كم نشتاق إلى مصطفى العلوي!
آه كم نشتاق للأستاذ مصطفى العلوي المذيع ومقدم الأخبار الشهير، نشتاق إليه ليُرينا ما لا نراه.. ويشرح لنا ما لا نفهمه..
نشتاق إليه ليرشدنا إلى حيث توجد مشاريع النماء والازدهار، لأننا لا نراها بسبب الحقد الذي أعمى أعيننا..
آه كم نشتاق إليه ليقول لنا أن تجاوز مديونيتنا لمائة مليار دولار، بما يوشك أن يعيدنا لبرنامج التقويم الهيكلي، ليس سوى إشاعة..
وليشرح لنا كيف صار اقتصادنا يسير بلا بوصلة، وكيف انتقلنا من التخطيط الاقتصادي إلى الاقتصاد التخطيطي وسياسة المخططات الملونة.. خضراء وزرقاء..
وكيف تم تدمير فلاحتنا، وبيع بذورنا التي كانت تتجدد كل عام، واستبدالها بتلك التي لا تنبت سوى مرة في العمر..
نشتاق إليه ليشرح لنا كيف سيطر “رباعة” من تجار الريع على كل أنواع التجارة في بلدنا.. واحتكروا كل شيء..
آه كم نحتاج إليه ليوضح لنا أن وجود أكثر من ثلاثين برلمانيا، والعديد من المسؤولين المنتخبين وغير المنتخبين وراء القضبان، بسبب الفساد والعبث بمؤسسات الدولة ومصائر الناس وأرزاقهم ليس سوى حادثا عرضيا وأمرًا لا يستحق الاهتمام..
وكم نحتاجه اليوم ليقول لنا أن فشل مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، واستمرار الفقر، وفشل البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم، واستمرار الجهل، وذهاب ملايير الدراهم أدراج الرياح وانتهائها في حسابات خاصة ليس أمرًا مكلفا..
وأن فشل تقرير الخمسينية، وبرنامج الإنصاف والمصالحة، وتعثر الدستور الجديد في خلق مغرب سياسي واجتماعي جديد، ليس أمرًا يستحق الاهتمام..
آه كم نحتاجه ليُهدئ من روعنا بسبب الفشل الذريع في الولوج إلى الحداثة فكرا وممارسة، ويبدد مخاوفنا من مخاطر صراع عرقي بين العرب والأمازيغ، وبين الإسلاميين والحداثيين، وبين المرأة والرجل، بسبب تناحر الأجندات، وتفاقم مخاطر التفكك الاجتماعي ثم السياسي بسبب ذلك ليست سوى أوهام من نسج خيالنا..
وكم نحتاج للأستاذ مصطفى ليحول تركيزنا نحو مشاريع النماء والرخاء، عوض الخوض في مراكز الترتيب المتدنية التي صرنا نحتلها في التعليم والصحة وجودة العيش والعدالة الاجتماعية..
وليقنعنا بأن الملايير التي تم تبذيرها على إصلاح التعليم وتأهيل الوظيفة العمومية والارتقاء بالمؤسسات لم تذهب أدراج الرياح..
وكم نحتاجه ليذكّرنا بأن الاختلالات المرعبة في توزيع الثروة ليست مرعبة حقا وإنما هي قدر إلهي لا يجب التذمر منه.. وأن قفز أبناءنا في البحر ليس سوى حبا للسباحة وتحد للأمواج.. وأنه لا ضير من إسناد المسؤولية لـ”الفاسدين” خلال فترات الرخاء لأن دور “ولاد الناس” لا يأتي إلا حين يتعقد كل شيء ونصبح على أبواب الهاوية والسقوط..
نحتاج الاستاذ مصطفى ليشرح لنا لماذا يتم بيع الشواطئ والصحاري للخليجيين “حتى لا تبقى خالية مهجورة”.. ولماذا تبيع بعض نساءنا أعراضهن رخيصة في الخليج..
ولماذا لا نرى كل الانجازات التي كان سيراها الأستاذ مصطفى العلوي لو تناول الكلمة اليوم بيننا..
نحتاجه ليَرقينا ضد هذا العمى وهذا الحقد الذي أصابنا حتى لم نعد نرى كل ما يراه من جمال.. لأن الذين ورثوا مكانه بعده فشلوا في “علاجنا ” من الأوهام..
ونحتاجه ليقول لنا بأن ما يتعرض له الشباب والطلبة والأطباء والأساتذة والمحامين والأئمة والصحافيين وغيرهم ليس سوى عملية لإعادة التربية حتى يستقيموا على الطريق..
ولماذا صار الشذوذ حرية وصارت الحرية شذوذا.. والتفاهة كفاءة والكفاءة تافهة وتفاهة..
نحتاجه ليشرح لنا كيف سقطت صناديق التقاعد والمقاصة وتكاثرت الصناديق السوداء..
نحتاجه ليطمئننا على مصير وحدتنا الترابية بعدما صارت مرتهنة لاعتراف من يحتاج للاعتراف.. وكيف فقدنا توازننا الاستراتيجي بين الشرق والغرب، وصرنا طرفا في صراع لن ينالنا منه سوى المزيد من التبعية والصراع..
وكيف أفرغ ذلك عودتنا إلى الاتحاد الإفريقي من طموحها..
آهٍ كم نحتاج الاستاذ مصطفى العلوي ليسعدنا من جديد..
وكم نحتاج لأن يستنسخ لنا نفسه.. فنحن تائهون، متوهمون، تحاصرنا الأسئلة ونفتقد الجواب.. ونفتقد السعادة ونفتقد الاطمئنان.