لامين يامال.. الساحر الصغير

ص
ص
في شهر أبريل من عام 2019 حللت ضيفا على بلدة كطلانية صغيرة على ساحل كوسطا برافا تسمى ليسكالا، هناك تلقيت دعوة لحضور دوري وطني إسباني لفئات صغار أكاديميات كرة القدم التابعة للأندية المحترفة، كانت ريال مدريد وبرشلونة وفياريال وأتليتيكو مدريد وإشبيلية وجيرونا وفالنسيا وأندية أخرى قادمين بصغارهم للمشاركة في الدوري السنوي الأبرز الذي يتزامن مع عطلة عيد الفصح.
كانت أولى المباريات المبرمجة، صغار أكاديمية برشلونة “لاماسيا” ضد أكاديمية فياريال، ومع الدقائق الأولى لفت انتباهي طفل أسمر يلعب بيسراه بطريقة ساحرة ومتفوق بمسافة كبيرة على أقرانه داخل الملعب من حيث السرعة والمهارة والذكاء والثقة بالنفس.. سمعت مدربه يناديه ب”لامين.. لامين” ومن خلال الإسم تأكدت أن الطفل من أصول إفريقية وليس من أمريكا اللاتينية كما اعتقدت عندما فاجأتني مهاراته ومراوغاته وإبداعاته.
بعد نهاية المباراة، والطفل لامين يحظى بتصفيقات الجمهور الحاضر بعدما نال جائزة أفضل لاعب، أجريت اتصالا هاتفيا مع صديق مقرب من الفئات الصغرى ل”لاماسيا” لمعرفة تفاصيل أخرى عن هذه الموهبة الخارقة، كانت المفاجأة أن الولد من أصول مغربية من جهة الأب، ومن غينيا الإستوائية من جهة الأم، بالإضافة إلى تفاصيل كثيرة كانت تؤكد أن البارصا تمتلك جوهرة ثمينة للمستقبل وتحيطها بكل الرعاية والمواكبة لإيصالها إلى قمة المجد الكروي العالمي.
ضواحي برشلونة.. المولد والنشأة
في 13 من يوليوز من عام 2007 ولد لامين جمال نصراوي إيبانا داخل المستشفى الكبير لبلدة إسبلوغاس دي يوبريغات القريبة من برشلونة، من أب مغربي إسمه منير نصراوي وأم من غينيا الإستوائية إسمها شيلا إيبانا، كلاهما مهاجران جاء كل منهما بطريقته إلى إسبانيا من أجل البحث عن مستقبل أفضل من الذي تركاه في بلديهما.
منير الأب هو ثالث إخوته الذكور الأربعة والبنات الثلاث، سبعة أبناء استقدمتهم أمهم فاطمة من قرية صغيرة بين مدينة القصر الكبير والعرائش بالمغرب بعدما سبقتهم للإستقرار في إسبانيا قبل ذلك بسنوات قليلة للعمل في ضواحي العاصمة مدريد على رعاية رجل مسن توفي بعد وصولهم بمدة قصيرة، فانتقلت بأبنائها إلى إقليم كطالونيا واستقروا في ضواحي مدينة برشلونة.
بدورها أم لامين شيلا استقرت مع عائلتها في سن مبكرة في ضواحي المدينة العملاقة، بعدما هاجرت رفقة والديها وإخوتها من الدولة الإفريقية الوحيدة الناطقة باللغة الإسبانية، وفي بلدة إسبلوغاس عملت في مهن شاقة مختلفة وتزوجت بمنير نصراوي الشاب المغربي وأنجبت منه طفلها الأول، فوقع خلاف بينهما على تسميته وإنتهى الأمر بالإتفاق على إطلاق إسم ثنائي على الوليد.. لامين مستمد من بلد الأم إفريقيا الإستوائية، وجمال الذي تحول عند التسجيل في سجلات المستشفى إلى يامال، يرجع إلى بلد الأب المغرب.
لم يكمل لامين يامال سنتين من عمره حتى انفصل والداه، فعاش مع والدته شيلا في بلدة لاتوريتا القريبة من مدينة غرانويرس شمال ماطارو، حيث وجدت هناك وظيفة في مطعم للوجبات السريعة. وبعد سنتين عادت بطفلها واستقرت في روكافوندا الحي المتواضع المعروف باستقباله المهاجرين، والذي سيعيش فيه لامين معظم طفولته وهناك ستظهر مواهبه الخارقة في كرة القدم في ساحات الحي وملاعبه الكثيرة.
لاماسيا تنادي
بعض ممن عاشوا في حي روكافوندا بمدينة ماطارو ويعرفون الطفل لامين، يقولون إنه كان دائما يحمل كرة في يده ويتوجه إلى ملعب متواضع في الحي روكافوندا، وهو وجهة كل الأطفال الذين لا يستطيعون أداء رسوم التسجيل واللعب في الأندية المحلية.
لم يكن عمره يتجاوز 4 سنوات ونصف حين شجع منسق نادي لاتوريتا الإسباني إينوسينتي دينيز والدة الأمين جمال على تسجيله في ناديه.
ويحكي دينيز -الذي يعرف بلقب “كوبالا”- كيف أن والد الأمين كان يريد عرضه على نادي ريال مدريد، لكن مسكتشف المواهب الكروية إيسيدري جيل نصحه بالتوجه إلى نادي برشلونة.
كان الصبي يبلغ 7 سنوات في صيف 2014، عندما نجح في اختبارات أكاديمية لاماسيا التابعة لنادي برشلونة، وسجل 3 أهداف في أول اختبار وأعجب المدرب ديفيد سانشيز بمهاراته.
تدرّج الفتى في الفئات المختلفة بـ”لاماسيا”، وارتقى بشكل أسرع من بقية أبناء جيله، وسرعان ما برز واحدا من أفضل المواهب التي أنتجتها الأكاديمية الشهيرة، الشيء الذي أعطاه شهرة صغيرة في أوساط النادي وبدأ الجميع يشير إليه كواحد من المواهب الفذة التي ستصنع مستقبل البارصا في القادم من السنوات.
ومنذ انضمامه إلى “لاماسيا” حتى عام 2023 لعب لامين يامال 249 مباراة مع الفئات المختلفة داخل نادي برشلونة، 98 منها مع فريق “تحت الـ11 عاما”، و151 في “لاماسيا”، وسجل في مجموعها 357 هدفا، بحسب صحيفة “سبورت” الكطالانية.
وكان من هذه المباريات 50 مباراة في موسم عام 2023، لعب في 30 منها أساسيا، وسجل 7 أهداف، 5 منها في الدوري، وقدم 10 تمريرات حاسمة.
طفل في البارصا
تألق لامين في “لاماسيا” وحرقه للمراحل والفئات بشكل سريع وتطور بنيته الجسدية دفع المدرب تشافي هيرنانديز إلى استدعائه لخوض التداريب مع الفريق الأول لبرشلونة وهو بالكاد أكمل ربيعه الخامس عشر، وحتى قبل أن يوقع عقده الإحترافي الأول مع النادي.
كان ظهوره الأول في 29 أبريل/نيسان 2023، حين شارك بديلا لبابلو غافي في الدقيقة 83 من المباراة التي فاز فيها فريقه (4-0) على ريال بيتيس، حين لعب 10 دقائق فقط وقدم خلالها تمريرات حاسمة ساهمت في الأهداف الثلاثة في المباراة، ليصبح أصغر لاعب لبرشلونة يشارك في الليغا.
تشافي هيرنانديز خطط للموهبة الناذرة طريقا واضحا، ومنذ ذلك الحين بدأ الجناح الأيمن الصغير في صنع مكان له بالفريق الأول لبرشلونة، حتى أثبت نفسه لاعبا أساسيا بشكل منتظم في تشكيلة المدرب تشافي.
وفي 20 غشت 2023، شارك لاعبا أساسيا في مباراة ضد قادش وفاز فريقه (2-0)، فأصبح بذلك أصغر لاعب أساسي في الدوري الإسباني، وبعد ذلك بأسبوع لعب مباراة ضد فياريال وحصل على جائزة أفضل لاعب في المباراة.
أمام هذا التطور اللافت كان لابد لإدارة برشلونة أن تجدد عقد جوهرة النادي حتى 30 يونيو 2026، وبشرط جزائي قيمته مليار يورو، لتجنب إغراءات الأندية الأخرى، بعد أن كانت قيمته السوقية في 22 دجنبر 2023 تبلغ 60 مليون يورو، وصل المبلغ في تحديث بتاريخ 21 مارس 2024 إلى 75 مليون يورو.
وقد أصبح يدير مسيرته المهنية وكيل أعماله البرتغالي الشهير “خورخي مينديز”.
إسباني بدماء إفريقية
منذ أن برز في الفئات السنية لأكاديمية نادي برشلونة، كان لامين يامال في أولى قائمة اللاعبين الذين يتم استدعاؤهم للمنتخبات الوطنية الإسبانية أيضا ، حيث مر عبر منتخبات تحت 15 عاما و16 عاما، و17 عاما (وصيف بطل أوروبا) ولعب 21 مباراة.
ومع منتخب أقل من 21 عاما، ظهر لأول مرة لمدة 23 دقيقة فقط، في مباراة ودية ضد ألمانيا، وكان الأصغر في تاريخ “لاروخا”، بعمر 15 عاما و3 أشهر و13 يوما فقط.
في العاصمة المغربية الرباط خلال هذه الفترة كان يجري التخطيط ل”اختطاف” الجوهرىة الناذرة من إسبانيا وضمها للمنتخب الوطني المغربي بحكم أصول الولد من جهة الأب، وقد جرت لقاءات بين الناخب الوطني وليد الركراكي ولامين مرفوقا بوالده من أجل إقناعه بالإنضمام لتشكيلة أسود الأطلس، لكن الجامعة الإسبانية لكرة القدم مدعومة بمسؤولي البارصا ووالدته أيضا، نزلوا بكل ثقلهم من أجل الإبقاء على الولد حاملا لقميص المنتخب الإسباني، واستطاعوا تحقيق ذلك حيث كان أصغر الوافدين الجدد إلى المنتخب الأول بعمر 16 عاما و57 يوما، وبات أصغر من سجل هدفا بأول مشاركة له مع “لاروخا” ضد جورجيا.
شارك في 7 مباريات، 4 منها في تصفيات كأس الأمم الأوروبية، و3 مباريات ودية دولية، وقدم 4 تمريرات حاسمة، فتم استدعاؤه لتشكيلة يورو 2024.
رغم صغر سن اللاعب الذي ولد قبل 3 سنوات من فوز إسبانيا بكأس العالم لأول مرة، أصبح أحد أهم لاعبي فريق المدرب “دي لا فوينتي” في البطولة الأوروبية الحالية.
وبمجرد إطلاق صافرة البداية في أول مباراة شارك بها في يورو 2024، دوّن نجم برشلونة الواعد اسمه في تاريخ الحدث الأوروبي الكبير بصفته أصغر مشارك يلعب أساسيا، وسيبلغ عامه الـ17 قبل يوم واحد من المباراة النهائية، التي تطمح إليها إسبانيا.