لا تجعلوا المنتخب حلبة لصراعكم !
الصفير الذي تعرض له مدافع الوداد البيضاوي جمال حركاس مع المنتخب الوطني في الملعب الشرفي بوجدة، طيلة المباراتين ضد منتخب إفريقيا الوسطى، كان سلوكا أقل ما يقال عن فاعليه أنهم “قلال التربية”، ومن المستحيل أن يصدر عن أشخاص وهبهم الله قليلا من التعقل والحكمة والترفع عن الصغائر.
يقولون في وجدة إن سبب الصفير هو حقد بعض جمهور المولودية على جمال حركاس الذي بحسبهم “تخلى” عن ناديهم في فترة عصيبة، وقرر الرحيل إلى الرجاء البيضاوي، وزاد وسجل في مرمى فريقه الأم واحتفل بالهدف !!
هل هناك حمقٌ وصلافة أكثر من هذا التبرير الغريب؟
كيف تتم مؤاخذة إنسان حمل متاعه وانتشر في أرض الله الواسعة بحثا عن رزقه وعن طريق يؤمن به مستقبله لما بعد نهاية مشواره الرياضي القصير؟ وكيف نلوم لاعبا محترفا يقوم بمهنته ويتفاعل مع تفاصيلها بالفرح والحزن والغضب؟
الأمر في الحقيقة مقرف ومغرق في التحامل وفي كل السلوكات المريضة، رغم أنه سلوك أصبح عاديا جدا بين جماهير الأندية في إطار الصراع الكروي بينها، عندما ينتقل لاعب ما إلى الفريق الغريم، ولكن في حالة حركاس يتعلق الأمر بالفريق الوطني الذي يصبح لاعبوه عندما تتم المناداة عليهم، ممثلين للوطن بكامله وينتهي عنده كل حديث عن الأندية وإنتماءات الجمهور إلى هذا الفريق أو ذاك.
ما وقع لجمال حركاس يجرنا بالضرورة إلى ظاهرة مريضة مشابهة أصبحت ترخي بظلالها على جل النقاشات حول الفريق الوطني، وهو استحضار الإنتماءات للأندية في الحكم على عمل الناخب الوطني وعلى أداء اللاعبين، في تغييب صارخ للموضوعية، وعدم التجرد من العواطف، ونقلٍ ل”مشانقات” البطولة الوطنية إلى المنتخب الوطني وتحويله إلى حلبة جديدة لتصفية الحسابات الكروية!!
فالوداديون اقتربوا من تقديس وليد الرݣراݣي ويهاجمون كل من انتقد طريقة عمله، فقط لأنه درب فريقهم لموسم واحد وفاز معه بلقبين، والرجاويون يقولون عنه “ما مدرب ما والو” وأنه يحابي لاعبي الوداد ويهمش لاعبي فريقهم، وهذا فقط لأنه المدرب السابق لغريمهم، لا أقل ولا أكثر.
ونفس الأمر ينطبق على اللاعبين عند مناقشة أدائهم وأهليتهم لحمل قميص الفريق الوطني، فأي لاعب سابق أو حالي للوداد، داخل المنتخب لن يتلق أي تشجيع أو تنويه بمستواه من طرف جمهور الرجاء، حتى ولو كان في أفضل حالاته، بالمقابل أي لاعب من الرجاء تمت المناداة عليه للمنتخب الوطني، لن يلق أي تنويه أو دعم من جمهور الوداد، وهكذا.. أما “الروينة” الكبرى، هي عندما تضم لائحة المنتخب لاعبين من الفريق الأول ويغيب عنها أي لاعب من الفريق الثاني، حينها لا يبقى هناك لا منتخب ولا هم يشجعون.
نقل صراع الأندية إلى المنتخب الوطني، هي ظاهرة جديدة في المغرب، أنتجها تنامي حدة المواجهات و”الشدان” والصراع بين جماهير هذه الأندية في المدرجات والشارع العام ومواقع التواصل الإجتماعي، ففي السابق في سنوات الثمانينات والتسعينات، لم يكن أحد يذكر ناديه على لسانه عندما يتعلق الأمر بالمنتخب الوطني.. كان المرحوم عبد المجيد الظلمي أول تصفيقات الإعجاب وهتاف التشجيع لإبداعاته يتلقاها من جمهور الوداد قبل جمهور الرجاء، وكان جمهور الرجاء يهتف لعزيز بودربالة أكثر من جمهور الوداد، وكان الأنيق محمد التيمومي يلقى احتراما كبيرا من جمهورهما معا قبل جمهور الجيش الملكي، الذي كان الراحل المهدي فاريا يدربه ويدرب المنتخب في نفس الوقت.. و”هانية” بدون اعتراض من أحد، طالما الأمر يتعلق بالفريق الوطني الذي يمثل جميع المغاربة.
وهكذا استمرت أمور المنتخب الوطني على نفس ترفع جماهير الأندية عن صراعها، عندما كان يلبس اللاعبون قميص “البلاد”، عند جيل التسعينات أيضا مع النيبت وروسي وأبرامي وبصير والطاهر وكماتشو والحضريوي وشيبو وشيبا، حتى ابتلينا خلال وقتنا الراهن بهذا الجدل المريض الذي يخلق الزوابع الفارغة ويشكل ضغطا لا طائل منه على محيط الفريق الوطني، ويتسبب في الجدل العقيم وغير الموضوعي في كل معسكر وكل مباراة.
المنتخب الوطني يمثل جميع من يحملون الجنسية المغربية بمختلف انتماءاتهم، ويجب أن يسمو فوق كل هذا العبث من فضلكم.