كيف تتحول الأمطار الغزيرة التي تهطل في وقت وجيز إلى كوارث مميتة؟
مع تزايد حدة الفيضانات بعدد من مدن المغرب، آخرها بمدينة آسفي، حيث تهطل الأمطار بغزارة خلال فترة زمنية وجيزة، لكنها سرعان ما تتحول إلى سيول جارفة تخلف خسائر بشرية ومادية جسيمة، يطرح التساؤل حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة.
وفي تفسيره للأمر، يوضح الخبير البيئي مصطفى بنرامل أن التغير المناخي العالمي هو العامل العلمي الرئيسي في زيادة الفيضانات بالمغرب، موضحًا أن التقلبات الحادة في الطقس تجاوزت الإيقاع الموسمي الطبيعي، بحيث لم تعد الأمطار تتوزّع بشكل منتظم مع فصول السنة، بل أصبحت تأتي على شكل نوبات من الأمطار الغزيرة وغير المتوقعة.
ويضيف بنرامل في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن هذه الأمطار الكثيفة في فترات قصيرة تزيد من خطر تشكّل السيول والفيضانات لأنها تتجاوز قدرة التربة وشبكات التصريف في امتصاص المياه.
ويشير الخبير إلى أن المغرب يشهد تغيرًا في توزيع التساقطات، بحيث تسقط كميات كبيرة من الأمطار في فترة قصيرة، مما يجعل المناطق التي لا تعتاد على مثل هذه الكميات عرضة لخطر الفيضانات، خاصة إذا كانت البنية التحتية غير مجهّزة للتعامل مع هذا الضغط المائي.
كما يبرز أن الأمطار الغزيرة، عندما تهطل في فترة قصيرة، تفوق قدرة التربة على امتصاص المياه، إذ لا تستطيع التربة المشبعة بسرعة استقبال المزيد من الماء، فيتجمع على السطح، مما يؤدي إلى تكوّن السيول السريعة التي تجرف كل ما يعترض طريقها من مركبات، أشجار، وحتى مبانٍ ضعيفة البنية.
ويلفت بنرامل إلى أن ضعف البنية التحتية لشبكات تصريف المياه في المدن والقرى يزيد هو الآخر، من خطورة هذه الأمطار، إذ تصبح المجاري القديمة أو غير المصممة للتعامل مع كميات كبيرة من المياه عاجزة، ويؤدي انسدادها إلى تجمع المياه في الشوارع والأحياء السكنية، مهددة حياة السكان والممتلكات.
وفي المناطق الجبلية، يشير الخبير إلى أن الأمطار الغزيرة تحفّز الانهيارات الأرضية والانزلاقات الطينية، إذ تتحرك كتل التربة والصخور بسرعة مع مياه الأمطار، مسببة دمار المنازل والطرق والمزارع.
ويضيف بنرامل أن الاستجابة للأمطار المفاجئة صعبة، لأن هطولها يكون مفاجئًا وغير متوقع في بعض الحالات، وهو ما يجعل الأمطار الغزيرة تتحول إلى كوارث مميتة بسرعة، حتى في المدن الكبيرة التي تبدو أنها مجهزة ببنية تحتية لمثل هذه التساقطات.
ورغم أن السبب العلمي لهذه الظاهرة يعود أساسًا إلى التغيرات المناخية، فإن ذلك لا ينفي، بحسب المتحدث، الدور المتزايد للعوامل البشرية، التي باتت تشكل بدورها عنصرًا حاسمًا في اضطراب المناخ، من قبيل التوسع العمراني السريع، والاستهلاك المكثف للوقود الأحفوري، وتراجع الغطاء النباتي.
ويؤكد الخبير في هذا السياق، أن تدهور الغابات وتراجع التشجير في المناطق الجبلية يضعف قدرة التربة على امتصاص المياه، ما يفاقم مخاطر الانجرافات الأرضية، مضيفا أن الاستغلال المفرط للأراضي الزراعية وتراجع الغطاء النباتي يساهمان في تسريع تدفق المياه نحو المدن والمناطق السكنية، مما يزيد من حدة الفيضانات وحدّة آثارها.
وفي غضون ذلك، قدم بنرامل توصياته للتقليل من خطورة مثل هذه الكوارث الطبيعية، على رأسها، ضرورة تحديث شبكات تصريف المياه ومجاري السيول في المدن والقرى، لتكون قادرة على استقبال كميات كبيرة ومفاجئة من الأمطار، مقترحا أيضًا إنشاء سدود صغيرة وخزانات احتياطية في المناطق المعرضة لتجمع المياه، لتقليل خطر الانجرافات والسيول.
وأكد أن التخطيط العمراني الجيد هو مفتاح الوقاية، وذلك عبر منع البناء في المناطق المهددة بالفيضانات والانهيارات الطينية، وتوسيع المساحات الخضراء والحدائق التي تمتص مياه الأمطار.
إلى جانب ذلك، يرى المتحدث أن تعزيز نظم المراقبة الجوية وتحذير السكان في الوقت المناسب من أهم الإجراءات الوقائية أيضا، إذ دعا لتطوير تطبيقات ذكية، بحيث تتمكن السلطات والمواطنون من اتخاذ الإجراءات الضرورية قبل وصول السيول.
وفضلا عن استعادة الغابات والتشجير والحفاظ على الأراضي الزراعية والغطاء النباتي، شدد بنرامل على أهمية تثقيف المواطنين حول المخاطر وكيفية التعامل مع الفيضانات.