story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

كرين يكتب: لا أسف على الأسد.. والده باع جنود المغرب في الجولان

ص ص

صحيح أنه لاشيء في إرث سلالة حافظ الأسد، أو من كان يسميه الحسن الثاني رحمه الله ب” الحيوان البارد” يشفع له لدينا حتى نبدي أسفنا عليه، وهو الذي باع الجنود المغاربة الذين ذهبوا للدفاع عنه في الجولان، وهو الذي تآمر مع آخرين على زعزعة استقرار المغرب أكثر من مرة …ولكن ما يهمنا هنا ليس المستوى العاطفي في التعاطي مع ما يحدث هناك، بل تهمنا المقدمات والمآلات الإستراتيجية لهذا الأمر ، بما يعني القدرة على تجميع وتركيب أجزاء العملية برمتها وخاصة في جانبها الدبلوماسي، وثانيا القدرة على التقاط وفهم اللغة الدبلوماسية التي تتخفى وسط تصريحات قادة الدول الأساسية الأطراف في ما يجري.
ودعونا نبدأ من تصريح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قبل أيام، والذي يبقى تصريحا غريبا جدًا، إلى أن نضعه في مكانه من الصورة، وقد قال ترامب بالحرف “أمريكا لا تريد أن تكون طرفا في ما يجري في سوريا “…تصريح غريب جدًا، من طرف دولة يعتبر التدخل في الشرق الأوسط والعالم، سمتها الرئيسية، تصريح يعني منطقيا بأن ترامب يرد على طرف ما وأن أمريكا قد دُعيت لتكون طرفا في هذه الأحداث وأنها شهدت المفاوضات المتعلقة بالإعداد والتخطيط لهذا الأمر ولكنها لا ترى لها، حاليا على الأقل، مصلحة في الانخراط المباشر في الأحداث. طيب واشنطن دعيت متى ومن طرف من؟ هذا في ما يتعلق بأمريكا، التي رغم تصريح ترامب، تبقى طرفا متواجدا على الأرض، دون أن يعني ذلك انخراطا مباشرا في العمليات الجارية …فماذا بالنسبة لروسيا؟
يتساءل الكثيرون عن الدور الروسي في سوريا في ظل الأحداث الجارية، وجوهر السؤال هنا هو: لماذا لم تحم موسكو بشار الأسد ولم تساعده على البقاء في السلطة وقد كانت قادرة على ذلك كما فعلت سابقا، ولا يدرك هؤلاء بأن بشار الأشد شخصيا لا يهم روسيا وأنها انتهت منه بل وسلّمته (سياسيا طبعا) وكانت استضافة روسيا لعائلته ( زوجته وأبنائه) قبل أسبوع مؤشرا ناصعا على ذلك، إننا نتكلم هنا عن دولة نووية عظمى وطرفٍ أساسي في تشكيل خريطة العالم قيد الولادة، ولكن بشار لا يهمها ولم يكن يوما مهما لروسيا لثلاثة أسباب:
أولها: لأن موسكو تعرف أنه، بسبب ما اقترفه، يعتبر منتهي الصلاحية وأنه أقرب إلى مجرم حرب منه إلى رئيس دولة، وهو كذلك بالفعل، وبالتالي لا يمكن لروسيا بأي شكل من الأشكال المراهنة عليه على المدى الطويل في عملية ترتيب خريطة الشرق الأوسط الجديد، بينما تريد أن تتواجد بشكل طويل الأمد بالمنطقة.
ثانيها : لأن روسيا حين أرادت تحقيق مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة احتاجت لبشار الأسد المريض والخائف والضعيف وربما الضعيف جدًا، لأنه في تلك الحالة فقط كان يمكنها أن تضمن ولاءه وخضوعه وتوقيعه على تنفيذ استراتيجيتها ومصالحها في المنطقة ومنها إضفاء الشرعية على تواجدها العسكري.
ثالثها : لأنه، كما قلنا، ما تحتاجه روسيا هو ضمان شرعية تواجدها العسكري في سوريا بشكل عام وعلى ضفاف شرق البحر الأبيض المتوسط بشكل خاص وهو ما تم لها من خلال تواجدها على ميناء طرطوس بتوقيع شخصي من بشار الأسد الخائف الضعيف وطلب مسبق من “الحكومة السورية الصورية”.
وباستثناء ذلك، فإن نظام “الحيوان البارد” لم يعد يستحق الدفاع عنه من طرف موسكو التي قد تحتفظ به فقط كورقة تفاوض احتياطية لاحقة في إطار الترتيبات المتعلقة بالمرحلة المقبلة.
وقد يتبادر إلى الذهن حاليا سؤال : ألا تخشى روسيا بعد سقوط نظام الأسد من مطالبة أسياد دمشق الجدد لها بمغادرة سوريا وتفكيك تواجدها العسكري بميناء طرطوس؟
الجواب هنا جاء من خلال الطرف الثالث والمحوري في هذه العمليات، ويتعلق الأمر بالثعلب التركي.
إن ما تسرب عن الاتصالات الوثيقة بين بوتين وأردوغان حول الوضع في سوريا، وهي اتصالات قديمة نسبيا بما يكفي بالمناسبة، جاء فيها من خلال التصريحات الاعلامية المتوالية للرئيس أردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان، أن أنقرة تعمل مع “كل الأطراف الفاعلة بسوريا” من أجل استتباب الأمن وأنها تدعو إلى “ضمان مشاركة ومصالح كل الأطراف الفاعلة على الساحة السورية في بلورة مستقبل البلاد”. في لغة الدبلوماسية هذا يعني أن الرئيس القادم لسوريا سيوقع على واقع معروف مسبقا، وأن تركيا تنسق العملية المتعلقة باقتسام النفوذ وتوزيع الضمانات في سوريا ما بعد الأسد وأن روسيا قد حصلت بالفعل، كغيرها من الأطراف، على ضمانات من تركيا ومن الفصائل التي أسقطت نظام الأسد، تتعلق باستمرار تواجدها العسكري على المدى المنظور في المنطقة، وهو ما يعيدنا إلى تصريح ترامب الذي اعتبر فيه بأن أمريكا لا تريد أن تكون طرفا في ما يجري، وما يجب أن نفهمه من تصريح ترامب الآن هو أن واشنطن، التي تظل متواجدة على الأرض، وطرفا في المعادلة الجديدة بدمشق، لا ترى داعيا لأن نكون طرفا في الأحداث الساخنة الجارية، وبلغة أوضح فإن واشنطن لا تعترض على استمرار التواجد الروسي بالمنطقة، وأن التنسيق بين بوتين وترامب قد بدأ بالفعل ولكن ليس من أوكرانيا كما كان منتظرا بل من دمشق وبالتالي فقد صار مفهوما كخلاصة ومع توالي الأحداث أن موسكو كانت منذ البداية طرفا، ولكن طرفا حذرا في ما يجري، وأنها أعطت الضوء الأخضر لحدوث ما حدث طالما أنه يضمن مصالحها ولكن أيضا لأن ذلك كان هو الخيار الاستراتيجي الأفضل بالنسبة لها.

في الجزء الثاني سنتكلم عما قد يحدث من الآن فصاعدا، عن الرابحين والخاسرين في العملية برمتها، عن إيران وإسرائيل والفصائل المسلحة وميزان القوى والمخاطر المحيطة بالمنطقة بسبب الوضع الجديد.