story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

كرنفال سياسي مزيف.. “أو عندما تكتري الاحزاب جماهيرها”

ص ص

على هامش واقعة التجمع الجماهيري بمدينة الداخلة ، التي حاول من خلالها الحزب الاغلبي استعراض قاعدته الجماهيرية بمدينة تتمتع بتكثيف دلالي كبير ، قبل ان يكون لمكر السياسة رأي اخر ، حيث ابى هذا الأخير الا ان يفضح زيف الادعاء، عبر بعض الفيديوهات التي كشفت كيف تم اكتراء المواطنين لصناعة كرنفال سياسي مزيف وتجمعا جماهيريا مصطنعا ، خصوصا وأن صناعة الفرجة الحزبية ليست غريبة عن هذا التجمع الحزبي .

لقد برزت هذه الظاهرة في النسق السياسي والحزبي المغربي في خضم التحولات السياسية التي شهدها المغرب وأصبحت لصيقة ببعض الاحزاب التي لم تخرج من رحم الشعب بولادة طبيعية ومشروع مجتمعي، اذ في ظل التنافس السياسي المتصاعد والصراع المحتدم ، تمت معاينة لجوء هذه التجمعات الحزبية (خصوصا ما اصطلح عليها بالأحزاب الإدارية ) إلى “اكتِراء” جماهير ، و توظيف أفراد مقابل مقابل مادي أو امتيازات، أو اغراءات اخرى ، من قبيل (شرييل او دراعية أو بلغة …) ، لحثهم على حضور التجمعات الحزبية ، المظاهرات ، و تأتيث كرنفالات ابراز العضلات الحزبية ، أي اللجوء الى جماهير كومبارس لتأدية دورها اللحظي والانصراف . مثلما يتم اغراؤهم بالمال للتصويت، بهدف إظهار قوة شعبية وتموقع سياسي غير موجود فعليًا.

إن هذه الممارسة تثير تساؤلات عميقة حول مصداقية الأحزاب في وجودها ونشأتها ومسار تطورها ، قبل فحص خطابها السياسي ومشروعها المجتمعي ، كما تعكس واقع الديمقراطية التمثيلية ببلادنا وتوازن القوى بين الأحزاب والدولة والمجتمع . ما يعني أن المسألة تتجاوز ذلك الى طرح أسئلة جذرية حول خصائص الظاهرة الحزبية المغربية وحاضنتها الشعبية .

فعندما يتباهى حزب اغلبي بتجاوز المليون صوت انتخابي ، ويتحمس اعضاؤه خطابة أمام جماهير لا صلة لها بحزبهم ومشروعه السياسي ، يجعلنا ذلك نتساءل عن الجدوى من الممارسة السياسية ببلادنا، وعن الأسباب التي تدفع هذه الأحزاب الى كراء جماهير لتأدية أدوار معدة سلفا في ملحمتها الخطابية ومهرجاناته ” الشعبية ” !!!!. والأمر كذلك بالنسبة لاستعارة مؤثرين وفنانين لإظهار قاعدة شعبية موهومة أو محاولة استمالة بعضها . علما أن المسؤول الخزبي يعي جيدا في قرارة وعيه أنه نبتة حائطية في النسق الحزبي ، لا عمق له ولا جذور.

وهو ما يعجل بطرح السؤال التالي ، ما الذي دفع حزب التجمع الوطني للاحرار إلى كراء جماهير لتأثيت تجمعا حزبيا وصناعة ملحمة سياسية زائفة ؟ .

نقول على مستوى الإجابة :

أولا: أن دوافع الظاهرة لديه مرتبطة ب :

  1. ضعف القاعدة الشعبية: فالحزب فشل في التحول إلى حزب جماهيري منذ نشأته كتجمع غير متجانس من خلال إقناع المواطنين ببرامجه أو قياداته ، أو صياغة مشروع مجتمعي جاذب أو من خلال بناء نخب سياسية وحزبية عبر التنشئة السياسية لها القدرة على استقطاب الجماهير ، لذا فهو حافظ على اسس النشأة باعتباره حالة حزبية مصطنعة ، مما يبرر لجوء الحزب إلى وسائل بديلة لتجميل صورته ، منها “شراء الحشود” .
  2. التهافت الإعلامي: في عصر الوسائط الاجتماعية وثقافة ” الديزاين” وهيمنة الصورة ودلالتها السيمائية سياسيا. أصبحت الحشود مقياسا مهما لنجاح الحملات، (تجمع الداخلة حملة سابقة لاوانها ) ، مما يدفع البعض إلى اصطناع واحداث نوع من البهرجة الشعبية لاستمالة المترددين أو استقطاب الانتهازيين أو رسم صورة القوة التي تستقطب الباحثين عن التموقع .
  3. ثقافة الزبونية: فشل التجمع في بناء معمار حزبي حقيقي يقوم على قيم سياسية ونضالية واضحة وبيئة منتجة للوعي السياسي ، ومحفزة
    لحس المواطنة، وبالتالي يصبح التحشيد مقابل المال أو الامتيازات أمرًا عاديًا ومقبولًا لدى البعض وهذا لمسناه كذلك في الحملات الانتخابية ونجزم انه أصبح مكونا في الثقافة السياسية السائدة داخل التنظيم الحزبي .

ثانيًا: ماهي الآثار السياسية والاجتماعية لهذه الظاهرة ؟

  1. تجريف وإفراغ العمل السياسي من مضمونه ، حيث يتحول النشاط السياسي إلى استعراض شكلي بلا جوهر، ويغيب النقاش الجاد حول السياسات . وتنتعش خطابات تمجيد الزعيم والتزلف اليه عوض مساءلة المنجز السياسي .
  2. تشويه الديمقراطية: من خلال ممارسة تضليل الجماهير والإعلام معا ، ما يؤدي إلى نتائج انتخابية أو سياسية لا تعكس الإرادة الحقيقية للمواطنين ، وتعميق الفجوة بين السياسة والمواطنين وتآكل منسوب الثقة بينهما .
  3. اضفاء المصداقية على ثقافة الريع السياسي وترسيخها : حيث تتحول السياسة إلى مجال للتكسب الشخصي، بدلًا من كونها وسيلة لتحقيق المصلحة العامة.

ثالثًا: من يتحمل المسؤولية في اتساع ظاهرة كراء الجماهير؟ وكيف نواجهها ؟

نعتقد جازمين أن المسؤولية جماعية، فالأحزاب حين تعجز عن بناء قاعدة جماهيرية حقيقية، على قاعدة اطروحة سياسية تتجه إلى الحلول السهلة والمضللة.

  • الدولة: في بعض المراحل التلريخية تم التساهل مع هذه الظواهر بل أحيانًا تشجيعها ضمن منطق التحكم في المشهد السياسي.
  • المجتمع المدني والإعلام: واقع سؤال الاستقلالية أضعف الرقابة والوعي مما ساهم في انتشار هذه الظواهر دون مساءلة أو فضح.

رابعًا: سبل المواجهة

  1. تعزيز الوعي السياسي: من خلال التعليم والإعلام المستقل، يمكن للمواطنين التمييز بين الاحتضان الشعبي الحقيقي والمصطنع.
  2. تقنين الحملات الانتخابية والتمويل الحزبي: للحد من شراء الولاءات والمظاهر الكاذبة.
  3. دعم الأحزاب الجادة: عبر فتح المجال السياسي أمام التيارات التي تمتلك برامج واضحة وتحظى بتأييد فعلي.

خاتمة:

إن ظاهرة اكتِراء الجماهير لا تعبّر فقط عن خلل في سلوك بعض الأحزاب بل في المنظومة الحزبية برمتها . وتكشف عن عمق أزمة الديمقراطية ، الشيء الذي يستلزم إعادة النظر في جوهر العمل السياسي، وتجديد العلاقة بين الأحزاب والمواطن، على أساس المشاركة والصدق لا الزيف والاستغلال