“لانينيا” وراء عودة الأمطار للمغرب.. خبير: يتوقع سنة زراعية واعدة
عزى محمد سعيد قروق، أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، موجة التساقطات المطرية التي شهدتها عدد من مناطق المغرب خلال الأيام الأخيرة، إلى ظاهرة “لانينيا” في المحيط الهادئ، التي بدأت تتبلور منذ شهر شتنبر الماضي.
وأوضح قروق أن هذه الظاهرة تُحدث آليات جوية متعددة تسمح بوصول الاضطرابات الجوية إلى المغرب، ما أسفر عن أمطار غزيرة ومبعثرة في مناطق مختلفة من البلاد، مضيفا أنه “من المتوقع أن يستمر هذا الوضع حتى تعود الأمطار إلى وتيرتها المنتظمة، لتُسهم في تحقيق سنة زراعية جيدة”.
لانينيا (La Niña) هي ظاهرة مناخية عالمية تحدث في المحيط الهادئ عندما تصبح مياهه أكثر برودة من المعتاد.
هذا التغيير في حرارة المحيط يؤدي إلى تغيّر كبير في حركة الرياح والضغط الجوي، وبالتالي يؤثر على الطقس في مناطق بعيدة جدًا
وأكد الخبير، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن هذه التساقطات نتجت عن تضافر الظروف الجهوية والمحلية، حيث إن المنخفضات الجوية التي تتشكل فوق المحيط الأطلسي تتجه نحو الجنوب نتيجة ضعف مرتفع الضغط الجوي عن المعتاد، ما يسمح بانزلاق هذه الاضطرابات نحو المغرب.
ويضيف قروق أن “الأمطار تعود عبر بؤر باردة من جهة ومنخفضات جوية من جهة أخرى، وهو ما أدى إلى هذه التساقطات المهمة”.
وحول إمكانية إنعاش الأمطار الأخيرة للفرشة المائية، أشار الخبير إلى أن هذه الأمطار سيكون لها أثر إيجابي على الفرشة المائية، مستدركا في الوقت ذاته أنها “لن تمتلئ بالكامل، نظراً لكون مستوياتها عميقة بسبب تعرضها للاستنزاف خلال فترة الجفاف”.
ومع ذلك يضيف، المتحدث، أن التوقعات تشير إلى انتعاش مهم في المخزون المائي، إلى جانب تحسن السدود واستفادة الفلاحة من هذه التساقطات.
ليست ضماناً لموسم فلاحي جيد
ومن جانبه اعتبر مصطفى بنرامل، الخبير المائي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، أن الأمطار المتساقطة خلال هذه الفترة من فصل الخريف تُعدّ نافذة أمل مهمة، لكنها ليست في حد ذاتها ضمانة لإنقاذ الموسم الزراعي.
وأوضح بنرامل في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أنه حسب نشرة حالة السدود الصادرة بتاريخ 14 نونبر 2025، سجّلت عدد من السدود مداخل مائية ملموسة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية بملايين الأمتار المكعبة، من بينها سدود يوسف بن تاشفين وأولوز.
واستدرك بالقول أن “هذا التحسن يبقى متفاوتاً، إذ لا تزال نسبة ملء عدد كبير من السدود دون 25%، ما يعني أن الأمطار الأخيرة رفعت بعض الاحتياطات المحلية لكنها لم تُعد التوازن على المستوى الوطني بعد”.
وأوضح المتحدث أن معدل ملء السدود وطنياً ظل قبل هذه التساقطات عند حدود 32% فقط خلال أكتوبر ونونبر 2025، وهي نسبة تبرز حجم العجز المائي مقارنة بالمعدل الموسمي المعتاد، مشيراً إلى أن أي تساقطات معزولة، مهما كانت غزيرة، لا تكفي لتعديل هذا العجز ما لم تتكرر في إطار سلسلة منتظمة من الهطولات.
وأضاف الخبير المائي أن الأمطار الأخيرة أسهمت في تعزيز مخزون بعض السدود خلال 24 ساعة، وهو معطى إيجابي يسهم في تخفيف الضغط عن المياه الجوفية والآبار، لكنه بالمقابل تأثير موضعي ومحدود زمنياً ما لم تُدعّم هذه المداخل بأمطار متواصلة تعيد تغذية الخزانات الجوفية وتضمن استدامة التزويد.
ولفت، في هذا الصدد، إلى أن المؤشرات المناخية المتوسطة والطويلة الأمد تُحذّر من استمرار اتجاه عام يتسم بارتفاع درجات الحرارة وطول فترات الجفاف، مقابل هطولات متقطعة وغير منتظمة، وهو مسار يجعل الاعتماد على أمطار ظرفية، غير كافٍ لضمان الأمن المائي والغذائي.
وشدّد بنرامل على أن الأمطار الأخيرة، رغم أهميتها، لا يمكن أن تنقذ الموسم الفلاحي بمفردها، داعياً إلى تبني تدبير مائي طارئ وموجّه، وترشيد فوري للاستهلاك في الفلاحة والبيوت مع تشجيع نظم الري المقتصدة للماء، إلى جانب تسريع عمليات تعبئة السدود الصغرى والحقن المدروس للفرشات الجوفية.
كما دعا إلى دعم الفلاحين بالمعلومات والتمويل الذي يتيح لهم اعتماد ممارسات زراعية مقاومة للجفاف، إلى جانب الاستثمار في البنى التحتية المائية مثل التحلية وإعادة تدوير المياه وترميم أحواض التجميع، إضافة إلى الحلول الطبيعية المرتبطة باستصلاح الأراضي وإعادة التشجير.
وخلص بنرامل إلى التأكيد على أن كل فترة مطرة تُعدّ خطوة إيجابية، لكنها في الوقت ذاته تذكيراً بضرورة الاستمرار في العمل، لأن حماية الموسم الزراعي والفلاحي عموماً تتطلب أمطاراً موزعة بشكل جيد وسياسات مائية مرنة واستباقية تواكب تحولات المناخ.
إجراءات للمواكبة
وكان وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، قد قدم عرضاً مفصلاً أمام مجلس النواب خلال جلسة الأسئلة الشفوية ليوم الاثنين 17 نونبر 2025، استعرض فيه أهم الإجراءات المعتمدة لمواكبة انطلاقة الموسم الفلاحي 2025-2026.
وأكد الوزير أن هذه الانطلاقة تمت مواكبتها بحزمة من التدابير الموجهة لدعم الإنتاج النباتي، وتعزيز صمود الفلاحين أمام المخاطر المناخية، وضمان استدامة الموارد المائية، مع إطلاق برامج كبيرة لإعادة هيكلة قطاع الماشية.
وأوضح البواري أن الوزارة برمجت حوالي خمسة ملايين هكتار من الزراعات الخريفية، من بينها 4.4 ملايين هكتار مخصصة للحبوب الرئيسية، كما تم توفير 1.5 مليون قنطار من البذور المعتمدة، بينها 1.2 مليون قنطار وفرتها شركة “سوناكوس” بأسعار تحفيزية للتخفيف من ارتفاع كلفة المدخلات على المستوى الدولي، مشيرا إلى أن دعم البذور هذه السنة شمل القطاني والأعلاف بهدف تعزيز دخل الفلاح وتوسيع القاعدة الغذائية الوطنية.
وفي مواجهة التقلبات المناخية، أعلن الوزير عن برمجة تأمين يغطي مليون هكتار في إطار التأمين متعدد المخاطر المناخية الخاص بالحبوب والقطاني والزراعات الزيتية، إلى جانب تأمين إضافي لـ50 ألف هكتار من الأشجار المثمرة.
وأضاف أنه تم تخصيص أكثر من 400 ألف هكتار للزراعة المباشرة هذه السنة، في أفق بلوغ مليون هكتار بحلول 2030، مع مواصلة تنفيذ البرنامج الوطني للريّ التكميلي للوصول إلى مليون هكتار مسقية تكميلياً خلال المدة نفسها. كما جرى، بتنسيق مع وزارة الاقتصاد والمالية، اتخاذ إجراءات لتخفيف العبء المالي عن الفلاحين، من بينها إعادة جدولة الديون وإعفاؤهم من الغرامات وتكاليف التأخير.
وبخصوص الموارد المائية، كشف الوزير أن مخزون السدود المخصصة للأغراض الفلاحية بلغ صباح الاثنين 17 نونبر 2025، 3.28 مليارات متر مكعب بنسبة ملء تصل إلى 28%، يتركز 70% منها في أحواض سبو واللوكوس.
وأشار البواري إلى أنه “أمام هذه الوضعية الهشة، يواصل القطاع تطبيق منهجية التقشف المائي عبر تحديد حصص مؤقتة من مياه الري لا تتجاوز 452 مليون متر مكعب، أي ما يمثل 8% فقط من الحاجيات السنوية للدوائر السقوية الكبرى”.
ولفت المسؤول الحكومي إلى إطلاق برنامج للريّ بحوض اللوكوس، “مع اعتماد إجراءات صارمة لضبط السقي في مناطق الغرب وتادلة وملوية وتافيلالت وورزازات، مع استمرار توقيفه في باقي الدوائر”.
وفي السياق ذاته، أعلن المسؤول الحكومي مواصلة الوزارة دعم الزراعة السكرية للوصول إلى 160 ألف هكتار نظراً لدورها الاقتصادي والاجتماعي، كما تستهدف برمجة أكثر من 100 ألف هكتار من الزراعات الخضروية.