلية والضحك.

بعد البداية التي تحدثنا عنها، كان يُتوقع أن يعرف مسار السيتكوم تطورًا طبيعيًا، من خلاله تصبح الكتابة أكثر جودة، والأمور الفنية أكثر إتقانًا من حيث الصوت والصورة، لكن ما حدث هو العكس، و اخدنا مسار متراجع بشكل مستمر، خصوصًا في العشرية الأخيرة، إذ أن الأخطاء التقنية أصبحت مفضوحة للعامة قبل المتخصصين، والوجوه الحاضرة نفسها بشكل مبتدل، مع غياب نص أو سيناريو واضح، وبألوان وديكور وخلفية صوتية مزعجة، ليجد المتابع نفسه أمام ضجيج صوتي ومرئي غير مفهوم، مع الارتجال والعشوائية البادية للعيان، بل وغياب إشكالية أو قضية لهذه السيتكومات، بل غياب حتى مواقف مضحكة، أصبحنا أمام موسم من البشاعة، والتهجم على عيون وآذان المواطن المغربي في عقر داره من خلال التلفزة.

تفاعلا مع ما سبق، و بعيدًا عن الإجابات الفنية، والأسباب وراء كل هذا، والمسؤول عن قبول هذه الأعمال دون غيرها، والوضع الاجتماعي للمساهمين في كل هذا، كحاجة الفنان المادية للعمل، وسوق “السيتكوم” كفرصة موسمية لانتعاش هؤلاء، ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم، بل من زملائهم في بلدان أخرى؟

وهنا لا أتحدث عن مصر كمرجع فني في المنطقة بكل إمكانياتها الفنية، ولا عن الخليج كسوق فني بإمكانيات مالية كبيرة، ولا عن هوليوود وبوليود ونوليود، يمكن الالتفات فقط إلى جيراننا الذين يشبهوننا في كل شيء تقريبًا، لا أتحدث عن الجزائر حتى لا أدخل في أي بوليميك سياسي أو ما شابه ،و الذي قد يحدث في كل مقارنة مغربية جزائرية، بل أتحدث عن تونس ، التي تقدم أعمالًا في مجال السيتكوم خلال السنوات الأخيرة أفضل بكثير مما يقترفه هؤلاء هنا.

أذكر على سبيل المثال لا الحصر سلسلة “سوبر تونسي” التي تم عرضها السنة الماضية، سلسلة تفترض قصة خيالية مفادها أن تونس أصبحت دولة عظمى، اذ تستحضر السلسلة عددًا من المواقف مع شخصيات رؤساء دول عظمى مثل كيم جونغ أون وترامب، ولكم أن تتخيلوا ما يمكن إنتاجه من مواقف مضحكة في خضور مثل هذه الشخصيات والافتراضات تحكي باللهجة المحلية.

خلال هذه السنة كذلك، تقدم التلفزة التونسية سلسلة بعنوان “هريسة لاند”، التي تطرح إشكال الفساد في الإدارة التونسية، كالرشوة والموظف غير الملتزم، وذلك انطلاقًا من فرضية مفادها انتشار فيروس يزيد الذكاء والتحضر، بينما يلغي “التكركير”، و التكركير مصطلح تونسي يعبر عن انعدام الرغبة في العمل والتهاون في أداء المهام من قبل بعض الموظفين في الإدارة العامة.

فمن خلال مشاهد حضر فيها الكثير من الإبداع، لا من حيث زوايا التصوير أو تعبيرات الممثلين، كذلك من خلال تعبيرات الوجه أو الترميز، أيضًا الجنريك وجودة الصوت والديكور وغيرهم، كله جعلنا امام عمل محترم جدا، على الأقل إقليميا، بل إن باحثة تونسية في علم الاجتماع، كتبت مقالًا حول السلسلة بعنوان “محاولات لفهم الإدارة التونسية.. مسلسل ‘هريسة لاند’ نموذجًا”، بمعنى انه عمل له قدرة على تحريك باحثة للكتابة.

لا أتخيل مثلًا، أننا في المغرب يمكن أن نكتب شيئًا عن أعمالنا الرمضانية الحالية باستثناء الكتابة عن الامتعاض منها كما هو الحال في هذا المقال.

اعتقد من وجهة نظر المشاهد غير المتخصص، أنه لا ينقصنا شيء حتى نكون على الأقل في مستوى الجيران، لدينا معاهد تدرس المسرح والفن، لدينا فنانين بل قامات فنية تبدع، كثير منها خارج القنوات الرسمية، كما أن تاريخنا تاريخ الحلقة و”القجمة”، ولسنا أقل في شيء حتى ننتج مثل هذه الفضائح، نحن فعلا لا نستحق كل هذه البهدلة على شاشاتنا.