كرة القدم والسياسة: مونديال 1978.. رشاوى وتهديدات نظام الأرجنتين من أجل الفوز اللقب

ص
ص
كأس العالم لكرة القدم سنة 1978 التي أقيمت في الأرجنتين كانت أغرب النسخ في تاريخ البطولة العالمية، فقد عرفت الكثير من الجدل والتشكيك في تدخل النظام العسكري الدموي في بوينس أيرس لتعبيد الطريق لمنتخب الطانغو كي يفوز باللقب.
وقد كشفت وثائق استخباراتية أميركية تم رفع السرية عنها، أن الأرجنتين لم تفز بكأس العالم 1978 بجدارة لاعبيها، إذ امتزجت في هذه البطولة الكثير من السياسة بالرياضة، وشهدت تهديدات بالمقاطعة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي كان يقترفها النظام العسكري.
وكان النجم الهولندي يوهان كرويف من أكبر الغائبين عن هذه البطولة، حيث رفض السفر إلى بونيس أيريس بسبب تعرضه لمحاولة اختطاف في برشلونة من طرف مجهولين. كما شهدت البطولة جدلًا حادًا، بسبب أن منتخب الأرجنتين تمت برمجة جميع مبارياته ليلًا، بعد انتهاء المباريات ومعرفة نتائجها.
لقب مشبوه
في الجولة الأخيرة، استوجب فوز الأرجنتين على البيرو لتتأهل للمباراة النهائية. انتهى الشوط الأول بين الأرجنتين والبيرو بهدفين نظيفين للأرجنتين، وبعد الإستراحة استطاعت الأرجنتين تسجيل 4 أهداف والتأهل للمباراة النهائية.
أثارت ذلك جدلًا حول تلاعب ما، في النتيجة وحول رشاوى دفعت لحارس مرمى المنتخب البيروفي، بعد أنباء عن وجود حسابات له في البنوك الأرجنتينية، ومساومة الحكومة البيروفية على محكومين لدى الأرجنتين للإفراج عنهم وإعادتهم إلى البيرو مقابل خسارتها المباراة بستة أهداف.
وكانت المباراة القمة بين الارجنتين وهولندا، ففازت الأرجنتين محرزة لقب كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها.
عملية كوندور
كان الأمر مجرد شكوك، حتى أخرجت الاستخبارات الأميركية إلى العلن وثائق من تلك المرحلة، كانت سرية ثم رفع عنها الحجاب مع مرور الزمن.
ففي 20 نونبر 2009، أفرجت الاستخبارات المركزية الأميركية عن بعض الوثائق السرية تؤكد دورًا لهنري كيسنجر في فوز المنتخب الأرجنتيني بكاس العالم 1978، لأن الولايات المتحدة أرادت أن تسخر الحدث الكروي لكي تمتص الرفض الشعبي لنظام الدكتاتور خورخي رافاييل فيديلا، الحاكم العسكري للأرجنتين حينها.
فكان التخطيط لصرف أنظار المضطهدين عن معاناتهم باستخدام الشغف الكروي الذي يعم الشعب الأرجنتيني، وكان إصرار وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر كبيرا في أن تقام البطولة في الأرجنتين، وفي أن يفوز بها منتخب الطانغو مهما كان الثمن، في عملية أطلق عليها “عملية كوندور”.
تفاصيل وثائق سرية
تستعرض إحدى الوثائق السرية نص حديث دار بين هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي في ادارة الرئيس فورد وبين الادميرال سيزار اوغوستو غوزيتي وزير الخارجية الارجنتيني خلال شهر يونيو 1976ـفي اجتماع عقد بفندق والدورف استوريا في نيويورك، أي بعد ستة أشهر من استيلاء العسكر على السلطة الأرجنتين، أدرجته الوثيقة تحت عنوان “حديث كروي”.
وقال كيسنجر لغوزيتي: “نريدكم أن تفوزوا، وسأكون بجانبكم في الأرجنتين في 1978، في عام كأس العالم”. ثم أردف قائلًا: “الأرجنتين ستفوز”. وهذا ما حصل بعد عامين، حيث وفى كسينجر بوعده، وعاد مع عائلته زائرًا إلى الأرجنتين ليشهد فوزها بكأس العالم.
وتقول الوثيقة نفسها إن جاكوبو تيمرمان، المحرر الصحافي الذي كان أكبر معتقل سياسي في الأرجنتين، قال: “نحن السجناء السياسيين كنا جميعًا مع هولندا فى ذلك اليوم”، وهو يعلم أن مؤامرة فوز الأرجنتين بتلك الكأس كانت لدعم الحكم العسكرى فيها وإلهاء الشعب الأرجنتيني بالانتصار الكروي والتوقف عن التظاهر ضد نظام الحكم العسكري.
هكذا خسرت البيرو
في كتابها “نسأل بحثًا عن الحقيقة”، كتبت الكاتبة الارجنتينية هيبي دي بونافاني أن كيسنجر جاء مع عائلته ليحضر مباريات البطولة، ورافق فيديلا بزيارة مستودع ملابس منتخب البيرو في الدور نصف النهائي، أثناء مباراة الأرجنتين والبيرو.
كان على الأرجنتين أن تفوز بأربعة أهداف على الأقل لتتأهل، فهدد فيديلا البيرو باستخدام الوحدة الأميركية اللاتينية ضدها، فخسرت البيرو أمام الأرجنتنين بستة أهداف للا شيء.
أما الصحافي الأرجنتيني ريكاردو كوتا، فقد ألف في العام 2008 كتابًا عنوانه “نحن الابطال”، بمناسبة مرور 30 عامًا على فوز بلاده بمونديال 1978.
يقول في كتابه: “كانت تشكيلة الأرجنتين تضم فيلول وباساريلا وأرديليس وليوكي وكيمبس، ويرأسها سيزار لويس مينوتي، وكان على هؤلاء أن يفوزو على البيرو بفارق أربعة أهداف للتأهل، فأتت النتيجة 6-صفر، بعدما زار الديكتاتور خورخي رافاييل فيديلا وهنري كيسنجر غرفة تبديل ملابس المنتخب البيروفي”.
ويعترف خوان كارلوس أوبليتاس، مهاجم بيرو في مونديال 1978، بأن كيسنجر وفيديلا زارا غرفة الملابس قبل المباراة الفضيحة، وكان حضورهما حاسما لتسهيل وصول الأرجنتين إلى المباراة النهائية والفوز باللقب على حساب هولندا.